مقالات الرأي
أخر الأخبار

الخط المستقيم .. سيناريو المليشيات المسلحة .. بقلم/ د. وفاء سعد عمر

و ستنتهي الحرب… و قد هرِمتْ الروح، و أوشك العمر أن ينطوي، و ابيضت عيوننا من الحزن، و ما زال في القلب الكثير من الأماني المعلقة على جيد المستقبل، و حين نسمع أخبار انتصارات الجيش نرتشف كأس التداعي، فنتكئ على منصة الحلم بوطن مستقر آمن، به جميع مقومات النهضة و وجهة استثمارية جاذبة و محفزة للعمل و الإنتاج … لننعم بالرفاهية، و هو أقل حق من حقوقنا كشعب عانى و نُهب و شُردّ و قُتلّ أهله و أحبابه فرضي واحتسب و صبر.
و لكي تتحقق تلك الأماني غير المستحيلة نحن بحاجة لتحقيق الأمن و الأمان للمواطنين و المستثمرين، و لن يتوفر الأمن في وجود مليشيات مسلحة تتكاثر و تتوالد و تتعدد كلما طال أمد الحرب، فبسبب ضعف مؤسسات الدولة السودانية تاريخيًا أصبح في السودان عشرات من المجموعات المُسلحة (حيث تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 80 حركة مسلحة في عموم البلاد)، و قد لجأت السلطات عقب الإطاحة بنظام البشير إلى دعوة عدد محدد منها للتفاوض على إعادة توزيع السلطة و الثروة، و وقعت على اتفاق جوبا الذي منحهم نسبة تمثيل في السُلطة الانتقالية، و لكنهم لم يلتزموا بما يليهم في الاتفاق و هو الالتزام بخطة دمج مقاتليهم في صفوف الجيش السوداني، بل بالعكس فربما استغلت الحركات ظروف الأزمة في تسريع وتيرة عملية تجنيد مقاتلين جدد و تدريبهم ثم أضافتهم إلى تعدادها، فمن الطبيعي في ظل هذه الظروف أن يرغب كل طرف في تعزيز وزنه االسياسي و العسكري. و تكمن خطورة المليشيات في إثارة النعرات القبلية التي تهدد وحدة الصف و تماسك النسيج الاجتماعي، و لأنها تأخذ أوامرها من قادتها و ليس من قادة الجيش دون تنظيم أو تنسيق مما يتسبب في فوضى من أهمها اعتداءات غير مبررة على المواطنين العزل، و قد شهدت ولاية البحر الأحمر و الولاية الشمالية الكثير منها… ولا يغيب عنّا أن هذه الحرب نشأت أساسًا بسبب الدعم السريع و طمعه في السلطة، و هي التي صنعها النظام السابق و سلحها لمحاربة مليشيات أخرى تمردت على الحكومة.
و من المعروف أن المليشيات تولد في المناطق التي تكون فيها السلطة ضعيفة، و تتبنى أهداف مثل العدالة في توزيع الثروات و إنهاء التهميش وغيرها من الأهداف السامية، و تجنح إلى السلاح لتحقيق تلك الأهداف المعلنة، و لكن الباطن يحمل في طياته الهدف الرئيس وهو الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، مما يجعل تكوين المليشيات استثمارًا مضمون النتائج، فالبندقية توفر لمن يملكها وضعًا سياسيًا و اقتصاديًا و استفادة كبيرة من موارد الدولة دون حسيب أو رقيب، و هذا حافز مغرٍ جدًا لتكاثر المليشيات و حمل السلاح. و يشهد الواقع في السودان أن كل بندقية نشأت بهذه الطريقة حصلت على مكاسب سياسية و اقتصادية على حساب المواطن البسيط المنهك بالفقر و الحاجة.
و خطورة المليشيات و تزايدها مهددًا لوحدة السودان، و معززًا لتقسيمها لدويلات متناحرة متعادية خاصة في ظل الهشاشة الأمنية، فلن يكون هناك بالتأكيد وطن… فما لم تحسم الحكومة أمر المليشيات المسلحة، فسنفقد أهم متطلبات الاستقرار و التنمية، لأن دمجها مع الجيش ونزع السلاح من أيدي مقاتليها يعتبر حجر الأساس الذي ستبنى عليه نهضة البلاد و جذب العقول الوطنية المفكرة و المنتجة للعودة إلى السودان، و وضع البنية التحتية لنظام اقتصادي و مصرفي متين وفق خطة استراتيجية شاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى