مقالات الرأي
أخر الأخبار

هل إلى خروج من سبيل ؟؟ .. بقلم/ لـواء رُكن ( م ) د. يونس محمود محمد

هذا النداء الغاص بالوجع، الممزوج بالمهانة و حشرجة الضراعات، و غُصص الندم المتيقّن بعدم جدواه لكنه يخرج من أفواه أهل النار يوم القيامة: ( هل إلى خروج من سبيل ؟؟) وتتداعى أمام نواظرهم تسجيلات الملائكة الحفظة، فيروا صدودهم عن الحق، و تمرّدهم على الفضائل، ونقضهم كُل عهد، و قطعهم وصال ما أمر الله به، وإفسادهم في الأرض.
فيضل السؤال و لا يجيبه أحد، حيثُ لا عتبى، ولا شفاعة ولا عدل (فدية).
هذه الصورة المرعبة التي جلتها آيات القرآن الكريم عن حال المجرمين تنعكس ظلالها على وعي أهل السودان، ويرونها كالشمس في ضحاها تتطابق تماما مع حال (الجنجويد) الذين تورطوا في حرب السودان ، و ملأوا اشرعتهم هواء، و أسرفوا في الأماني، و غرّتهم مقدمات الحرب بأنهم بالغون منتهاها لا محالة، تؤزهم أصوات المحرضين أزًّا، تجمّل قبح ما فعلوه، و تبرر سيء ما اقترفوه وتدلّهم على الطرقات، وتحشدهم في المحاور و تدعوهم لاقتحام المُدن، و استباحة القُرى، و قهر الإنسان، و إخلاء البلد من أهله لأن أهلًا جُدد قد وقفوا بالباب ليدخلوا هذه الأرض المباركة (أرض النيل).
جاؤوها على وعد بلفور الجديد (البعاتي) من ظُلمات الأرض في أفريقيا، ومن مجاهل صحاريها القاسية، و مكوناتها البشريّة المتوحشة، جاؤوا هكذا كقطعانٍ من الكلاب البريّة، بمخالب من غدرٍ وأنياب بلا شفقة، أو كسربٍ من جراد كأنه غيمةُ عذابٍ حلّت بدار قومٍ كفروا بأنعم الله عليهم.
هذا المدّ البشريّ الكثيف، المسلّح، العنيف الذي لا يعرف غير لغة الرصاص، و لا يعبأ بقيود الأخلاق، و لا يملك خاصية بشريّة مفطورة على شيءٍ من الشفقة و الرحمة، فمضوا كالسيل الجارف، والوباء القاتل، والإعصار المدمّر، تُوجههم أصوات القادة والمستشارين (من على البُعد) إستلموا الخرطوم، أهجموا القيادة، المدرعات، المهندسين و الإشارة.
إنتشروا في الجزيرة، سنار، النيل الأزرق والقضارف.
عليكم بشندي، و عطبرة، والدامر، و المتمّة، و مروي و دنقلا، يجب محوها من على الخريطة، لا ترحموا فيها صغيرًا أو كبيرًا؛ لأن سودانًا جديدًا يجب أن يقوم على أنقاض السودان القديم (دولة ٥٦) و بالتأكيد المقصود الإنسان وليس غيره، في مشروع آل دقلو، والمؤامرة الدولية، التي وفّرت من السلاح ما تنوء به الدول ذات القوة، إذ كشفت هذه الحرب عن عتادٍ ثقيل، و متنوع وحديث، و مركبات مدرعة، و دبابات، وصواريخ، وأجهزة إتصالات، وةمنظومات تنصّت، وتشويش، و ملابس، و أغذية، و أدوية، و مساعدات أخرى كثيرة، كلّها حاضرة وبوفرة، الأمر الذي يؤهل (العصابة) على إحداث فرق نوعيّ و كميّ في ميدان المعركة.
نعم هكذا بدأ الأمر، وإستدرج الإغراء الجنجويد للخوض إلى الأعمق في بحر المجهول، الذي لم يحسبوا له غير ترخيصات قادتهم، وتهوين الأمر و استسهال المهمة، و لذلك طفحت وسائط الإعلام بهكذا معنى، ومضى القحاطي(بكري الجاك) يدعو البرهان والكباشي وياسر العطا، يدعوهم للإستسلام للدعم السريع، خفضًا للتكلفة على جيشهم، وحفاظًا على أرواحهم، رابتًا على أكتافهم (المليئة بالدبابير والعلامات) بأنّ الإستسلام ليس عيبًا؛ فقد استسلمت من قبلُ اليابان، نعم والله تجرأ هذا الصعلوك الخنفس أن يبلغ هذا المقدار من التجنّي والوقاحة.
إمتد أجل الحرب لعامين كاملين، تجلّت فيهما حماقة الجنجويد، وشجاعة القوات المسلحة، و اتضح فيها غباء الجنجويد، وذكاء وفطنة الجيش، وليس من وجه للمقارنة في الأصل حتى لا تكتسب المليشيا (حِذية) مع الجيش، و لكنّ الشاهد أن القوات المسلحة قد أطعمت دهري الحرب مئات آلاف الهلكى من الجنجويد حتى ضاقت الميادين والأزقّة والدروب بأجداثهم المنتنة.
وقلب الجيش معادلات القتال، و انتقل من الدفاع العدائي إلى التعرّض الواسع والعميق، وشغل المحاور كلها في توقيت متزامن، وغلق منافذ الإمداد و الفزع، وضرب سياجًا من الحصار البعيد للحدود السودانية الغربية والشمالية الغربية، حيثُ روافد الدعم الدولي و الإقليمي للجنجويد.
عمليّات الجيش وضعت يدها على مخزونات كبيرة من مؤن القتال الأمر الذي أخلى يد المليشيا من القُدرة على التعويض.
فبدأت عمليات التراجع المتسارع لفلول الجنجا (و الفلول هنا بمعنى الكلمة الحرفي لا الإسقاط السياسي) بمعنى جماعة الجُند الهاربين لا يلوون على شيءٍ (عرييييد)
وقد بدأ ذلك من شهر نوفمبر العام الماضي في عمليات الدندر، والسوكي، وسنجة، وتلتها ولاية الجزيرة، ومن يومها لم تجد المليشيا عافية برغم الطَرق الشديد على رأسها، والدعاية المكثّفة، والتبريرات المكررة لدرجة الإسفاف، وكُل ذلك لم ينفع؛ حيثُ ظهر الضعف في مجمل الأداء الميدانيّ، و غياب القادة، و هلاك المرتزقة المكلّفين بأعمال نوعيّة.
خرائط القوات المسلّحة العملياتية وأقلام التأشير بالليزر الأحمر، و العيون المدققة التي تلمع بوميض الذكاء، و التداول الهادئ الرزين للموقف الاستخباري، و العملياتي،
و عرق الصبر البارد على الجباه، كلّها عمليات مخاض ذهني تلدُ فكرًا عسكريًا مصمتًا بلا فرقعة فراغ.
حيثُ كان الرسم الهندسي لإخلاء الجنجويد يبدأ من بعيد، مثل عمليات (السلخ) ثم تنتهي بالرأس في القصر الجمهوري.
كُل هذا و الجنجويد لا يُدركون خطورة ما هُم عليه مقبلين، تشغلهم تخريفات (طبيق)، و (عمران)، و تخريجات (قجّة) و (يأجوج و مأجوج) الساخرة، حتى إذا أفاقوا وجدوا كل الجسور مغلقة بإرادة الرجال، و غلبوا في كل موقع و انقلبوا صاغرين،
يسألون و لسان حالهم يردّد هل إلى خروج من سبيل ؟؟
والجواب يأتيهم من كل دم سفكوه، وعرض اغتصبوه، و روح أزهقوها، و مال نهبوه، و كرامة أذلوها و ديار أخرجوا منها أهلها.
يأتيهم من كل قائم حطموه، و عامرٍ خربوه، وحياة بدلوها باللجوء والنزوح، يأتيهم من صرخات الخوف، و دموع الأسى، وةآهات الحسرة، ولسع السياط على ظهور الأبرياء، وحرمان الأسرى بلا حقٍ من أسباب الحياة.
يأتيهم من مظالم وجرائم في حق الشعب السوداني
لا تُنسى أبدًا، و لا سبيل للتسامح معها.
يجب القصاص منهم إذا أراد الشعب حياة آمنة مستقرة (و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)

الآن و أصوات القادة والمستشارين تناديهم بالصبر والثبات وتحذّرهم مغبة الهروب لأن الجيش سيلاحقهم إلى دارفور، و هى التي زيّنت لهم بالأمس التوغل وأغرتهم بالمخاطرة، و لكن هيهات فقد فات الأوان، فإنك يا ( *طبيق* ) لن تُسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين.

هؤلاء الأشاوذ دونهم الدول الأفريقية التي أتوا منها، لأن مُدن الحواضن في دارفور لن تكون عاصمًا من الطوفان القادم.
الحمد لله، فأما الخرطوم فقد أُخرجوا منها، و مهما كانت نواياهم فالقوات المسلّحة منتبهه ومسيطرة على الأحداث بفضل الله.

لا خروج أيها المجرمون.

لا سبيل.
ستبقون لتلقوا حتوفكم الحتمية جزاء وفاقًا.

جيش يبرد الحشا
ويرد الكرامة
ويشفى الصدور

ولا غالب الا الله

٢٦ رمضان ١٤٤٦ هجرية
26 مـارس 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى