مقالات الرأي
أخر الأخبار

الخط المستقيم … وستنتهي الحرب .. بقلم/ د. وفاء سعد عمر

هل أتاك حديث النبض الفطن؟ نفترش الدموع جسراً يمتد بين نهارنا و ليلنا… تصحبها غصة تلو الغصة… و نصدح بحشرجة الحروف الجريحة التي تلكز غيمة في سماء ثامنة؛ تهطل منها فاجعة الحرب كنذير شؤم ثمل…

يوم بعد يوم تعصف رياحها بحياتنا… و يوم بعد يوم ترعبنا فظائعها… و يوم بعد يوم يتساقط أشخاص من عرش القيم ما حسبناهم هكذا!!! دُمّر سوداننا الحبيب بصورة شبه كاملة، و تعرضت المصانع و المتاحف و الجامعات و المعالم الأثرية للنهب و التجريف، و كل شيء تقريباً تهاوى؛ بما فيه أرواحنا… و الأغلبية العظمى منا أصبحنا ضحايا هذه الحرب اللعينة، ما عادت البيوت سوى مساكن للخواء… فقدنا كرامتنا و عزتنا و تشردنا… فقدنا ذوينا و ممتلكاتنا و مقتنياتنا و حصاد سنين من التعب و المشقة، و أحلام شبابنا و طموحاتهم، و فقدنا الثقة في النخب السياسية و العسكرية، و رغم ذلك؛ و بما تبقى لدينا من أمل ندرك أن الحرب ستنتهي و ستغرق في عين حمئة، و تبقى الأسئلة الحائرة المنبعثة فينا من رحم الحرب و ضروبها جمرة متقدة في داوخلنا… (و ماذا بعد أن تنتهي الحرب ؟؟؟)، (و كيف سنعوض خسارتنا ؟؟؟ )، (و كيف سنعالج ذاكرتنا و ذواتنا من عطبها و نشعر بالأمان ؟؟؟)، (و ما الطريق للنجاة ؟؟؟)

و قبل أن نغرق في إجابات هذه الأسئلة علينا أن ندرك أن هناك سؤال مهم كمتطلب سابق و هو:(ما الذي نحتاجه لنحقق حلمنا في بناء سودان متقدم ؟؟؟)، و بعيداً عن نظرية المؤامرة التي قد تكون (شماعة)، أو قد تكون حقيقة؛ فإن المسؤولية تقع علينا شعباً و حكومةً بالتساوي و بما يعادل كفة الميزان، و أن نستوعب مبدأ الأخطاء فرصة للتعلم، و بطبيعة الحال فإن تجربة الحرب ألبستنا ثوب الوعي و الإدراك و محاسبة النفس قبل الغير، و عليه نحن بحاجة إلى مجموعة من الأدوات تعمل بانسجام و تناغم، تطبقها الحكومة و الفرد معًا بذات التكافؤ و المسؤولية؛  فنحن بحاجة إلى:

قوانين حازمة ورحيمة:
نحن بحاجة إلى قوانين تضعها الدولة و تطبقها على نفسها قبل تطبيقها علينا، تطبقها دون محسوبيات أو حصانات، قوانين تعلمنا الالتزام، تزرع في أعماقنا احترام الملكية العامة قبل الملكية الخاصة، و احترام مشاعر الآخرين، و البعد عن التنمر و التمييز العنصري، قوانين تحترم الحريات وحدودها، أنا حر ما لم أضر بالآخرين، فأن أتعاطى (السعوط) هي حرية شخصية، أما أن أبصقه (أكرمكم الله) في الشوارع و في زاويا المكاتب و تحت كراسي الحافلات فهذا إضرار بالآخرين.

التركيز على حل المشكلات
نحن بحاجة أن نتعلم مهارات حل المشكلات، فنحن بارعون في مناقشة المشكلة و تأثيرها، و من المتسبب فيها، و كيف نعاقبه، و نضيع الزمن و الجهد بالتركيز على المشكلة دون الشروع في إيجاد الحلول لها و اختيار الحل الذي يتناسب مع إمكاناتنا و قدراتنا، و يكون لدينا الشجاعة و المرونة في تغييره إن أثبت عدم صلاحيته.

الترابط قبل الإصلاح
نحن بحاجة إلى إعادة الثقة في المؤسسات الحكومية و ذلك بانفتاح الحكومة على المواطن، و الخروج من قوقعتها، و الفهم الحقيقي لاحتياجه، و السماح له بتقديم مقترحاته و مشاركته بآرائه عبر منابر مخصصة تهتم بها الحكومة و ترعاها، فعندما يشعر المواطن بأنه أولوية لدى الحكومة سينفتح على الإصلاح و قبول ما تقدمه، فينتقل من الذاتية إلى العمومية، و يركز على المصلحة العامة قبل المصلحة الشخصية، و يترفع عن الأنانية لصالح حب الوطن و المجتمع و يزداد وعيه بأن هناك فرق بين الخلاف و الاختلاف فالاختلاف سنة الله في الأرض.

معالجة عيوب الإدراك
نحن بحاجة إلى معالجة الأفكار التي كونت معتقدات خاصة بتخلينا؛ فنرى الأمور ليس على حقيقتها أو حجمها الطبيعي، و كأننا نرتدي نضارة عدساتها حمراء نرى بها الأشياء حمراء، ومع مرور الوقت ننسى أننا نرتدي تلك النظارة الحمراء، وننسى اللون الحقيقي للأشياء ونتعامل مع كل شيئ يمر أمامنا على أنه أحمر، و تصبح ردود أفعالنا و سلوكياتنا تجاه الحياة من خلال النظارة الحمراء، و هذا بالتأكيد يؤثر علينا… فمثلاً نحن (نفلتر) المواقف فنركز على السلبي منها و نتجاهل الإيجابي، نركز على تفاصيل صغيرة سيئة، و نتجاهل أشياء كثيرة إيجابية بهدف و قصد و نية حسنة و هي معالجة السلبي، هذا يجعلنا دائماً في حالة إحباط، و من عيوب إدراكنا أيضا (يا أبيض يا أسود)، إما أكسب كل شيء أو نخسر جميعاً كل شيء… و أيضاً فنحن دائما نقفز للنتائج و لا نعير المجهود المبذول أي قيمة أمام النتيجة المحققة، كما أننا إما نهول أو نهون الأمور؛ فما يستحق أن نعطيه اهتمام لا نبالي به، و ما لا يستحق نكبره و نعظمه، و يبقى حديث المنصات الاجتماعية، فإنجاز عمل ما نهمله، و خلاف بين مطربتين يشغل بالنا و يؤرقنا (شمار)، كذلك الشخصنة من عيوب الإدراك التي تكون على مستوى الفرد، و الجماعات، و المسؤولين، و المثقفين، و الحكومات و الأسر.

الانتماء
نحن بحاجة للشعور بالانتماء للسودان، و يتحقق ذلك بتعديل مناهج التربية و التعليم، و بحدوث التنمية، و إيجاد فرص عمل للخرجين، و توفير الحد الأدنى من المعيشة و الكرامة للمواطن، كذلك توفير قروض لبناء المنازل بدون فوائد، و تقديم الأراضي كمنح و تشجيع التميز و الموهبة…هذا دور الحكومة؛ أما دورنا فيتمثل في أن نعمل أي شيء، و نبتكر و ننشط، ونهجر الجلوس تحت الظلال وإضاعة الوقت على (بنابر ستات الشاي).

نحن بحاجة للحب، و قبول الآخر و التفاؤل و الأمل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى