نحو قيادة مُلهِمة … رؤية مستقبلية للإدارة في السودان .. بقلم/ د. أحمد الطيب السماني .. أستاذ مدرب – أستاذ التنمية والإدارة

مدخل
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة التغيير، و تتشابك فيه التحديات مع الفرص، لم تعد الإدارة مجرد وظيفة تقليدية تُمارس من خلف المكاتب، بل أصبحت فنًّا استراتيجيًا يتطلب من القادة أن يكونوا أكثر وعيًا، و أوسع أفقًا، و أعمق إيمانًا بأن المستقبل لا يُنتظر… بل يُصنع.
السودان، بوضعه الراهن، لا يحتاج فقط إلى وقف الحرب، بل إلى ثورة عقلية تقود إلى سلام مستدام، و تنمية حقيقية و إدارة جديدة تُحسن استغلال ما نملك من ثروات و عقول.
لقد تنقلتُ عبر ثلاثة عقود ونصف من العمل الإداري والتدريبي، داخل السودان و خارجه، و رافقتُ مؤسسات في مراحل النهوض و الانهيار، و تعاملت مع بيئات شتى، من أقصى البيروقراطية إلى قمم الإبداع المؤسسي، فخرجت بقناعة راسخة:
أن الأمم لا تنهض بما لديها من موارد طبيعية فقط، بل بما تملكه من إرادة عقلية، و ما تزرعه من فكر إداري رشيد.ما بعد الحرب…
بداية جديدة لا تُفوَّت
إن ما تمر به بلادنا اليوم ،رغم قسوته، يمكن أن يكون لحظة مفصلية تُعيد تشكيل مستقبل السودان. و المفتاح هنا هو إعادة بناء الإدارة السودانية على أسس علمية حديثة، تُدار بالعقل لا بالعاطفة و بالخبرة لا بالهُتاف.
لكننا لن ننجح ما لم:
نُدرك أهمية التدريب و التأهيل المستمر، و ننزع من أذهاننا أن الشهادة الجامعية نهاية المطاف. فالعالم من حولنا يتطور كل يوم، ومن لا يتدرب، يتجمّد.
نُؤمن أن التكنولوجيا ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية. الدول لا تُدار اليوم بأكوام الأوراق، بل بأنظمة ذكية، تُقلل الهدر و تُعلي الكفاءة.
نُعيد تعريف القيادة، لا كمنصب يُتوارث، بل كمسؤولية تُكتسب بالكفاءة و النزاهة و البصيرة المستقبلية.
التدريب… بوابة النهضة الحقيقية
دعوني أكون واضحًا: لا يمكن لأي مشروع تنمية أن ينجح دون تدريب فعال. التدريب هو الأداة التي تُحوّل الطاقات الراكدة إلى قوى فاعلة، وهو الجسر الذي يربط بين الإمكانيات المجردة والإنجازات الواقعية.
نحن بحاجة إلى:
برامج تدريب تُعيد تشكيل العقل الإداري السوداني، و تُحرره من الجمود، و تُطلعه على أحدث ما وصل إليه العلم في فنون القيادة، و إدارة التغيير و التفكير التصميمي.
منصات إلكترونية وطنية تُتيح التعلم لكل من يرغب في كل بقعة من السودان ليصبح التدريب حقًا لا رفاهية.
تدريب الشباب تحديدًا، لأنهم لا يمثلون “المستقبل” فقط، بل هم الحاضر الذي يجب تمكينه اليوم قبل الغد.
استشراف المستقبل… لا طريق غيره
السودان لن ينهض ما لم يبدأ في التفكير كما تفكر الأمم المتقدمة بعقلية استشراف المستقبل، لا بردود الأفعال و هذا يتطلب:
إدخال تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي في مؤسسات الدولة.
إنشاء وحدات استشراف و تخطيط استراتيجي في كل وزارة.
تعميم ثقافة “السيناريوهات البديلة” حتى لا نصطدم بالأزمات بلا استعداد.
رسالة إلى قادة السودان الجدد
أنتم لا تُديرون مؤسسات فقط… أنتم تصيغون النموذج الإداري الذي سيحتذي به جيلٌ كامل.
فإن أخفقتم، ضاعت فرصة تاريخية.
وإن ألهمتم، خرج من تحت أيديكم السودان الجديد الذي نحلم به.
اختر أن تقود بعقلك لا بعصاك،
بضميرك لا بمنصبك،
برؤيتك لا بردود أفعالك.
لأن القائد الحقيقي لا يترك وراءه مكاتب مُنظمة فحسب، بل عقولًا مُستنيرة… و نموذجًا يُخلّد في الذاكرة.