تغريدة قائد الجيش الأوغندي والبعد الإقليمي لحرب السودان .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

وأنا أبدأ كتابة هذا المقال على خلفية تغريدة قائد الجيش الأوغندي تحدثت مع أحد جنرالات الجيش السوداني السابقين الذين شهدوا حرب جنوب السودان، قال: “يعلم العسكريون الأوغنديون الذين خاضوا معارك ضد الجيش السوداني في الاستوائية خلال أيام تمرد جون قرنق أن السودانيين يجيدون القتال المفتوح والمواجهة المباشرة من المسافة صفر حتى أن الأوغنديين كانوا يقيدون جنودهم بالسلاسل ليمنعوهم من الفرار من ساحة المعركة” .
لكن دعونا نحاول قراءة الدوافع و الأهداف الكامنة خلف هذه التغريدة المثيرة للجدل و التي تم تداولها على نطاق واسع بين السودانيين في سياق الحرب الدائرة الآن. الجنرال “موهوزي كاينروجابا”، و هو أيضاً نجل الرئيس الأوغندي (يوري موسيفيني) غرد بالأمس على منصة “إكس”: “نحن ننتظر فقط أن يصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وبدعمه سوف نستولي على الخرطوم”. و أضاف أن ما أسماها “الفوضى” سوف تنتهي في السودان قريباً ، وقال: “إذا كان هؤلاء الشباب في الخرطوم لا يعرفون ما هي الحرب فسوف يتعلمون” .
هذه التصريحات تفتح الباب لتحليل أوسع حول الأبعاد الإقليمية و الدولية المتشابكة في حرب السودان خصوصاً في ضوء التاريخ المعقد بين السودان و أوغندا. إن تصريحات (كاينروجابا) ليست مجرد تهديدات عابرة بل هي جزء من سياق طويل ومعقد بين البلدين . فكما نعلم شهدت العلاقات بين السودان و أوغندا توترات متعددة، بدءاً من دعم أوغندا للحركات الانفصالية في جنوب السودان مروراً بتدخلاتها في دارفور و انتهاءً بالدعم غير المعلن لقائد مليشيا الدعم السريع الذي كان أول ظهور له عقب اندلاع الحرب في أوغندا التي استقبلته استقبال المنتصرين. كما سعى الرئيس موسيفيني مراراً لجمع قائد التمرد مع الرئيس البرهان لإيجاد موطئ قدم لمليشيا الدعم السريع في اليوم التالي من الحرب.
هذه الخلفية التاريخية تجعل تصريحات قائد الجيش الأوغندي أكثر دلالة على التوجهات الاستراتيجية لأوغندا في المنطقة، فالسودان الذي يُعد نقطة تقاطع استراتيجية بين العالم العربي وأفريقيا كان و لا يزال مسرحاً لصراعات سياسية و عسكرية معقدة. لذلك تأتي تصريحات (كاينروجابا) في وقت حساس، وي مكن تفسيرها بأنها محاولة لتعزيز الحضور الأوغندي في المشهد الإقليمي خاصة مع احتمالية سعي بعض الدول لتوسيع نفوذها في ظل الحرب في السودان. و من خلال الإشارة إلى إمكانية الدعم الأمريكي يفتح (كاينروجابا) المجال لتدخل دولي محتمل ظل يُلوح به بعض الأطراف كلما اقترب الجيش السوداني من حسم الحرب.
لذلك في تقديري من الضروري أن يتبنى السودان موقفاً دبلوماسياً حازماً في مواجهة مثل هذه التهديدات، باستدعاء السفير الأوغندي و مطالبته بتوضيحات. كما يجب أن تعمل الحكومة السودانية على فتح قنوات تواصل مباشرة مع الحكومة الأوغندية لتفادي التصعيد العسكري مع توضيح أن أي تدخل عسكري في الأراضي السودانية تحت أي عنوان سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها و أن هذا يشكل تهديداً للأمن الإقليمي لن ينجو منه أحد.
كذلك يجب على السودان أن يتقدم بشكوى عاجلة للمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي و منظمة الإيقاد ضد هذا التدخل الأوغندي. و بجانب ذلك تعزيز التعاون مع دول أخرى بما يشكل جبهة إقليمية موحدة يعزز موقف السودان و يقلل من تأثير الضغوط الأوغندية أو أي ضغوط محتملة من أطراف تخدم أجندة المليشيا. و على الصعيد الدولي يجب أن يسعى السودان للحصول على دعم القوى الكبرى لإدانة المليشيا وتصنيفها كجماعة إرهابية.
من أبرز التساؤلات التي تثيرها تصريحات الجنرال الأوغندي أنها تزامنت مع أنباء عن لقاء بين (عبد الرحيم دقلو) الرجل الثاني في مليشيا الدعم السريع و رئيس تنسيقية القوى المدنية (تقدم) عبد الله حمدوك في نيروبي. و قد تكون تصريحات الجنرال الأوغندي بمثابة تحذيراً أو محاولة تنسيقاً مُعلناً مع هذا التحالف بالنظر إلى الحديث عن حكومة محتملة في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع للضغط على الحكومة السودانية. و ربما تمثل محاولة لإعلان موقف من أوغندا داعم لهذه الحكومة.
أما حديثه عن “الشباب في الخرطوم”، فمن المؤكد أن الجنرال الأوغندي يشير إلى الشباب السودانيين الذين انخرطوا في الدفاع عن بلدهم. هؤلاء الشباب يعرفهم تاريخ المواجهة مع الأوغنديين إبان حرب جنوب السودان. و بالتالي، فإن تصريحاته بلا شك تمثل تهديداً مباشراً، ليس بعيداً عن بصمة تنسيقية القوى المدنية (تقدم) ، و ربما تعكس نية أوغندا في اتخاذ مواقف عدائية تجاه القوات المسلحة السودانية و الشعب السوداني قاطبة.
تصريحات الجنرال الأوغندي يمكن أن تُفهم في إطار محاولات ضغط إقليمي على السودان. قد يكون الهدف منها دفع الحكومة السودانية لقبول شروط معينة، سواء سياسية أو أمنية أو الذهاب إلى تفاوض بحسب رؤية الداعمين المحليين و الإقليميين. لذلك يرى مراقبون أن مثل هذه التصريحات قد تكون جزءاً من مؤامرة أوسع تسعى إلى تغيير موازين القوى في البلاد بعد الانتصارات التي بدأ يحققها الجيش على المليشيا في عدد من جبهات القتال.
عليه، و بحسب ما نراه من “وجه الحقيقة” من المهم أن يصدر رداً رسمياً حازماً من الحكومة السودانية على هذه التهديدات حفاظاً على سيادة السودان و كرامته. كما يجب على القوى السياسية الوطنية و المدنية في السودان تبني موقف موحد لرفض التدخلات الخارجية و إرسال رسالة واضحة بأن السودان لن يقبل المساس بأمنه و استقلاله. عليه تظل تصريحات قائد الجيش الأوغندي تشير بوضوح إلى التدخلات الإقليمية و الدولية في حرب السودان مما يستوجب على السودانيين مزيداً من التكاتف و التعاضد لهزيمة كافة المخططات الإقليمية و الدولية.
دمتم بخير و عافية.
الأربعاء 18 ديسمبر 2024م Shglawi55@gmail.com