صمود و تميّز الجيش السوداني والإلتفاف الشعبي: ملحمة بطولية تكتب تاريخ جديد .. بقلم /د.عبدالباقي الشيخ الفادني

يُعد الجيش السوداني واحد من أعرق الجيوش في المنطقة، و قد أثبت عبر تاريخه قدرته على الصمود في وجه التحديات الكبرى، و مع اندلاع تمرد مليشيا الدعم السريع في أبريل 2023م واجه الجيش السوداني واحدة من أخطر الأزمات التي تعرض لها.
رغم التحديات التي رافقت هذا التمرد من خيانة داخلية و تعقيد في الموقف الإقليمي و الدولي تمكن الجيش السوداني من إمتصاص الصدمة و إعادة ترتيب صفوفه و البدء في تحرير المدن والقرى التي سيطرت عليها المليشيا المتمردة.
كان تمرد مليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) بمثابة ضربة غادرة للجيش السوداني فقد تحولت هذه المليشيا التي كانت جزءاً من المنظومة الأمنية إلى عدوٍ داخلي مُسلح يتمتع بعتاد عسكري ضخم و دعم مالي هائل.
تفوق المتمردون في العتاد وعدد القوات مما أدى إلى حصار الجيش السوداني في بعض مواقعه و ثكناته في بداية التمرد، لكن الجيش السوداني رغم هذه الضربة، لم ينكسر بل أظهر قادته و ضباطه و جنوده شجاعة و صبراً كبيرين في مواجهة هذه الأزمة، و استطاعوا استعادة زمام المبادرة عبر تخطيط سليم و عمليات عسكرية منظمة لاستعادة المدن و المناطق الاستراتيجية .
أثبت الجيش السوداني أن الصمود في وجه التمرد يحتاج إلى إرادة شعبية ودعم داخلي وهو ما تجلى بوضوح في إلتفاف الشعب السوداني حول جيشه، و رغم التعتيم الإعلامي الدولي و السلبية التي أبدتها العديد من دول الجوار و العالم تجاه ما يحدث في السودان، إلا أن الجيش إستطاع أن يحقق إنتصارات متتالية بفضل التكاتف الشعبي و المقاومة الوطنية.
كما أن العديد من القوات النظامية والوحدات الخاصة إنخرطت في صفوف الجيش السوداني مما ساهم بشكل كبير في تحرير المدن والقرى من سيطرة المليشيا المتمردة ، كما برز دور ألوية المستنفرين و المجاهدين الذين شكلوا خط دفاع قوي في وجه تقدم المتمردين و أعادوا للجيش السوداني قوته و زخمه.
و لا ننسى و لا نجهل أن الشعب السوداني كان له دور محوري في دعم الجيش ، فقد إنتظم المواطنون أنفسهم في المقاومة الشعبية التي بادروا بها للدفاع عن قراهم و مدنهم و قدموا المعلومات و الدعم اللوجستي للقوات المسلحة.
و من سواعد إلتفاف الشعب حول الجيش أن شهدت مدن السودان المختلفة إحتفالات شعبية عفوية واسعة و فرحاً غامراً بتحرير المدن و القرى و عودة الأمن و الإستقرار.
إن ما يميز صمود الجيش السوداني هو أنه لم يتلقَّ دعماً يذكر من الدول الإقليمية أو القوى العالمية، بل كانت المعركة سودانية خالصة خاضها الجيش و الشعب معاً ضد مليشيا الدعم السريع التي تمردت على الدولة، و استباحت المدن و القرى والمؤسسات والممتلكات العامة والخاصة و الأنفس و انتُهِكت الأعراض.
رغم ذلك فإن هذا الغياب الدولي كشف عن عمق الوطنية لدى السودانيين ، حيث رفضوا الإستسلام أمام محاولات المليشيا فرض سيطرتها بالقوة و تمسكوا بمؤسسات دولتهم و قواتهم المسلحة، و كشف إزدواجية المعايير و زيف الشعارات التي يرفعها و يتشدق بها المجتمع الدولي في حقوق الإنسان حماية الإنسانية.
مع تحرير المدن والقرى ظهرت مشاهد الفرح العارم بين المواطنين الذين نزحوا بسبب المليشيا المتمردة، و انخرطوا في العودة إلى بيوتهم في تلك المدن و القرى مرفوعي الرأس و هم يهتفون للجيش السوداني (شعب واحد جيش واحد) الجيش الذي أعاد لهم الأمل في الأمن و الاستقرار.
هذه المشاهد ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال الحالية و القادمة كملحمة سودانية خالصة جسدت فيها القوات المسلحة الوطنية بدعم شعبي واسع معاني الصمود و الكرامة.
في الخاتم يمكن القول إن ما حدث في تلك الملحمة سيظل سفراً مجيداً في تاريخ السودان، و سيظل صمود الجيش السوداني أمام تمرد مليشيا الدعم السريع و هزيمتها علامة فارقة في تاريخ السودان، فقد واجه الجيش خيانة داخلية و غياب الدعم الخارجي و تفوق المليشيا المتمردة عدداً و عتاداً مع استمرار إمدادها من دول جارة و إقليمية كنا نعدها صديقة لكنه لم ينكسر.
إن انتصارات الجيش السوداني ليست مجرد انتصارات عسكرية فحسب، بل هي تأكيد على أن إرادة الشعوب لا تُكسر و أن قوة الجيوش الوطنية تكمن في دعم شعوبها لها.
سيسجل التاريخ بفخر هذه الملحمة البطولية وسيظل الجيش السوداني مفخرة لكل سوداني ودرساً في الوطنية و الصمود للأجيال القادمة و وساماً يزين صدور السودانيين الأحرار.