وجه الحقيقة… الاتحاد الأفريقي: دبلوماسية التوازنات .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

مع اقتراب الجيش السوداني من تحقيق انتصار حاسم على مليشيا الدعم السريع و استعادة السيطرة على البلاد، تتجه الأنظار إلى الاتحاد الأفريقي و دوره في هذه المرحلة من تاريخ السودان. حيث تستعد المنظمة لعقد قمة استثنائية منتصف فبراير الجاري لمناقشة الوضع في السودان، عليه تبرز تساؤلات جوهرية حول موقفه من الأزمة، هل سيكون تدخّله إيجابياً في دعم الحكومة القائمة، أم مجرد محاولة جديدة لإدارة الأزمة دون تحقيق نتائج ملموسة؟ كذلك هذا التحرك يطرح تساؤلات حول نوايا الاتحاد؛ هل يسعى بالفعل إلى دعم الدولة السودانية، أم أنه يضغط من أجل تسوية سياسية قد تمنح الميليشيا فرصًا جديدة لإعادة ترتيب صفوفها؟ في هذا المقال نتناول المتغيرات السياسية و العسكرية التي تحدث في السودان و أثرها على موقف الاتحاد الأفريقي في اتخاذ خطوات متقدمة تجاه السودان.
كما نعلم فإن حرب السودان بتداعياتها المحلية و الإقليمية تعيد صياغة موازين القوى داخل القارة الأفريقيةن و مع اقتراب الجيش السوداني من استعادة سيطرة الدولة يبرز تساؤل جوهري: كيف ينظر السودانيون إلى دور الاتحاد الأفريقي في هذه المرحلة الحرجة؟ و هل يمكن للمنظمة القارية أن تقدم حلًا فاعلًا؟ أم أنها ستكتفي بالمواقف الرمادية التي طبعت تعاملها مع أزمات أفريقية سابقة؟.
فقد ظل الإتحاد الافريقي منذ اندلاع الحرب في السودان يتبنى نهجًا يقوم على الدعوة للحوار السياسي و وقف إطلاق النار، لكنه فشل في لعب دور حاسم في منع التصعيد أو كبح التدخلات الخارجية. و رغم الجهود التي بذلتها اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي بشأن السودان، و التنسيق مع الإيغاد و جامعة الدول العربية، ظل موقف الاتحاد ضعيفًا مقارنة بدول مثل مصر و السعودية اللتين قدمتا مبادرات أكثر تأثيرًا في مسار التفاوض.
في ظل هذا الأداء الذي يعتمد دبلوماسية التوازنات البائسة، فإن عقد قمة استثنائية الآن قد يكون محاولة متأخرة لإثبات حضور المنظم، خاصة بعد النجاحات الميدانية التي حققها الجيش السوداني. و إذا كانت القمة تهدف إلى وضع خارطة طريق لاستعادة الأمن و السلام للسودانيين، فإن السؤال الذي يفرض نفسه: أي فعل سياسي يمكن أن يحقق ذلك و يكون مقبولًا للسودان في هذه المرحلة غير أن تُستعاد عضويته كاملة في المنظمة بجانب دعم جهود الحكومة في الحوار السياسي و استعادة الأمن؟ خاصة مع اقتراب الجيش من إنهاء التمرد عسكريًا.
و فيما تسعى بعض الأطراف الدولية لفرض تسوية سياسية، فإن موقف الحكومة السودانية يبدو أكثر حزمًا هذه المرة، حيث يؤكد المسؤولون في الخرطوم أن الحوار يجب أن يكون “سودانيًا – سودانيًا” بعيدًا عن أي إملاءات خارجية. و يعني هذا أن الاتحاد الأفريقي أمام تحدٍ حقيقي: هل سيتعامل مع السودان كدولة ذات سيادة تقرر مصيرها بنفسها، أم أنه سيحاول فرض نموذج تسوية لا يتناسب مع الواقع العسكري و السياسي الجديد؟.
كذلك من القضايا الحاسمة التي ستواجه قمة الاتحاد الأفريقي هذه هي مسألة التدخلات الخارجية في الصراع السوداني. فبينما وجه مجلس السلم و الأمن لجنة فرعية للتحقيق في الأطراف التي تدعم الفصائل المتحاربة، لم يتم حتى الآن اتخاذ أي إجراءات رادعة تجاه الدول التي زوّدت الميليشيات بالسلاح و الدعم اللوجستي، عليه إن كان الاتحاد الأفريقي جادًا في تحقيق استقرار دائم في السودان، فعليه الاعتراف بأن الأزمة السودانية ليست مجرد نزاع داخلي، بل هي حرب وجودية فرضتها قوى إقليمية و دولية يجب دعم موقف السودان لإدانتها في الأمم المتحدة.
الناظر لتجارب الاتحاد الأفريقي في إنهاء النزاعات يلاحظ بوضوح أن الأزمة السودانية لم تكن الاختبار الأول للاتحاد الأفريقي في التعامل مع النزاعات المسلحة داخل القارة، فقد سبق له أن لعب أدوارًا متفاوتة في إدارة الأزمات في دول مثل رواندا، و بوروندي، و مالي و إثيوبيا . و جميعها لم يكن دور الاتحاد فيها حاسمًا، مثال ذلك في رواندا (1994) فشل الاتحاد الأفريقي في منع الإبادة الجماعية التي أودت بحياة نحو 800 ألف شخص بسبب غياب الإرادة السياسية.
أما في بوروندي (2003-2005)، فقد واجه الاتحاد صعوبة في فرض حلول مستدامة بسبب تعقيدات المشهد السياسي الداخلي. و في مالي (2012-2013)، اكتفى الاتحاد بإدانة الانقلاب العسكري و التدخل الفرنسي، لكنه لم يقدم مبادرة أفريقية خالصة لحل النزاع مما جعل الأزمة تُدار وفق أجندات دولية أكثر من كونها حلولًا أفريقية.
هذه التجارب تكشف أن تدخلات الاتحاد الأفريقي لم تكن حاسمة، حيث يفتقر إلى أدوات حقيقية لفرض الحلول أو ضمان تنفيذها. و إذا أراد أن يكون مؤثرًا في السودان، فعليه أن يتجاوز دوره التقليدي كمجرد وسيط محايد، و يتبنّى موقفًا واضحًا يحفظ وحدة البلاد و يمنع أي محاولات تسويفية تحت ذريعة التسويات السياسية غير الواقعية.
أمام هذه المعطيات، تعمل القوى الوطنية السودانية على بلورة مشروع وطني للحوار يضمن تمثيل جميع الفاعلين دون استثناء باشتراط المراجعات القانونية لكل من أجرم في حق الشعب السوداني، و إذا أراد الاتحاد الأفريقي أن يكون جزءً من الحل، فعليه مراجعة سياساته السابقة التي كانت تميل إلى محاباة بعض الأحزاب المفروضة على السودانيين دون تفويض على حساب الأمن القومي السوداني. كما يجب أن يدرك أن السودان ليس بحاجة إلى مزيد من الاجتماعات و التوصيات، بل إلى دعم حقيقي يعزز مؤسسات الدولة و يمنع أي محاولة لإعادة تدوير الفوضى أو انتاج الأزمة من جديد.
عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة تمثل قمة الاتحاد الأفريقي المقبلة اختبارًا حقيقيًا لمصداقية المنظمة في التعامل مع الحرب السودانية . فإذا أرادت إثبات جديتها ، فعليها تبني موقف داعم لاستقرار السودان كدولة موحدة ذات سيادة ، بعيدًا عن الحلول الرخوة التي لا تعالج جذور المشكلة. فهل سيكون الاتحاد الأفريقي على مستوى التحدي ، أم يظل حبيس سياسته التقليدية القائمة على احتواء الأزمات بدلاً من حلها؟
دمتم بخير و عافية.
الأربعاء 5 فبراير 2025 م. Shglawi55@gmail.com