البحوث والدراساتالصحيفة الإلكترونية

الحرب الإعلامية الحديثة Media Warfare

اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
٢٨ يونيو ٢٠٢٤م

🟣الدعاية الشعبية الزائفة Astroturfing هي ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﻻﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﻣُﺰﻳﻔﺔ ﺗﻜﻮﻥ ﻣُﻤﻮَّﻟﺔ من شركات أو منظمات أو كيانات حكومية أو ﺃﺣﺰﺍﺏ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ، وذلك ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺭﺃﻱ ﻋﺎﻡ ، وﺧﻠْﻖ ﻭﻫﻢ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﺷﻌﺒﻲ ﻭﺍﺳﻊ ﻟﺴﻴﺎﺳﺔ معينة أو مُنتَج معين ، وكان السيناتور Lloyd Bentsen ١٩٨٥م أول من استخدم هذا المصطلح.

🟣المزرعة الكترونية ClickFarm هي وسيلة احتيال الكتروني عبر برنامج يجري تحميله على عدد غير محدود من الجوالات الرخيصة ، ويعمل عليه موظفون قلائل بأجور زهيدة ، ومن خلال نقرات Clicks محدودة ، يقوم البرنامج بإنشاء أعداد كبيرة من الحسابات الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي ، ويبث المحتوى المصنوع عبرها ، ويدير التفاعلات ما بين هذه الحسابات الوهمية وغيرها ليتصدر المحتوى أكبر عدد من مواقع التواصل الاجتماعي فيصبح رائجاً Trend ، وأحياناً بمختلف اللغات ، وبذلك يصعب تجنب المادة الإعلامية والتي تكون بمثابة القذيفة لمفاهيم وتصوُّرات المتلقي.

🟣البث عبر السلاسل الكُتَل Block Chain Proadcast وفيها يقوم صانع المحتوى Content Creater أو Youtuber بالبث لرسالته عبر مئات الجوالات المرتبطة بمنظومات مزارع إلكترونية لإغراق وسائل التواصل الاجتماعي بهذه الرسالة ، وعندما يبلغ عدد متابعي اليوتيوبر حوالي خمسون ألف يُطلق عليه لقب مؤثِّر Influencer

🟣علم الجهل Agnotology المؤرخ روبرت بروكتر Robert N. Proctor صاغ هذا المصطلح الذي يختص بإدارة عملية التجهيل للمجتمعات والشعوب والأمم من خلال هندسةٍ Engineering Ignorance دقيقةٍ ومدروسةٍ تعتمد على علم النفس والسلوك والإدراك بغرض صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة ، ومباشرةً بعد الحرب العالمية الثانية أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية إدارة متخصصةً أسمتها الفهم Perception Management للتحكم في مفاهيم وتصورات الشعوب.

🟣عملية التجهيل ليس المقصود منها العمل على انعدام المعرفة ، بل هو تضليلٌ مدروسٌ وممنهجٌ لخدمة أهدافٍ إستراتيجية ، وتتم هندسة الجهل وإدارة عملية التجهيل باستخدام:-
1️⃣الدعاية الشعبية الكاذبة Astroturfing.
2️⃣العلاقات العامة Public Relation.
3️⃣وسائل الإعلام الجماهيرية Mass Media.
4️⃣وسائل التواصل الاجتماعي Social Media.
5️⃣ برامج التزييف العميق Deep Fake بواسطة الذكاء الإصطناعي AI وإدماجها في الواقع المُعَزَّز.
6️⃣مؤسسات تعليم بلا فائدة .. تعليم لا يدعم سوق العمل ، ولا يُثقِّف حامله.
7️⃣نشر التفاهة والإعلام الهتافي Cheerful Media ، وقمع الإعلام الرصين والجاد.
8️⃣التلاعب بالمصطلحات وفق تعريفات مغايرة.

🟣تستند عملية التجهيل وإدارة الفهم على مرتكزات ثلاث هي:
1️⃣بث الخوف من خلال صناعة الأعداء أو الإيهام بوجودهم.
2️⃣إثارة الشكوك بنشر الفساد بأنواعه وتضخيمه دعائياً بشكل هائل.
3️⃣صناعة الحيرة من خلال بث الخوف والتشكيك وتضارب المعلومات وإخفاء وطمس بوارق الأمل ، لإسقاط المجتمع في دوامة الحيرة والإرباك … وهذه ستقود إلى:-
▪️استسلام المجتمع وخنوعه.
▪️انشغال المجتمع بعيداً عن قضاياه المصيرية.
▪️تمرير الأجندات الخبيثة التي تخدم أصحاب سياسة التجهيل ومنفذي هندسة التجهيل ، فيتم القبول بما كان مستحيلاً القبول به بعد أن يتم تصويره على أنه المخرج الوحيد.

🟣الكثيرون اليوم يعتقدون بأنهم يَصدُرون في مواقفهم عن قناعاتهم ، ويُعبِّرون عن ذواتهم ، وأنهم يتمتعون باستقلالية الرأي … وغالباً ما يكونون قد وقعوا فريسةً لتأثير الآخرين عليهم من حيث لا يشعرون ، فأكبر مغامرةٍ يخوضها المرء هي أن يكون نفسه -سَلَمَاً- ويحافظ على استقلاليته الذاتية ، والحقيقة أن الكثيرين أحياناً ينخرطون في معارك الآخرين ظنَّاً منهم بأنها معاركهم الشخصية ، وغالباً ما يخوضونها بالنيابة عن الآخرين دون أن يَتكلَّف أصحاب المعركة الحقيقية مشقَّة خوضها!!

🟣النجاة من الوقوع في براثن عملية التجهيل الممنهجة تتطلّب جهوداً ذاتية كبيرة تبدء بمنظومة راسخةٍ من قيم الفضيلة ، ووعياً مُستقلاً يبحث عن الحقيقة بعيداً عن العاطفة والمشاعريات التي يسهُل على المتلاعبين اغتصابها مع العقل نفسه كما تفعل الدراما والأفلام السينمائية كثيراً في جعلنا نتعاطف ونقف في صف المجرمين ضد الضحايا ، مع استدامة الطلب والرجاء بالهداية للحقيقة والصواب من الحقِّ عزَّ وجل .. إذ تتقزَّم القدرات الذاتية بإزاء تعملق المكر العالمي الهادف لمصادرة الحقيقة والإرادة الذاتية ، فهذه حربٌ تقوم عليها دول ظاهرة وأخرى عميقة ، وتستخدم في ذلك العلم والتكنلوجيا ، وعلماء نفسٍ متخصصين في تحفيز المشاعر وإدارة السلوك ، وسيكون من قصر النظر وفرط السذاجة لو اعتقدنا أن “علم الجهل” و “إدارة الفهم” و “العلاقات العامة” و “الدعاية الشعبية الكاذبة” -وغيرها من وسائل وأسلحة الحرب الإعلامية- ليست هي مما يُسهم في تشكيل وعينا الجمعي في منطقتنا ، وغنيٌّ عن القول أن الحرب الإعلامية الحديثة التي تقودها الدُّول بميزانياتٍ ضخمةٍ وشركات متخصصة وتُوظِّف لها جهودٌ جبارة .. تتطلب مناهضتها جهوداً موازيةً من الدولة لتحصين شعبها وبلادها من هذه الحرب القذرة ، ومن غير المعقول أن يتم تجاهل هكذا حرب مؤثرة اقتصاراً على جهودٍ يقوم بها إعلاميون مُخلصون .. بلا تخطيط ولا تنظيم ولا معينات .. لتتناثر جهودهم هنا وهناك!!

🟣أخطر مافي عملية التجهيل وإدارة المفاهيم هي أن معظم ضحاياها لديهم ثقة يقينية بمستوى وعيهم وإدراكهم وثقافتهم ومعرفتهم بما قد يحملونه من ألقاب عِلمية أو وظيفية ، وبذلك يتحولون (دون أن يدركوا) إلى أداةٍ إضافيةٍ من أدوات التجهيل ، ورُسُلاً لمسْخ المفاهيم وطمس الحقائق .. يقول برتراند راسل Bertrand Russell: مُشكلة العالم أنَّ الأغبياءَ دائماً واثقون بأنفسهم أشدّ الثقة ، أمّا الحكماء فتملؤهم الشكوك .. ويقول استيفن هوكينج Stephen William Hawking: أعظم عدوٍّ للمعرفة ليس الجهل ، بل وَهْمُ المعرفة .. ويقول جورج برناردشو George Bernard Shaw: إذا قرأ الغبي الكثير من الكُتب الغبية ، سيتحول إلى غبي مُزعج وخطير جداً ، لأنه سيصبح غبي واثقاً من نفسه ، وهنا تَكْمُنُ الكارثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى