مقالات الرأي
أخر الأخبار

الفنجان … هل يصمد الدعم السريع أم يتناسل لحركات مسلحة؟.. بقلم/ د. النور جابر محمد _ حلقة رقم (2)

بعد تلك المقدمة فى الحلقة الأولى و نحن نلقى مزيد من القراءة و التحليل لجينات التركيبة العسكرية و الجغرافيا الاجتماعية المحلية و الإقليمية ذات الصلات الأجنبية بمنظومة الدعم السريع لربما تقودنا أن نغوص أكثر فى الفكرة المفاهيمية لهذه القوات، و غياب “منفستو سياسى” بدوره يجعلنا ألا نغفل قضية رئيسية و نحن نحاول نتعمق أكثر في النفسية القتالية لهذه القوات، الأمر الذى يقودنا مباشرة للبحث عن سؤال فرعى يحتاج لإجابة فى هذا المقال، و هو ماهى العقيدة القتالية لهذه القوات؟ يلزمنا الإجابة على هذا السؤال لربما يسهل علينا مهمة الإجابة على السؤال الخالد (هل سيصمد الدعم السريع أم يتناسل لحركات مسلحة؟).

لكى نغوص عميقًا عن عقيدة الدعم القتالية لا بد أن نرجع للوراء قليلًا حيث النشأة لهذه القوات و التركيبة لأنها توجه بوصلة ديناميات هذه القوات، و لا نغفل المكون الاجتماعي الأصل أي “المؤسس” و لا نسترسل لأن المكون و قيادته التراتبية معلومة للكل، و ما لحق بعد بذلك فهو مكمل للتحضير الجيد لتلك الأبنية المفاهيمية للقوات و يلحق بذلك الموجه الثقافي المصاحب للنفسية الدافعة للتحشيد، و لكن لا بد و نحن نحلل ألا نغفل الأوائل من الأفواج التي قاتلت في حرب اليمن لم تظهر إلا في لسان العائدين من صفوف القتال عند الفوج الخامس و ما بعده، تلاحظ هناك مجموعات ذهبت أكثر من مرة لليمن في وقت ينتظر الآخر دوره، لكن هذه المجموعات رغم المحسوبية في المشاركة التى شكى منها الكثير لكنها مهمة لأمرين الأمر الأول المحسوبية، و الثانية المنفعة المادية التي أحدثت فوارق مبكرًا في صفوف القوات، هذا كان واحد من الدوافع الرئيسية للقتال و شكل اللبنة الأولى للعقيدة القتالية تحت شعار (الدواس يا غنيمة أو غبينة، و الحى مستفيد و الميت شهيد)، ليس من بينهم من مغبون للقتال في اليمن بقدر ما هو دافع (الغنيمة)، بدأت تصل مع طلائع الأفواج القادمة من حرب اليمن الغنائم بالإضافة للعائد المادي، بدأ العائدون يحكون هذه المنفعة للشباب و بدأ البذخ فى الأفراح الشعبية و التنافس فى شراء الماشية و البيوت و التنافس على زواج الحسان في مضارب البادية و القرى و هناك مقولة شهيرة منتشرة حين يريد الشاب يتقدم و ينافس للزواج من إحدى الحسان فتحسم أم العروس الأمر بقولها الفصل(كن ماك يمنى ما تجننى)، أي بنتها لا تزوجها إلا لشاب قاتل في (اليمن)، و عاد محمل بالغنائم و المال، هذا شجع الشباب في قرى و بوادي دارفور و خاصة عند مضارب الأبالة و ديار (البقارة) بالانخراط في صفوف هذه القوات، وقتها كان الوجود من دول الجوار غير حاضر بالصورة التي شاركت في الأفواج المتأخرة و عند الحرب الأخيرة في السودان.

هذه السردية مهمة لقوات اندفعت للقتال مبكرًا دون عقيدة قتالية أو (منفستو) واضح الأهداف، فكان الهدف هو المغنم و لولاه لما شكل الشباب حضور فاعل فى المعارك الأخيرة. و نحن نلملم أطراف الحديث لا بد من التركيز على أمرين في غاية الأهمية حتى تكتمل عندنا الصورة المفاهيمية الذهنية عند عقيدتهم القتالية، أولى ذلك الحديث المبكر و التبشير من العائدين من حرب اليمن بفكرة مشروع (دولة جنيد الكبرى أى الجنيدية)، هذه الأفكار ظهرت بعد اختلاط المقاتلين من حواضن البقارة و مضارب (الأبالة) مع المقاتلين من بعض دول الجوار مثل النيجر، مالي تشاد من ذوى الأصول العربية، بثوا فيهم هذه الأفكار، و بدأت حواضن البقارة عند مضارب البادية يبشرون بالفكرة، و بدأ الكبار يشاركون هؤلاء و يحكون للشباب تاريخ عيال (جنيد)، و أفخاذ و بطون هذه القبائل وجدت طريقها للتسويق و حشد الشباب، معلوم أن شباب البقارة تستهويهم أحاديث الشجاعة و تاريخ الأجداد و الكلام عن (جنيد و مجنود، و راشد الولاد… إلخ الحكي).

سردية ثانية معززة استحكامًا لعقول شباب ديار البقارة حكاية ( دولة العطاوة)، هذه الأدبيات ظهرت بصورة صارخة وما بداخل العقل الباطنى بدأ البوح به فى المعارك الأخيرة فى السودان فظهرت على السطح حكاية( الجنيدية، و دولة العطاوة)، بل أظهر من ذلك طغت على لسانهم مفردات فى الحرب الأخيرة مستوحاة من الثقافة المحلية المربوطة بأدبيات القتال وحماس الحكامات للدفع بالمقاتلين للقتال ولكى ندلل على ذلك ونحن نبحث عن الإجابة للسؤال العرضي غير الرئيسي، مفردات مثل( رجالة و قنقر، أبلدة أم قاش، عجال لاقن، مطر بدون براق، تمطر حصو، الطق النضيف، إلى (الجري الدنقاس) و آخر موروثات المفردة المستوحاة من ديار البقارة الذين بعتزون بالانتماء لعيال جنيد والعطاوة عمومًا) هذه الذهنية شكلت نسبة كبيرة من عقيدتهم القتالية حتى كان قائدهم( حميدتى) يردد مثل هذه الأدبيات وبعض المستشارين، هذا باختصار غير مخل ربما يساعد فى أن نجد اجابة للسؤال عن العقيدة القتالية عند هؤلاء!! لا نذهب بعيد عن هذا السؤال لأنه مهم ندلل على هذه الفرضية للعقيدة القتالية وأدبياتها الثقافية التى كانت حافز للقتال لم نجد أبلغ من الممارسة على الأرض لهذه القوات من( شفشفة، الاستيلاء على حق الاخر بالقوة، تدمير المؤسسات، وكسر البنوك وغيرها من أعمال وحشية طالت المواطن السودانى الذى تجاوزت فيه هذه المجموعات قتالها للجيش و استهدفت المواطن وهذا سر كيمياء العقيدة القتالية انفة الذكر التى لا ترى غير دولة العطاوة المستوحاة من فكرة بعث مفهوم الجنيدية)، مما جعل هدفهم يطيش بعيدا عن قضايا الوطن والتركيز على تدمير البنيات التحتية ساعدهم فى ذلك الوافد من خارج مكون الدولة السودانية من المشاركين المرتزقة من مختلف الجنسيات في حرب تعتبر من أغرب الحروب لمجوعة تدعى رفع شعارات شاكلة (الديمقراطية، محاربة دولة 56, الفلول، مناصرة المهمشين… إلخ الحدوتة)، كل هذا يفسر التوهان السياسي في تحديد الرؤى و الهدف و غياب العقيدة القتالية أو المنفستو لذلك. غياب الهدف و الرؤى أوقع هذه القوات فى المحظور، و أحرج المدافعين المحليين و الإقليمين و الدوليين عما بدر من هذه القوات و كل ذلك يعزى لعقيدة قتالية مضطربة نفسيًا مبنية على المنفعة و الغنيمة و الجهوية المناطقية و كراهية الآخر.

رشفة أخيرة هذه بعض الملامح في البحث عن تفسير تحليلي متواضع عن الهوية القتالية و العقيدة العسكرية لسبر غور الغوص عميقًا لتحليل النفسية القتالية و الدافعية عند هذه المجموعات لتقودنا و باحثين آخرين للوصول للإجابة على السؤال المقدس هل سيصمد الدعم السريع أم يتناسل لحركات مسلحة بعد هزيمته فى الخرطوم و تراجعه نحو كردفان و دارفور؟

نواصل.

alnourgabir@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى