مقالات الرأي
أخر الأخبار

مزاد المبادئ… بقلم/ د. الغزالي منير الشيخ .. خبير أكاديمي – مركز الخبراء العرب

ما إن شدَّ الجيش السوداني قبضته على مفاصل الحرب في السودان و أصبحت المدن تخضع واحدة تلو الاخرى محررةً من غصب الدعم السريع لها حتى ظهر وجه آخر لمن ارتضى بعدوان الميلشيا على البلاد و العباد؛ فقد سارع البعض منهم بالقفز فوق مهابة الخوف من غضبة (آل دقلو) معلناً استقالته من منصبه بصفته مستشاراً لقوات الدعم السريع بدعوى استهدافها للمدنييين في معسكر (زمزم) و (أبو شوك) و (قوز بينة) و غيرها من الحوادث التي يراها تمثل عدوان المدنييين و استهدافاً لهم، ولعمري انه لقفزٌ من مركبهم ..قوات الدعم السريع و قد أضحت بئراً معطلة …بعد أن كانت قصرًا مشيدًا…
إن صفة مستشار لقوات الدعم السريع إنما هو منصب يتطلب مواصفات معينة يجب أن تكون في شاغله … إذ يتطلب أن يكون شاغله مقتنعًا بالدعم السريع كقوات لها عقيدة معينة تقاتل لأجلها و تدافع عنها، و الملاحظ في الأمر أن السيد (أيوب عثمان نهار) لم يخاطب المتلقي هل قبل بالتكليف بعد الحرب أم قبلها، لأن معيار التكليف في الدعم السريع لحظة انشائه لم يكن تفكيك دولة ٥٦ و لا أيٍّ من المسوغات التي دعته ليدعم المشروع الذي عناه، و قد أوضح أن تطاول أمد الحرب و استهداف المدنييين و ما نتج عنه من قتل و تصفية عرقية حدت به إلى إعلان تقديم استقالته.
إن الرجل دعم مشروع السريع في شنه الحرب علي الجيش السوداني، و كان التعدي على المواطن السوداني عمومًا فاغتصبت ممتلكاته فأصبحت غنائم حرب، و اغتصبت عروضه فأصبحت حرائر السودان سبايا يُعرضن للبيع كما تسام الدواب في أسواق النخاسة في بعض دولةغرب أفريقيا. و عدى مقاتلوه إلى القرى الأمنة في أول أيام الحرب و نزلوا فيه تقتيلاً للأرواح و نهباً للمتلكات و تشريدًا لأهلها …فهل كل هذا استبان الآن للسيد (نهار).
إن استقالة السيد نهار كانت مسببةً، و الذي بدا من خطابه أنه لما دعم الدعم السريع ليس لديه أطماع شخصية أو خوفاً على منصب أو ابتغاء منّةٍ من قيادات الدعم السريع يرجوها، إنما المبادئ و القناعات الشخصية هي التي دعته إلى اصطفافه معها، لكن ثمة اسئلة مشروعة ينبغي للمتابع للشأن السوداني أن يبديها، فمثلا لِمَ جاء إعلان استقالته الآن و هو يعلم تمامًا أن قوات الدعم السريع استهدفت مواطنين عُزّلاً في (ود النورة) و غيرها منذ أشهر قبل الآن؟ ألم يسمع عن قرية (السريحة) و شهدائها الذين اغتالتهم اليد الباطشة؟ أم لم يسمع ب(الهلالية) و الفظائع التي ارتكبت فيها؟هل كان من ضمن مشروع إنهاء إجرام الدولة القديمة قتل الأطباء في مستشفياتهم و أئمة المساجد و نهب البنوك و الوزارات و المؤسسات العامة والخاصة، و اغتصاب الحرائر، و إذلال المواطنين و نهب ممتلكاتهم أمام أعينهم بل و إجبارهم على نقل ممتلكاتهم إلى سيارات الدعم السريع. تحت نير السياط و الضرب و إذلال الرجال؟ حينما يمسك أحدهم بلحية عجوزٍ شاب شعره و احدودب ظهره في مشهدٍ عجيب من مشاهد الإذلال و الإهانة هل كل هذا كان من ضمن معاني إنهاء إجرام الدولة القديمة؟ ألم يلاحظ أنه بعد كل هذه الفترة كان الدعم السريع يقصف المستشفيات في أمدرمان، و يقتل المرضى و مرافقيهم، أو يقصف المرافق العامة للكهرباء في عدد من الولايات التي هرب إليها الناس من بطش يدهم، ألم ينتبه إلى أن الحرب كانت موجهة للمواطن فاغتصبت أملاكه حتى نُهب مخزونه من قوته الذي يعتاش عليه و تم ذره أمامه عينيه في مشهد مريعٌ من الإذلال و أحدهم يقول له إذهب إلى برهان ليعطيك قوتاً…
إن عيني السيد (نهار) كانت قد أصابتها الغشاوة عما كان يجري تحت سمع و بصر العالم، و إثبات منظمات الأمم المتحدة أن الدعم السريع ارتكب من الجرائم ما لا يُحصى و لا يُعد حتى إذا شدت الحرب أوارها و كشرت القوات المسلحة أنيابها  وتساقطت المدن و الحواضر من أيديهم استبان للسيد نهار خطل ما كان يدعو إليه … و الذي يبدو أنها التجارة في سوق المبادئ يدعم يدًا ظالمة باطشةً لا ترعى في مسلم إلاً و لا ذمة …فإن انتصرت كان من المقربين أهل الحظوة، و إن انهارت خرج على الناس بأن كل هذه الجرائم هو منها براء…فأيُّ مبادئ هذه التي تُباع و تُشترى كيفما كانت حال السوق!! إن الرجوع للحق فضيلةٌ إن كان لسلوك طريق الحق و الانتصار لقيم الانسانية و لم يكُ مرتبطاً بموازنات الهزيمة أو الانتصار. فأيُّ وصف يطلق علي هذه الاستقالة البوار؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى