مقالات الرأي
أخر الأخبار

العلقميّون الجُدُد .. بقلم/ د. الغزالي منير الشيخ

إحدى أشد الأمراض المجتمعية التي تضرر منها الجيش السوداني في هذه الحرب هو جنوح البعض في إنصافه لنفسه من الأنظمة السياسية المتعاقبة على بلادنا بعداوة القوات المسلحة و القوات النظامية الأخرى، يرى أن تلك الانظمة لم تُنصِفه في مقام معين، توظيف، اعتداء بعض منسوبيها عليه، تضييق فكري أو عقدي و غيره، و يرى الجيش و القوات النظامية هي تحمي هذا النظام السياسي، و لذا لا بد أن يصُب جامّ غضبه عليها فيصفها عموماً بأقذع الأوصاف و التي تنشأ من شعوره بالغبن.
هذا الواقع لم يستثنى منه في موقفه ذاك، حتى المواطن العادي أو أصحاب الياقات البيضاء من الطبقة المثقفة و المتعلمة و التي غالبًا ما تزداد ضرواة عداوتها كلما ارتفع شأنها في مجتمعاتها و قد انحاز معظم هؤلاء إلى الدعم السريع مناصرةً له بكل السبل.
هذه الظاهرة الاجتماعية لم تكن وليدة أيام هذه الحرب فحسب بل لم تكن ظاهرة المثقف أو العالِم الذي يخون مبادئه و ينحاز للأعداء في المواقف المفصلية وليدة عصر معين أو زمان أو دولة أو أمة بعينها، و لكنها ظاهرة إنسانية و اجتماعية في المقام الأول، و هي كذلك ظاهرة أيديولوجية يميل فيها المثقف إلى مبادئه أو يحيد عنها تبعًا للنوازع الداخلية، أو ارتباطًا بشهوة أو منصب أو مكانة، و قد كان لهذا الأمر أثره خصوصًا في التاريخ الإسلامي ففي العصر الأول ظهر المنافقون و كبيرهم (عبدالله بن أبي بن سلول) الذي كان يرى أن ان ظهور النبي ،صلى الله عليه و سلم، بدين الإسلام سلبه حقه في مُلك قومه، و كان موقفه و تابعيه يوم خذل رسول الله في أحد، ثم توالي ظهورهم حتى ظهر (مؤيد الدين بن العلقمي) و الذي أشتهر في التاريخ بابن العلقمي، و الذي كان وزيراً الخليفة العباسي المستعصم بالله (رئيس الوزراء)، تواطأ مع هولاكو بمعاونة (نصير الدين الطوسي)، على قتل الخليفة العباسي و احتلال بغداد مقابل أن يكون هو أمير بغداد. و قد تظاهر هولاكو بقبول شرط بن العلقمي، و بعد أن تم احتلال بغداد و مقتل الخليفة المستعصم بالله حنث هولاكو بوعده و قتل بن العلقمي.
ما أكثر العلقميون الجدد في أيام المحنة هذه، فهذا يعنف الجيش على أنه يحارب الدعم السريع و يقول و ليس في وجهه مزعة لحم من حياء ماذا يحدث لو استسلم البرهان وقادة الجيش، فقد استسلمت قديمًا اليابان و كل ذلك لينال منهم كسرة ذُلٍ يقتات بها كهوام الأرض …لا يأبه لما قد يصيب البلاد أو العباد من خيانته تلك. و ذاك يدلهم على خاصة أهله و بيوتهم و دُورهم و أملاكهم ليتقرب إليهم نكاية في الجيش الذي يرونه سحب البساط من تطلعهم لملكٍ عَضُوض كانوا يعدون اهل السودان به.
و الآن و قد ملأ الجيش السوداني الأفنية و الخلاء على الميلشيا و قد ضاقت عليهم رحاب الأرض.
إلى أين يولي المتعاونون وجوههم من لدن مخنثي المروءة في (تقدم) الذين لم يروا في عرض اُنتهك سبة أو مال انتُهب مصيبة أو في دورٍ احتلت طامة.
إن المتعاون الذي يعين العدو في الميدان أو الصادع (لا للحرب) و هو يرى كل هذه الجرائم، أو حتى الذي يساوي بين المدافع عن أهله و عرضه ودينه و المجرم الصائل الذي اعتدى على العباد و الزرع و الضرع هم كلهم علقميون جُدُد أنصفوا أنفسهم بضرر الناس.
و لعل المتبصر في الأمر لا بد أن يدرك أن من رضي بفعل ظالمٍ قتل أو سحل أو سرق فهو معه في الإثم سواء، و قد ورد في الاثر (أن من أعان على قتل امرء مسلم و لو بشطر كلمة كتب على وجهه آيسٌ من رحمة الله يوم القيامة) …فكم أذى المتعاونون و المؤيدون و المتمنعون الناس … و بأي وجه سيلقون الله تعالى!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى