مقالات الرأي
أخر الأخبار

قاعدة فلامنجو البحرية بين الأهمية والتأثيرات الإقليمية والدولية (1من 2) .. بقلم/ لواء ركن (م) دكتور سعد حسن فضل الله .. أستاذ العلاقات الدولية

تمهيد
يمثل إنشاء القاعدة الروسية فى السودان و المحدد لها قاعدة فلامنجو البحرية ببوترسودان خطوة استراتيجية تعكس طموحات موسكو فى تعزيز نفوذها العالمى خاصة بعد فقدانهاى لقواعدها فى سوريا، و رغم الفرص الأمنية و الاقتصادية التى قد يجنيها السودان فإنه يواجه تحديات كبيرة فى موازنة علاقاته الدولية و التعامل مع الضغوط الخارجية يبقى السؤال و الذى طرحه على مركز الخبراء العرب للدراسات الصحفية و دراسات الرأى العام (هل سيتمكن السودان من الاستفادة من هذا الاتفاق دون أن يصبح ساحة لصراعات القوى الكبرى) و سنحاول فى هذا المقال الإجابة على السؤال المطروح.
كمدخل لهذا الموضوع لا بد من التطرق إلى:
أولاً: سياسة التحالفات
سياسة التحالفات هى إحدى وسائل الأمن الجماعى إذ و لفترة طويلة ظلت تلعب دور حيوى فى الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وهى نهج تتبناه الدول أو الكيانات السياسية أو الاقتصادية لتشكيل شراكات مع اطراف أخرى بهدف تحقيق مصالح مشتركة، و قد تكون هذه التحالفات عسكرية، سياسية، اقتصادية أو حتى ثقافية و تعتمد على مبادئ التعاون و التوازن فى المصالح.
أهمية سياسة التحالفات
تعزيز القوة و التأثير إذ توفر التحالفات للدول أو الأطراف المعنية مزيداً من النفوذ على المستويين الاقليمى و الدولى.
الحماية و الدفاع المشترك خاصة فى التحالفات العسكرية مثل حلف الناتو حيث يكون الاعتداء على دولة واحدة بمثابة الاعتداء على جميع الاعضاء.
تحقيق الاستقرار الاقتصادى من خلال التعاون التجارى و الاتفاقيات الاقتصادية مثل الاتحاد الاوربى أو منظمة التجارة العالمية.
موازنة القوى و تستخدمها الدول لمواجهة نفوذ قوى أخرى مثل التنافس بين الولايات المتحدة و الصين.
تعزيز التعاون الدبلوماسى تسهم التحالفات فى حل النزاعات بطرق سلمية من خلال القنوات الدبلوماسية.
أنواع التحالفات:
التحالفات العسكرية مثل حلف الناتو (NATO) و اتفاقية الأمن الجماعى بين روسيا و بعض الدول السوفيتية السابقة.
التحالفات الاقتصادية مثل مجموعة العشرين (G20) و الاتحاد الاروبي و منظمة أوبك (OPEC).
التحالفات السياسية مثل الجامعة العربية و الاتحاد الافريقى.
التحالفات المؤقتة و تتشكل لمواجهة أزمة معينة كالتحالف العربى لمكافحة الارهاب ثم تحل بعد إنتهاء الحاجة اليها .
تحالف الشركات مثل الشراكات الاستراتيجية بين شركات التقنية الكبرى.
استراتيجيات بناء التحالفات
المصالح المشتركة : وتتم بتحديد الاهداف الاهداف التى تستفيد منها جميع الأطراف اى ان الكل كسبان ولا يوجد متضرر.
التوازن فى الالتزامات: ضمان عدم تحميل طرف معين عبئاً أكثر من اللازم.
إدارة الأزمات: بوضع خطط لمواجهة الأزمات و الخلافات بين الحلفاء.
مرونة التحالف: و بذلك تكون قادرة على التكيف و أكثر استدامة فى مواجهة التغيرات الدولية.
تحديات سياسة التحالفات
الاختلافات الايديولوجية وقد تعيق الوصول الى تفاهمات بين الأطراف المختلفة.
المصالح المتضاربة تعجل بانهيار التحالف.
التدخلات الخارجية تسعى القوى الخارجية المعادية الى انهيار سياسة التحالف بين الاعضاء مثال لذلك انهيار حلف وارسو.
عموما تلعب ساسة التحالفات دوراً محورياً فى العلاقات الدولية سواء على الصعيد العسكرى أو الاقتصادى أو السياسى و يحتاج أي تحالف إلى الاعتماد على المصالح المشتركة، و القدرة على التكيّف و إدارة الخلافات بفعالية.
ثانياً قاعدة فلامنجو البحرية:
تعتبر قاعدة فلامنجو البحرية واحدة من أهم القواعد البحرية فى السودان،  وتكتسب أهمية متزايدة فى ظل التحولات الجيوسياسية فى البحر الأحمر، و تحتل هذه القاعدة موقعًا استراتيجيًا على الساحل الشرقى للسودان حيث تشهد المنطقة اهتماماً متزايداً من القوى الدولية بما فى ذلك روسيا و الولايات المتحدة نظراً لموقع السودان الحساس على البحر الأحمر.
تقع القاعدة فى مدينة بورتسودان وهى الميناء الرئيس للسودان على البحر الاحمر.وتمنح الدولة إمكانية مراقبة وتامين الساحل السودانى والذى يمتد لاكثر من 700 كيلومتر على البحر الاحمروقربها من مضيق باب المندب يجعلها نقطة مراقبة مهمة لحركة الملاحة البحرية الدولية خاصة فى ظل التوترات الإقليمية.
تستخدم كمركز للقوات البحرية السودانية بامكانيات محدودة من حيث التسليح والمعدات والبنية التحتية ، وشهدت القاعدة اهتماماً متزايداً مع تزايد التنافس الدولى على البحر الأحمر خاصة بعد المحادثات بين السودان و روسيا لإنشاء قاعدة بحرية روسية فى فلامنجو.
الاهتمام الروسى بقاعدة فلامنجو البحرية:
فى عام 2017 وقّع السودان اتفاقًا مبدئيًا إبّان حكم الرئيس البشير يسمح بانشاء قاعدة بحرية روسية ببورتسودان، و هو ما زاد من أهمية قاعدة فلامنجو،  ويتيح الاتفاق الى توسيع حرية حركة السفن الحربية الروسية فى البحر الأحمر و يمنح موسكو الحق فى نشر 300 عسكرى و 4 سفن فى القاعدة لتقدم خدمات التموين بالوقود و الصيانة باعتبارها أول قاعدة لروسيا فى أفريقيا خلافاً لما أُشيع بأن القوة كبيرة و أنها تمتلك سفن نووية.
ظهر موضوع القاعدة الى السطح مرة اخرى خلال زيارة وزير الخارجية السودانى السيد (على يوسف) إلى روسيا والمباحثات التى أجراها مع نظيره الروسى فى فبراير الحالى.
حرص روسيا على إنشاء القاعدة:
روسيا لها أسباب استراتيجية وجيوسياسية وإقتصادية تجعلها تحرص على إقامة القاعدة و تتعلق بتوسيع نفوذها و تعزيز مكانتها كقوة عالمية مؤثرة و منها:
التواجد المستديم فى البحر الأحمر و تعزيز النفوذ البحرى لأنه ممر يربط بين المحيط الهندى و البحر المتوسط، و هو أهم الممرات التجارية فى العالم، و بوجود قاعدة عسكرية عليه تستطيع روسيا تأمين وجود دائم مما يعزز قدرتها فى التجارة الدولية و الملاحة البحرية، و تمنحها نقطة انطلاق لعملياتها البحرية فى المحيط الهندى و تقلل من اعتمادها على قواعدها البحرية فى البحر الأسود.
تعزيز التواجد العسكرى فى أفريقيا باعتبار أفريقيا اصبحت ساحة تنافس بين فرنسا والصين وامريكا وتركيا وبريطانيا وتسعى روسيا الى تامين موطئ قدم قوى فيها و لا يخفى عليها القاعدة الأمريكية، و الفرنسية و البريطانية فى جيبوتى. وجود القاعدة يسهم فى زيادة نفوذ روسيا فى مناطق أخرى من القارة مثل ليبيا و أفريقيا الوسطى كما يمكنها من تقديم دعم لحافائها فى المنطقة.
مواجهة النفوذ الغربى و الأمريكى؛ فبوجود روسيا فى القاعدة قد تشكل نقطة ضغط على الولايات المتحدة و حلفائها، خاصة مع تصاعد التوترات بين موسكو و الغرب بسبب الازمة الأوكرانية و غيرها من الملفات الساخنة كما يمكنها من استخدامها كورقة ضغط بشأن العقوبات أو التوازنات العسكرية العالمية.

تعزيز التعاون الإقتصادى و العسكرى مع السودان:

روسيا عينها على الذهب والمعادن والنفط والثروات التى يمتلكها السودان مما يوسع من دائرة الشراكة مع الخرطوم وما تجنيه من فوائد اقتصادية كبيرة ، وبما أن السودان مستهلك كبير للسلاح الروسى و دول أخرى فى المنطقة فالقاعدة قد تسهم فى تعزيز مبيعات السلاح حيث تعتبر موسكو أحد أكبر موردى الأسلحة لأفريقيا.
تقليل الاعتماد على قواعد أخرى فى مناطق غير مستقرة خاصة بعد فقدانها لقاعدة طرطوس بسوريا بسبب تغير نظام الرئيس بشار الأسد، فالقاعدة توفر بديلاً استراتيجياً أكثر أمناً و استقراراً. كما تزيد القاعدة من مرونة العمليات البحرية الروسية بتوزيع أسطولها بين البحر الأحمر و المتوسط و المحيط الهندى دون قيود جغرافية كبيرة.
تحرص روسيا على إنشاء القاعدة العسكرية فى السودان لأنها تمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز وجودها فى البحر الأحمر و مواجهة النفوذ الغربى و دعم مصالحها الاقتصادية و العسكرية فى أفريقيا.
بالنسبة للسودان يمثل هذا التعاون فرصة كبيرة و لكنه محفوف بالمخاطر، و هذا ما سوف نتعرض اليه فى الجزء الثانى بالاضافة للتأثيرات الإقليمية و الدولية من إنشاء القاعدة العسكرية الروسية فى السودان.
نواصل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى