مقالات الرأي
أخر الأخبار

دوّامة الظلم في السودان… من الضحية إلى الجلاد وبالعكس .. نظرة وطنية لما بعد الحرب .. بقلم/ د. أحمد الطيب السماني .. مدرب و أستاذ التنمية والإدارة

ما يحدث في السودان ليس مجرد أزمات عابرة أو صراعات آنية، بل هو سلوك تاريخي متجذر، يتكرر كلما دارت عجلة التغيير، لكنه تغيير بلا تحول، و صراع بلا وعي و انتقال بلا عدالة بل ظلم ومرارة.

إن المتأمل في مسيرة الحكم في السودان، منذ الاستقلال في العام 1956م إلى يومنا هذا، يلاحظ نمطًا مؤلمًا من التكرار الممل الحقود الذي يهدم و لا يبني يفرق و لا يجمع:

من يقع عليه الظلم لا يسعى لإرساء العدل، بل يسعى للانتقام.
و من كان بالأمس مظلومًا، يصبح جلاد اليوم بدرجة أعنف.
و بدل أن نكسر هذه الحلقة، نُعيد تدويرها، فينقلب الضحية جلادًا، و يُصبح الجلاد شهيدًا و تتوالى مشاهد العبث بلا نهاية.

كأننا نعيش نسخة واقعية من مسلسل “توم وجيري”، حيث لا يموت أحد، ولا ينتصر أحد، لكن الخراب يتراكم، والقلوب تمتلئ حقدًا، والعقول تغرق في بحر من العمى الانتقامي، حتى باتت المرارات الشخصية هي التي تحكم، لا العقول الوطنية.

السؤال الأهم: لماذا لم نتعلم؟
لماذا تتكرر الانقلابات العسكرية؟
لماذا تتحول القوى المدنية إلى دكتاتوريات ناعمة؟
ولماذا يتغوّل العسكر كلما غاب المشروع الوطني العادل الجامع؟

الجواب ببساطة:
لأننا نُدير البلاد بعقلية الثأر، لا بعقلية البناء.
نحكم بنزعة التمكين، لا بمنهج الشراكة.
نصنع حكومات لإقصاء الآخرين، لا لإدماجهم.

نحن لا نحتاج إلى بطل جديد… نحتاج إلى رجل رشيد.
رجل لا يحكمه الغضب، ولا يستجيب للحقد، ولا يخضع لإغراء تصفية الحسابات.
رجل يعلو فوق جراحه، ويعفو وهو قادر، ويحكم بنية الإصلاح لا الانتقام.

ذلك الرجل يجب أن يقرأ التاريخ ليصنع المستقبل، لا ليستنسخ الأخطاء.
و أن يوقف دورة الثأر السياسي، ليكسر الدوامة التي تفتح أبواب التدخل الأجنبي، و تغري الطامعين بثغراتنا المتقيّحة.

التحول الحقيقي يبدأ حين نواجه أنفسنا بالحقيقة:
أن المظلوم إذا لم يتحرر من عقدة الانتقام، سيغدو جلادًا جديدًا، و سنعود إلى ذات المربع الذي خرجنا منه نازفين.

هل آن لنا أن نكسر هذه السلسلة؟
هل نضجت العقول والقلوب بما يكفي لتجاوز هذه “الدوامة السودانية”؟

السودان لا ينقصه الرجال…
لكنه يفتقد الرجل الذي لا يحمل الكراهية معه إلى السلطة.
ذلك هو مفتاح النجاة.

دعوة صادقة:
أدعو كل صاحب ضمير، و كل غيور على وطنه، إلى إطلاق حوار وطني شامل، يعلو فوق الأجندات، و يتجاوز المصالح و يضع الوطن أولًا و آخرًا.
دعونا نبني عقدًا جديدًا، لا يقوده الغضب بل يقوده العقل و الرحمة.

#من_أجل_السودان
#حوار_وطني_جامع
#السودان_يسع_الجميع
#بقلم_د.أحمد_الطيب_السماني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى