
و عند جمعة اليوم يا رعاك الله نقرأ معكم قوله تعالي (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى)، وندرك أن أهل النهى هم أهل الأعماق، و النهايات، و النتائج، و الإستجابات، و التأثيرات و العواقب و نظرة المستقبل. و النُّهَى: العقول، و بها تتم عملية التدبر في الاختيارات. و العقل من العقال الذي تعقل به الدابة، و هو الذي يضبط الغرائز و يهذب السلوك. و ما بين النُّهى و الألباب كلٌ و جزءٌ، و عموم و خصوصٌ؛ فكل نهى عقل و ليس كل عقل نهى.. فمن نفذ بعقله إلى أعماق الحكمة، و سبر غور الأحكام، و أبصر الغايات، و تحقق من النتائج فهو من أهل النهى، و من أهل التدرج بعقله حتي ارتقي فأدرك مراد الله من الخلق، و أيقن بقدرة الله في القضاء، و عدله في الأحكام، و من ذاق عرف، و من عرف اغترف، و من اغترف اعترف و من اعترف أدمن ما عرف.
و لا غرو سادتي فمنكم تعلمنا خطاب القرآن الكريم عن أولي الأبصار …و هم اتجاه قبلي نحو البدايات و المداخل .. و أولي الألباب و هم من أدركوا سنن التاريخ بوصفه ماضياً مليئا بالعبر والأحداث… و أولي النهى و هم منتهي كمال أولي الأبصار و الألباب.
و بالجملة فأولي الأبصار أهل حاضر استشراف.. و أولي الألباب أهل ماضٍ و اعتبار.. و أولي النهى أهل مستقبل و استشراق.. فمن وصل إلى ذلك وصل إلى عبادة أولي النهى، فنهته الصلاة عن الفحشاء و المنكر، و عن سيئ القول و الفعل… و نهته الزكاة عن الشح و البخل والأثرة… و نهاه الصيام عن ما غير الله تعالي من قول و فعل.. و طهره الحج من الرفث و الفسوق و الجدال…
فتتيامن الدعوات أن يحفظكم الله ساداتي عاصمًا للناس من الزلل ، و مانعًا للناس من الزيغ، و عقلًا للألسنة من الأهواء، و حرزًا للوجدان من الآثام و الأدران… يا من أنتم مقل البصيرة، و تمام النهى و منتهي أولي الألباب.