مقالات الرأي
أخر الأخبار

المجاعة في السودان .. حديث أهــل “السمع و البصر” . (2ـــ2)

تقرير إخباري: مركز الخبراء العرب
وجد الاستطلاع الذي أجراه “مركز الخبراء العرب” حول المجاعة في السودان حظًا وافرًا في التداول على منصات التواصل الاجتماعي من قبل الباحثين و المهتمين وغيرهم من فئات المجتمع المختلفة، و ذلك لعدة أسباب أهمها أن الموضوع نفسه قد دخل أروقة الاجتماعات على المستوى الدولي و هذا آخر اتجاه كان قد عبر عنه مجلس الأمن الدولي في جلسة الإحاطة التي عقدها مؤخراً برعاية بريطانيا ،حاملة القلم، حول مستقبل الأوضاع الإنسانية في السودان أو ما يعرف بإسناد التقرير المرحلى المتكامل للأمن الغذائي، و الذي جاء مبشرًا بوجود مجاعة في السودان معتمداً على تقارير المنظمات العاملة في الشأن الانساني في ظل المناخ الذي أفرزته الحرب الدائرة في عدد من الولايات السودانية بين القوات المسلحة و مليشيا قوات الدعم السريع.
و تسليطًا للضوء على نتائج الاستطلاع و تعميمًا للفائدة العلمية قام “مركز الخبراء العرب” بفتح ابواب الحوار على منصاته الإلكترونية بـ”ندوة اسفيرية” حيث شارك في مداولاتها نفر كريم من العلماء و المختصين بحزمة آراء أضافت الكثير لأصل القضية وقامت بتشريح جوهر المشكلة تمهيداً للخروج بتوصيات تجد طريقها لى حيز التنفيذ من قبل الجهات المختصة و المعنية بأمر الزراعة و الأمن الغذائي في السودان.
و نفى اللواء مازن محمد إسماعيل في مداخلته وجود تعريف وطني سوداني متفق عليه للمقصود بكلمة “مجاعة” ، متسائلا عن الفرق الاصطلاحي بينها و بين نقص الغذاء أو سوء التغذية أو غير ذلك من المصطلحات؟ و أشار إلى أن القليل هم الذين لديهم معرفة بالتعريف الأممي لمصطلح مجاعة و يخضع المصطلح لدى الكثيرين (مسئولين، خبراء، مختصين عامة) لوجهات نظر و تقديرات غير ملزمة و لا متفق عليها و هذا ما يخلق التباين و التقاطع في الآراء علماً بأن تعريف الأمم المتحدة نفسه “عليه ما عليه”!.
و كشف أن أسباب مهمة تقف وراء ازمة الغذاء في العديد من دول العالم، و صانعة لها تقف من خلفها ما أسماه بتمكين القطاع الخاص الدولي من السيطرة على مسألة الغذاء و على رأسها سيطرة الشركات الكبرى على انتاج البذور و هندستها وراثياً، و سياسات الأمم المتحدة التي ألزمت بها دول العالم الثالث على وجه الخصوص.
و أضاف :” بسبب ذلك و غيره أصبحت الزراعة في دول العالم الثالث غير مجدية تجارياً أو قليلة الجدوى مقارنة بغيرها من القطاعات، و بالتالي سيطرت جهات محددة على عملية انتاج الغذاء في العالم”.
و عدّد اسباب داخلية أخرى تقف وراء أزمة الغذاء ممثلة في غياب الجهاز التنفيذي والرقابي والقضائي والمؤسسي و قال إنه و منذ العام ٢٠٢٠م أدارت الدولة ظهرها للمواطن بشكل مؤسسي باعتمادها نظاماً ليبرالياً “موغلا ًفي التطرف” ، و جاءت الحرب لتكون ثالثة الأثافي بطريقة تعامل (الدولة) مع احتياجات المواطن في مسألتي الإطعام من الجوع و الأمن من الخوف فضلاً عن استشراء ظاهرة الثراء من الحرب التي لم تعف عنها حتى بعض الشركات الحكومية ناهيك عن بعض رجال الأعمال وان والواقع يؤكد ان لا وجود لسياسة للأمن الغذائي في البلاد.
و اختتم مداخلته قائلاً: “إن ثروة السودان من الصمغ العربي وحده كانت (و لا تزال) كافية لأن تكون مورداً اقتصادياً يفوق البترول و الذهب،و هي ذاتها يمكن استخدامها كسلاح سياسي و اقتصادي بمقدرته معاقبة أمريكا و غيرها” ، طارحًا لسؤال جوهري” لماذا فشلت كل العهود الوطنية في الاستفادة من هذه الشجرة التي تنبت بالدُّهن و الصبغ للآكلين؟” قبل أن يجيب :”و إجابة هذا السؤال هي نفسها إجابة السؤال عن لماذا يُراد للسودان أن يحارب دون حكومة ودون مؤسسات و دون دولة، و هي نفسها إجابة السؤال كيف يخسر المزارعون في أخصب الأراضي الواسعة والمسطحة مع وفرة المياه من السماء و الأنهار و جوف الأرض؟”.
من جانبها قالت أخصائية علوم الغذاء و التغذية العلاجية د. (خالدة محمد سعيد مسي) أن تعريف الأمن الغذائي لا يعني بالضرورة مفهوم عدم توفر الغذاء للأسرة بل هو توفر الغذاء على مستوى المجتمع و مستوى قدر الأسر على الحصول على الغذاء مشيرة الى وجود ضعف من الجهات العلمية و الحكومية في هذا المجال وان آخر مسح كان في العام 2007 و هو تاريخ بعيد و حدث بعده تغييرات كبيرة في تكنولوجيا الغذاء و اختلافات و تغيرات سياسية و اجتماعية و تطور في الزراعة، و تطور التكنولوجيا في إنتاج و تداول الغذاء.
و قالت د.خالدة: “على الصعيد العلمي يوجد تصنيف يسمى التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وضعته المنظمات الدولية المختصة بعد رصد لفترة لأكثر من ٣٠ عام مبني على استبيانات علمية وسط مجتمعات أصيلة و أخرى مستحدثة، و أن المجتمعات الأصلية هي مجتمعات ثابتة التكوين و لديها أعراف و تقاليد مرتبطة بأصناف و طرق تغذية تقليدية خرجت بإعلان التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
ونبهّت إلى وجود خمس مراحل لهذا التصنيف تسمى المرحلة الأولى و الثانية بالمقبول، و تجد فيه الأسر غذاء من ناحية الكم و الكيف بتوفير الخوجة اليومية من الغذاء بصورة دائمة، و المرحلة الثالثة هي المرحلة الحرجة حيث توجد نسبة من السكان يصعب عليها توفر الغذاء و مثال ما قبل الحرب كانت المواد الغذائية تتوفر من الولايات لكن المواطن لأسباب أمنية و اقتصاديه كان يصعب عليه الوصول للغذاء و اعتقد أن معظم الأسر هي في هذه المرحلة الآن ، و أن المرحلة الرابعة و الخامسة يقوم المختصون و النخبة و الخبراء يجب أن يلفتوا الحكومة لخطر الجوع و يمثل هذا الاتجاه وسيلة ضغط على الحكومات و المتنفذين لأنها مرحلة حرجة، مبينة أنه إذا كان عشرين في المائة من المجتمع غير قادر على الحصول على الغذاء، و هي مرحلة أساسية تدخل فيها المعالجاتو إذا خلقنا منها معالجات خلّاقة داخل المجتمعات يمكن تفادي خطر المجاعة، و عليه لا بد من الإنتباه إلى الخطر الصحي و الأخلاقي عندما يجوع المجتمع، و أن تدارك الخلل “موجود هنا ” إذا تم استخدام الاستطلاع للإشارة لهذه النقطة و لفت نظر و نشر الوعي لإدارة مشكلة عدم توفر الأمن الغذائي.
و ذكرت د. خالدة أن الحلول للمشكلة تتمثل في المشاركة بين المجتمع و الدولة والاجابة على سؤال: أين نحن من مرحلة المجاعة حاليا؟ و سنكون بعيدون عنها إذا بدأنا حلول علمية على مستوى الدولة و المجتمع مشيرة إلى أن ان الدولة تتخوف أحياناً من تدخل المنظمات و المجتمع الدولي و عليه يجب استخدام المساعدات بالطريقة المثلى، لخلق طرق إلى حد ما يعزز وجود الأمن غذائي داخل مجتمعاتها.
و في سياق متصل امتدح اللواء “م” (سعد عمر الفكى) نتائج الاستطلاع الذي اجراه “مركز الخبراء العرب “مبيناً انه سيساعد في التصويب و التقييم و التقويم وإتخاذ القرار و قال: “أعتقد أن هنالك دور مطلوب يفترض أن تقوم به الحكومة، متعلق بالتحضير لكل موسم وتحديد نوع المحصول بما يفي بالإحتياج المطلوب من الأغذية، عملية التحضير نفسها توجد فيها إجراءات و تفاصيل و فرعيات علي مراحل يفترض تشارك عدد من مؤسسات الدولة”.
و انتقد دور الاعلام و وصفه بـ”المفقود” في التواصل و شكل العلاقة بين المزارع و المواطن بالاضافة الى دور آخر للتوعية و التثقيف “غير ظاهر” في مثل هذه الظروف التي يجب ان يكون للإعلام دور كبير. مشيراً إلى المقصود بالتوعية و التثقيف كان واضح في السؤال عن دور الحكومة في الأمر لأن المجموعة التي تحدثت عن دور الحكومة في هذا الاستبيان اوضحت أيضاً الإعلام غير مواكب فحدث قصور عن توضيح دور الحكومة في التحضير للزراعة و بث الطمأنينة وسط المواطنين ،و التشبيك في العلاقات للحد من الادعاءات و النشر السالب و الاعتماد على معلومات المنظمات، و أضاف:”و الإرشاد و التوعية و التثقيف يفترض هو الذي يرشد المزارع للتواصل مع مع المؤسسات المعنية و لأفضل الوسائل لزيادة الإنتاج”.
وكان الاستطلاع واسع الانتشار الذي أجراه “مركز الخبراء العرب” قد شارك فيه 42,137 مشاركاً، منهم 70.5% من الذكور و 29.5% من الإناث. و نسبة 55.3% منهم يقيمون خارج السودان، بينما نسبة 44.7% حددوا إقامتهم داخل السودان.و تفاوتت أعمار المشاركين، حيث كانت الفئة الأقل من 18 عاماً تمثل نسبة 1.6% من المشاركين، والفئة العمرية 18-29 سنة تشكل نسبة 4.9%، والفئة العمرية 30-49 سنة بنسبة 29.5%، بينما الفئة العمرية من 50 سنة فما فوق بلغت 63.9%.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى