
▪️تعلمنا من سوريا بأن المُلك بيدِ الله يؤتيه من يشاء وينزِعه ممن يشاء وقتما يشاء وكيفما يشاء ، وأن الجيوش والقواعد الأجنبية ومكر السِّيِّئ ليست بمانعةٍ من الله الذي يُمْهِلُ ولا يُهمِل ، وأن لكلِّ طاغيةٍ كأساً من الذُّل ، ولكلِّ حاشيةٍ من الزبانية أجَل.
▪️تعلَّمنا من سورية بأن الحاكم الفاشل الظالم لا حُلفاء له ولا أصدقاء له ، فلازال قانون القرآن إن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُم سارياً ، فمن عَجِزَ عن نُصرَة بلادِه وجيشِه فقد أذِنَ لِحُلَفائه وأصفيائه أن يجِدوا بديلاً عنه ، ولطالما كان الفشل يتيماً بلا أب ، ومن النُّظُم السياسية من يستحيلُ إلى جُثَّةٍ باليةٍ قبل أن يسقُط عن الحُكم ، والجُثثُ تنقضُّ عليها هوامُ الأرضِ وبُغاث الطيرِ من كل صوبٍ وحدب ، فحتى سليمان عليه السلام عندما مات -وهو من هو- تجرَّأت عليه دابَّةُ الأرض فأكلت مِنسأته.
▪️ذكَّرتنا سوريا بقانون القرآن في أن الله لا يهدي كيد الخائنين ، وذكَّرتنا بوصية سيد القادة وقائد السادة عليه أفضل الصلاة والسلام بأن الخيانة بِئستِ البِطانه ، فكل الذين خانوا شعوبهم وبلادهم من الحُكّام وزبانيتهم على امتداد الزمان كانت عاقبتهم البوار ، فلا أمريكا نصرتهم ، ولا روسيا من السقوط منعتهم ، وما كان لهم من شافعين ولا صديقٍ حميم.
▪️أكَّدَت لنا سوريا أن قوم الفِرعون المُستَحمَرين باستِخْفافه لهم ليسوا ضحايا وإنما فاسقين ، وأن الشعوب التي ترضى الخنوع للظلم والطغيان طويلاً إذا تابت فنفضت عنها ثياب المذلة لغير الله .. لابُدَّ لها أن تدفع الثمن طويلاً بقدرما خنعت ، فالهداية لسُبُل الكرامة لابُد لها من مجاهدة ، وثمنُ الكرامة المُهَج ، والشرف الرفيع لابد أن يُراق على جوانبه الدم ، وأن حفظ السيادة والاستقرار أيسر من استعادتهما.
▪️تعلَّمنا من سوريا بأن الحاكم الصالح حسْبُه اللهُ ومن أعانه من شعبه الصالحين ، وأن الحاكم عليه أن يَصبِر نفسه مع أولئك المخلصين لدينهم وبلادهم من شعبه مهما قَسَت نصائحهم وجفت طبائعهم فلا تعدوا عيناه عنهم إلى أولئك الذين يستعينون على مكانتهم عنده بسلطان قوىً أجنبية ، فإن طَرَد المخلصين ، فلا يطمعنَّ أن يَصمُد معه يوم البأس الذين يعتبرون الوطن غنيمةً يتقاسمونها مع أعدائه.
▪️تعلّمنا من سوريا بأن الشُّعراء من الطبَّالين ومُتَملقي الحكام يمتهِنون واحدةٌ من أقدم المهن الإنسانية وأعرقها ، وأنَّ هتَّافة التهريج الذين يجعلون رزقهم أنهم يُكَذِّبون ما تزال بضاعتهم لدى الفشلة من الحكام رائجة .. رغم أنهم لم يطوِّروا من طريقتهم وأساليبهم شيئاً على امتداد الزمان ، فما أن سقط طاغية الشام .. وقد كانوا يتخذونه إلهاً ويقتلون الرافضين السجود إلى صورته ، فأعادوا اليوم تموضعهم بموقفٍ جديدٍ بحسب ما طرأ وسيطرأ ، وسيحمل الطاغية أوزارهم كاملةً دون أن ينتقِص ذلك من أوزارهم شيئاً.
▪️تعلمنا من سوريا بأن النصر إذا لم يأتِ بإرادةٍ وطنيةٍ خالصةٍ ورؤيةٍ وطنيةٍ شاملةً جامعةً مانعةً .. فليس كافياً لتعافي البلاد وأهلها ، بل إن النصر قد يحمل من الخسائر والويلات ما لا يقل عمَّا قبله أو قد يزيد ، فقد انهار الجيش السوري ، ودمَّرت إسرائيل بِنية سوريا الدفاعية تماماً ، وتمترست وتمددت إسرائيل وروسيا وتركيا وأمريكا وإيران وحزب الله على امتداد التراب السوري ، وسيبقى أمر استعادة السيادة والاستقرار والقرار الوطني الحُرِّ في سوريا تحدِّياً بعيد المنال ومقارباً للمُحال.
▪️ تعلمنا من سوريا وقبلها الربيع العربي أن المستقبل لهذا الدين ، وأن الإسلاميين في بلاد الإسلام هم الأشدُّ بأساً والأقوى شكيمةً والأرسخ رؤيةً والأشمل فكراً والأوسع انتشاراً ، وأنهم الأجدر في السياسة إذ جمعوا بين الصمود والكياسة ، وأن الشرق والغرب حين اضطرب شأنهم ، وحار في المُدلَهِمَّات أمرهم .. لم يرضوا بغير الإسلاميين سبيلاً بينهم ، وكما أنها سانحةٌ اليوم لأهل سوريا ، فإنها إشارة استعدادٍ لغيرهم ، فعالم اليوم بدء يجثوا وسيجثوا من يجثوا بعد للإسلام صاغراً مهما تأبَّى ، وعلى المسلمين والإسلاميين أن يكونوا على قدر موعود الله لهم .. رؤىً وفكراً وشمولاُ وحِكمة ، فعسى ربكم أن يُهلِك عدوكم ويستخلفكم في الأرض .. لا لتحتفلوا ولكن .. فينظر كيف تعملون.
▪️الاختلاف بيننا وسوريا هو أن عندنا الجيش والشعب في خندق الحق معاً ، والجنجويد وأهل الباطل من قحت/تقدم وسادتهم من القوى الصهيوغربية في خندقٍ آخر ، فالعالم الغربي الصهيوني وأذنابه من حكام المسلمين يُصنِّفون الجيش السوداني وغالب أهل السودان بأنهم إسلاميون ، وأنه لابد من إعادة هيكلة كل السودان وأهله بالاحتراب والتقسيم والفوضى بعد أن فشلت خطة تدجين السودان وجيشه وأهله بحفنة الخونة الذين سلطوهم على السودان في ٢٠١٩م ، والفرق يتجلى في أن قناة أهل السودان من قبلُ أعيَت المستبدِّين أن تلين لهم ، وهي قناةٌ إذا عضَّ الثِّقافُ بها اشمأزَّت وأوْلَتهُ عِشوزنةً تشجُّ قفا المُثَقِّف وجبينه ، فما استكانوا من قبل لطاغية ، لا يطولُ حِلمُهم حتى ينفجر بغضبةٍ من سودانيةٍ متفرِّدةٍ عنوانها `تنقد الرهيفة` ، وهم اليوم في غضبةٍ قلنا عنها في يوليو ٢٠٢٣ أن زلزال ارتداداتها سيبلغ في الأرض ما بلغ الليل والنهار وهو بإذن الله فاعل.
▪️على أجيال الشباب أن يطوِّروا رؤاهم وأفكارهم وخُططهم وبرامجهم لما بعد الحرب ، وأن على جيل النصر أن يستصحبوا في استقرائهم أن العالم الذي تأسس على مخرجات الحرب العالمية الثانية قد دخل باباً عنوانه `وتلك الأيام` فمضى إلى غير رجعة ، وأن عالماً جديداً يتشكل اليوم ، ولابد أن يكون لهم فيه شأنٌ كبير ، فمشروعهم الوطني لن يستقيم دون شأنهم في المجريات الإقليمية والعالمية ، ولابد أن تتسع آفاقهم بحجم الكون ، وتتعلَّق هِمَّتهم بالغاية القصوى من القِيم والريادة والفكر والعلم والتأثير ، فلا تشغلهم صغائر الأمور فتصرفهم إلى بُنيَّات الطريق ، وقد عركتهم التجربة فعلموا أن حال الناس لا يُصلِحه إلا العدل الذي به قامت السماوات والأرض ، والعدل لا تقيمه إلا قوة ، وجوهر القوة رحمةٌ في غير ضعف ، وحزمٌ في غير عنف ، وأن التجرُّد ضمانٌ للتوفيق ، ومن يوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون.
١١ ديسمبر ٢٠٢٤م