مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … الجامعة العربية في السودان لتسويق صفقة أم لتقديم مبادرة جديدة؟! .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

ينظر كثير من السودانيين إلى الجامعة العربية بعين الترقب و الخُذلان، بين تاريخها الذي صنع “لاءات الخرطوم الثلاث” و بين تأخرها في نصرتهم عقب اندلاع الحرب المدعومة إقليمياً و دولياً. حيث جاءت زيارة (أحمد أبو الغيط) الأمين العام للجامعة العربية للسودان مطلع هذا الأسبوع متأخرةً و يكتنفها كثير من الغموض إذ تُعتبر هذه أول زيارة له منذ اندلاع الحرب. لعل هذه الزيارة جاءت في سياق سياسي و أمني معقد للغاية في وقت تشهد فيه البلاد حرباً وجودية متصاعدة بين الجيش السوداني و مليشيا “الدعم السريع” نتيجة انقلاب فاشل حاولت بموجبه الميليشيا و داعموها المحليون و الإقليميون الاستيلاء على السلطة، في واحدة من مظاهر الصراع الإقليمي و الدولي للسيطرة علي موارد البلاد الضخمة إلى جانب الاستفادة من الموقع الجيوسياسي المميز على ساحل البحر الأحمر.

هذا الواقع جعل أي تحرك دبلوماسي بما في ذلك زيارة أبو الغيط محاطاً بالكثير من الأبعاد السياسية و الأمنية، فمنذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023 أظهرت الوقائع أن التدخلات الإقليمية و الدولية أشعلت الصراع و أطالت أمده. في هذه البيئة ظلت تتشكل معركة سودانية غير تقليدية بين مناصري الجيش السوداني الذين يرون فيه صمام الأمان لوحدة البلاد ومستقبلها السياسي ومناصري المليشيا الذين يتطلعون للحكم دون تفويض ، لذلك ظلت هذه المعطيات تمثل جزء كبيرا من التحدي في كيفية إدارة هذه التدخلات دون تصعيد الحرب أو زيادة الأزمات الإنسانية .

بجانب هذه التعقيدات تبرز مسألة ازدياد حدة الانتهاكات الوحشية من قبل ميليشيات “الدعم السريع” و التي ساهمت في إفشال العديد من المبادرات السياسية الإقليمية و الدولية لوقف الحرب. كما أن عدم التزام الميليشيات بتنفيذ اتفاق جدة للترتيبات الأمنية و الإنسانية الموقع في 11 مايو 2023 أدى إلى مزيد من تعقيدات المشهد.

في ظل هذه الظررف نشطت العديد من المبادرات الإقليمية و التي تمثلت في المحاولة للوصول لحلول تضمن استعادة الأمن و تحقيق السلام للسودانيين. و رغم دخول الاتحاد الإفريقي و “الإيقاد” و الأمم المتحدة عبر مبعوث الأمين العام (رمطان العمامرة) إلا أن هذه الأطراف لم تنجح في فرض تهدئة حقيقية لإنهاء الحرب. يعود هذا الفشل جزئياً إلى غياب توافق حقيقي بين القوى الكبرى على تعريف الأزمة بشكل مشترك يساعد في حلها حيث تصفها الحكومة بانها انقلاب مدعوم إقليمياً و دولياً لاختطاف البلاد.

لهذا أثارت زيارة أبو الغيط تساؤلات حول دور الجامعة العربية في حل النزاع السوداني، فالجامعة التي كانت تاريخياً تمثل إطاراً أساسياً للتنسيق العربي و التصدي للمهددات الأمنية المتعلقة باستقرار دول المنطقة تواجه الآن تحديات كبيرة في ظل تزايد الانقسامات السياسية داخل العالم العربي، فضلاً عن تباين المصالح بين الدول الأعضاء، لذلك من جهة تسعى إلى تعزيز التضامن العربي مع السودان إلى جانب التنسيق مع الاتحاد الإفريقي و الأمم المتحدة لإحلال السلام. لكن من جهة أخرى تظل هناك تحفظات من بعض الأوساط السودانية على قدرة الجامعة على التأثير بشكل حاسم في الوضع الراهن.

فقد اعتبرت الحكومة السودانية في أكثر من مناسبة أن الجامعة رغم مواقفها الإيجابية المعلنة لم تقدم مبادرة عملية لمعالجة التدخلات الإقليمية خاصة تلك التي تقوم بها الإمارات و المتهمة بدعم ميليشيات “الدعم السريع” بالمال و السلاح. في هذا السياق قال وزير الثقافة والإعلام خالد الأعيسر خلال زيارة (أبو الغيط) إن الحكومة السودانية تعول على الجامعة العربية للضغط على الدول الإقليمية المتورطة في دعم التمرد. و لكن مراقبون يشيرون إلى أن الحكومة السودانية غير واثقة من قدرة الجامعة على اتخاذ خطوات جادة و فعالة خاصة في ظل غياب دورها المؤثر و انشغالها بعدة ملفات كالقضية الفلسطينية و أزمات لبنان و سوريا.

بالنظر الي كل هذه التدخلات الإقليمية المعقدة يرى البعض أن الجامعة تسعى لتحقيق توازنات إقليمية ودولية عبر دعم طرف سياسي في السودان على حساب الآخر . في حين تؤكد مصر على موقفها الداعم لاستقرار السودان باعتباره جزءً من أمنها القومي ، بالنظر الي هذه التعقيدات يبرز الدور الإماراتي الذي يعتقد السودانيون أن دعم الإمارات لميليشيات “الدعم السريع” يأتي في إطار تحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بالموانئ و الأراضي الزراعية. إلى جانب محاولة تمكين قوي سياسية بعينها متجاوزة بذلك إرادة السودانيين في رسم مستقبل البلاد السياسي، أما المملكة العربية السعودية فتسعى لإيجاد مقاربة للحل تشمل كافة القوى السياسية بالنظر إلى الوساطة التي تقودها مع الولايات المتحدة الأمريكية و التي انتجت اتفاق جدة للترتيبات الأمنية و الإنسانية.

حيث يرى مراقبون ضرورة أن يكون للسعودية و أمريكا دور ضاغط يُلزم المليشيا بتنفيذ الاتفاق الذي قدمت الحكومة السودانية خارطة طريق لإنفاذه كمسار استراتيجي يسبق أي عملية سياسية، و هو ما يبدو الذي جاء للنقاش حوله (أبو الغيط) كما سبقه حول ذات الرؤية الأسبوع الماضي وزير الخارجية المصري د. (بدر عبد العاطي)، بينما يُنظر إلى قطر كلاعب دبلوماسي محوري محتمل الدخول في خط السلام بإحداث مقاربة بين جميع المبادرات نظراً لتاريخها الإيجابي في حل النزاعات بالسودان مثل اتفاقية سلام دارفور.

عليه و بحسب ما نرى من وجه الحقيقة تظل السيناريوهات المستقبلية غير واضحة في ظل هذه التعقيدات. قد تساهم زيارة (أبو الغيط) في تعزيز التنسيق العربي حول السودان لطي ملف الحرب مع غياب احتمال الصفقات، لكنها قد لا تكون كافية لإحداث تحول جذري في الوضع القائم ما لم يتم إيجاد حلول عملية للمشاكل الهيكلية في العلاقات الإقليمية. كذلك ربما تكون المبادرة القطرية المحتملة أو التحركات المصرية للإشراف على محادثات مباشرة بين الأطراف السودانية السبيل الأمثل للانتقال بملف الحرب في السودان إلى منطقة واضحة يمكن منها استعادة الأمن و تحقيق السلام للسودانيين.
دمتم بخير و عافية.
الأربعاء 11 ديسمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى