مقالات الرأي
أخر الأخبار

كلمات في حق الراحل المقيم (حاتم حسن بخيت) ،،، بقلم/ كمال عبد اللطيف

قصدت أن أتريث في نعيي للأستاذ حاتم حسن بخيت حتي يفرغ الآخرون من تعازيهم و نعيهم، فلم أشأ أن يضيع نعيي له في زحمة ذلك السيل الدفاق و الذي عبر به عدد من أصدقائه و أحبائه عن حزنهم لفقده الجلل.
علاقتي بالمرحوم الأستاذ حاتم لم تكن زمالة دراسة تمتد لأربعة أو خمسة سنوات و تنتهي، و لم تكن صلة عابرة ترتبط بحدث معين أو مناسبة محدودة الأثر .. فإن علاقتي بحاتم أمتدت لفترات طويلة و متنوعة في شكل و حجم التواصل ما بين تواصل علي مدار الساعة و ما بين تواصل أقل كثافة علي مستوي الأسبوع و ليس أكثر من ذلك … علاقتي بحاتم بلغت في جملتها ٢٤ عاما ٢٠٠١-٢٠٢٥.
كانت البداية زمانًا يوم السبت ٢٤ فبراير ٢٠٠١ و مكانًا الأمانة العامة لمجلس الوزراء شارع المك نمر .و كعادة أهل الخدمة المدنية عندما يأتيهم وزير جديد يهرعون إليه بعرض خدماتهم و تقديم أنفسهم و التي عادة ماتكون مصحوبة بذم آخرين يعتقد مقدم الخدمة أو النصح انهم يقفون سدًا منيعًا أمام طموحاته فقالوا لي أن الرجل بعثي عراقي درس في العراق بمنحة من القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، و أن أخاه الكبير أيضًا بعثي، و قيل لي أنه حزب أمة بل و ذهبوا للقول بأنه ينقل أسرار مجلس الوزراء للحزبين . كان حاتم حينها مقررًا للقطاع السيادي لمجلس الوزراء و الذي كان يرأسه في ذلك الوقت رئيس الجمهورية (مجلس الوزراء ومنذ زمن بعيد وإن لم تخني الذاكرة منذ العهد المايوي كان يقسم لثلاثة قطاعات سيادي وأقتصادي و اجتماعي) و لقد كانت واحدة من نعم الله علي علي كثرتها و الحمد لله أنني لم أكن أكترث للقيل و القال فقد كنت أحبذ أن أجرب بنفسي فقررت أن أمنح الرجل فرصة ليتم تقييمه بناءً علي تجربة شخصية مثله مثل آخرين قيل فيهم مثل ماسبق من قول أو غيره.
و حتي لا أطيل و أظني قد أطلت بالفعل فقد قمت و علي عكس التوقعات بتكليفه مديرًا عاما للإدارة العامة للإعلام و العلاقات العامة بوزارة مجلس الوزراء، و قد كانت أهم و أخطر إدارة حكومية ….و لما كان الرجل يتمتع بقدر وافر من الكفاءة و الأقتدار و الانضباط و غزارة المعلومات و يمتلك كنوزًا من المعرفة و الثقافة و حباه الله بطاقة و نشاط فقد نجح في أن يصعد بهذه الأدارة صعودًا بالزانة و جعل منها منارة و صوتًا مسموعًا فتحولت الحكومة من كائن صامت كما كان يقول الأستاذ سبدرات إلي كائن ناطق … شكلنا معًا ثنائي متناغم فقد كنت أنطوي علي خلفية صحفية موروثة من الوالد رحمه الله ساعدتني علي الحرص علي خلق علاقات وطيدة مع قبيلة الصحفيين و الإعلاميين و هو كذلك كان صحفيًا بالميلاد، فتناغمت خطواتنا فكانت كل الإنجازات التي تمت في مجال علاقة الحكومة بالإعلام عامة و الصحافة خاصة تتم بتنسيق عالي و تفاهم لا مثيل له. فكان الأمر تبادل تمريرات بيننا (ون تو).. فكرة منه و فكرة مني و مقترح من عنده و توجيه من قبلي و هكذا سارت بنا الأمور … فالحمد لله علي نعمه.
و امتدت العلاقة إلي ما بعد انتقالي من مجلس الوزراء بل و حتي إلي ما بعد تركي العمل الوزاري كليًا فأذكر أنه عندما تم تعيينه وزير دولة بمجلس الوزراء جاءني إلي المنزل عقب أدائه القسم مباشرة و قبل أن يذهب لمكتبه، و جلسنا و تفاكرنا .و تواصلت العلاقة حتي يوم الرحيل المر..فكنت ألجأ إليه في كثير من الأمور التي لا يجيد التصرف حيالها إلا هو و أمثاله، فقد كان حاتم يمتلك ذاكرة حديدية كان يحتفظ بكل معلومات و تأريخ الأمانة العامة لمجلس الوزراء كان بمثابة الصندوق الأسود. أذكر قبل حوالي الشهرين أتصل علي صديق عزيز و طلب مني مده بمعلومات عن تجربة الحوار الوطني، فقمت بإعداد مادة للرد عليه و لكني و قبل إرسالها بعثت بها إلي حاتم لزوم التصحيح و (السنسرة) ففعل و زاد عليها مما غاب عن ذاكرتي.
أستطيع أن أقول بأن حاتم كان يمكن أن يكون back up لكل المعلومات و الوثائق و الحقائق التاريخية الخاصة بالجهاز التنفيذي ليتم استرجاعها بعد انتهاء الحرب، و لكن أقدار الله شاءت أن يرحل و معه موسوعته و صندوقه الأسود…
اللهم أرحم حاتم و اغفر له، و أسكنه فسيح جناتك مع الصديقين و الشهداء اللهم اغسله بالماء و الثلج و البرد و نقّه من خطاياه كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أسكنه دارًا خيرًا من داره و أبدله أهلًا أبرك من أهله …اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه و إن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته أحسن استقباله و أكرم نزله و وسع مرقده و أجعل اللهم قبره روضة من رياض الجنة و ظله اللهم بظلك يوم لا ظل إلا ظلك…
اللهم إنا نشهد أنه كان طيب المعشر و كان جابرًا للخواطر فاجبر بخاطره و كان فراجًا للكرب ففرج كربه ..اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى