مقالات الرأي
أخر الأخبار

زمن التفاهة و روح المدنية .. بقلم/ د. ياسر يوسف

قبل أيام كان متحدثي عبر الهاتف يبثني شكواه من الدنيا و الناس ، ويأسي ( لخراب النفوس ) الذي اجتاح الأصدقاء و الأقرباء علي السواء، أشفقت علي صديقي المتصوف صاحب الروح الشفيفة والوجدان السليم فكتمت عنه إتفاقي معه حتي لا أثقل عليه أكثر مما يشكو من جور الأيام وتغير الناس ، ختم مكالمتنا ببيت لسيف الدين الدسوقي ، وهي عادة عنده ملازمة ألا يفوت ملاحظة دون أن يؤكدها بآية من القرآن الكريم، أو حديث نبوي، أو بيت شعر و هو الغالب في لسانه، بل هو ما يجعلني أنتظر مكالماته كل مرة:

“ماذا أصاب ضمير الناس
في زمن صعب كأن به داء من الكلب
هذا زمان غريب كيف نعرفه
أو كيف يعرفنا من زحمة الحقب..”

تذكرت حينها استشهاده الجميل ب (كامل عبدالماجد) ذات (شاكوش قديم):
“و الحسان الكانوا غزلان
كيف تحولوا لي عقارب”

اليوم إهتديت إلي علة التغيير القاتلة في أخلاق الناس و جفاء معينهم الوجداني بينما كنت أقرأ كتاب (تدهور الحضارة الغربية) للمفكر الألماني (أسوالد شبنغلر) المعروف بعدائه للمدنية الغربية، و وجدت فيه تحليلًا حقيقيًا يحلل القضية و يحدد الأسباب.
يقول أشبنغلر عن المدنية “فيها يتخشب كل الوجود، إذ تجف العصارة الحياتية من ساقه و تاجه و أغصانه و أفانينه، وتصبح الفخامة المادية و الوفرة العددية صاحبتي الحول و الطول، و تنحل الضمائر و تصبح العظمة تقاس بالباع و الذراع و تقدر بالقنطار و الدينار، و كانت من قبل تقدر بالأخلاق.
سكان المدن لا يمثلون أمة بل إنهم يمثلون ركام جماهير تتفاعل معًا نتيجة لعوامل مصلحية مادية بحتة لا تمت إلي الوجدان و الضمير بوشيجة أو صلة، أما منازلها فليست سوي ملاجئ يأوي إليها أناس لا تجمعهم بينهم رابطة الدم بل الصدفة، و لا توحد كلمتهم وحدة الشعور القومي بل المصلحة الإقتصادية. إنسان المدينة فريسة دائمة للإنتهازية و لذلك ينتهي ضميره إلي استغراب التضحية و استهجان العطاء، و يتحول إلي كائن يطمع إلي تحقيق الربح الفوري علي حساب الحضارة والأخلاق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى