مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … السودان ينال استقلاله مرتين! .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في الذكرى السنوية لاستقلال السودان، التي تحل في 2025م نجد أنفسنا أمام لحظة مفصلية في تاريخ البلاد. هذه الذكرى لا تقتصر فقط على التذكير بخروج المستعمر، بل تأتي في وقت يتشكل فيه مسار السودان الحديث على أسس جديدة. فالسودان لم ينل استقلاله مرة واحدة فقط في 1956، بل ناله للمرة الثانية في حرب الكرامة حيث كان يُخطط لاختطاف الدولة السودانية. وقف الشرفاء في مواجهة محاولات التفكيك و الانقسام التي تهدد سيادته و وحدته الوطنية. اليوم، يُعيد الجيش السوداني تأكيد عزمه على حماية هذا الاستقلال الذي لا يزال يشكل حجر الزاوية لبناء مستقبل السودان الواحد. في هذه المناسبة، يصبح الالتفاف الوطني حول الجيش و الحفاظ على الوحدة الوطنية ضرورة لا يمكن التفريط فيها.

منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام 2023 بواسطة مليشيا الدعم السريع و داعميها المحليين و الإقليميين، كان الجيش السوداني في صدارة الدفاع عن الوطن ضد مخاطر التفكيك و الانقسام لم تكن هذه المعركة مجرد تصدي لمجموعة حاولت اختطاف الدولة، بل كانت أيضاً دفاعاً عن هوية الدولة السودانية من محاولات داخلية و خارجية استهدفت تمزيق البلاد. في هذا السياق، تُعد انتصارات الجيش السوداني، سواء على الأرض أو في مجالات متعددة أخرى، علامة على إرادة الشعب السوداني في مقاومة المؤامرات التي تسعى لزعزعة الاستقرار الوطني و العبث بمقدرات الشعب.

إن المعركة التي يخوضها السودان اليوم ليست مجرد معركة سياسية أو عسكرية، بل هي معركة السيادة الوطنية، التي تقرر أن يكون السودان بعيداً عن الهيمنة و التدخلات الخارجية. لذلك تتطلب من الشعب السوداني التزاماً متجدداً بالوحدة الوطنية، التي تشكل الأساس لإعادة بناء الوطن و تحقيق تطلعاته. في ذكرى الاستقلال، يجب أن يتذكر كل سوداني أن هذه الأرض التي شهدت النضال ضد الاستعمار يجب أن تشهد اليوم نضالاً آخر ضد الانقسامات الداخلية التي تسعى لتفتيت كيانه.

السودان اليوم يمر بمنعطف خطير يتطلب منا جميعًا، كأفراد و مؤسسات، أن نكون في طليعة الدفاع عن السيادة و الوحدة الوطنية. لا شك أن الواجبات التي تقع على عاتق السودانيين تتجاوز الحدود التقليدية للانتماءات القومية أو السياسية. في هذا الوقت، يتعين على جميع أبناء السودان من مختلف الأيديولوجيات و التوجهات السياسية أن يتجاوزوا الخلافات و يعملوا معاً من أجل مصلحة الوطن.

إن الوعي بأهمية هذه اللحظة التاريخية، و تغليب المصلحة الوطنية على أي أجندات حزبية أو فردية هو ما سيحدد مصير السودان في المستقبل. لا شك أن الأحزاب السياسية تلعب دوراً محورياً في التأثير على مستقبل البلاد. لكن في الوقت الذي يعاني فيه السودان من أزمة وجودية تهدد وحدته، يُنتظر من هذه الأحزاب أن ترتقي إلى مستوى التحديات. إن الصراعات الحزبية الصفرية التي لطالما قسمت البلاد يجب أن تُنبذ لصالح هدف مشترك هو استقرار السودان و حمايته من التهديدات الخارجية و الداخلية.

وفي هذا السياق، لا بد للأحزاب السياسية من تبني برامج سياسية ترتكز على تعزيز اللحمة الوطنية، و نبذ العنف، و تعزيز قيم السلام و التعايش بين مختلف مكونات الشعب السوداني. الأحزاب السياسية مدعوة اليوم للارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية، والعمل من خلال حوار سياسي شامل يتجاوز الانقسامات الضيقة و يعزز التوافق الوطني.

فإن شباب السودان الذين نهضوا للدفاع عنه والذين هم في ميدان القتال الآن لن يسمحوا بالعودة بالبلاد إلى الوراء للخلافات والتشظي والتفويض الكاذب. لذلك، يجب من أجل مواجهة التحديات المعقدة التي تواجهها البلاد، أن يكون هناك مشروع إصلاحي شامل يعيد بناء مؤسسات الدولة السودانية على أسس حديثة و قوية. هذا الإصلاح لا يقتصر على المؤسسات السياسية . يتطلب ذلك إصلاح النظام التعليمي، وتطوير النظام الصحي، وبناء بنية تحتية متطورة، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية في إدارة الموارد الوطنية. الإصلاح يجب أن يكون عملية شاملة تأخذ بعين الاعتبار حقوق المواطنين، وتسعى لتحسين ظروفهم الاقتصادية و الاجتماعية. كما يجب أن يولي هذا المشروع الإصلاحي اهتماماً خاصاً ببناء المؤسسات العدلية المستقلة.

مشروع الإصلاح لا بد أن يشارك فيه الجميع، من حكومة، و أحزاب و مجتمع مدني، لضمان أن يكون شاملاً و فعالاً. إن الحفاظ على السيادة الوطنية يتطلب من السودان أن يتخذ قرارات مستقلة بعيداً عن أي تدخل خارجي. من الضروري أن يعمل السودان على تعزيز علاقاته الإقليمية و الدولية بطريقة تحفظ مصالحه الوطنية و تؤمن له الدعم الذي يحتاجه في هذه المرحلة. في ظل التحديات الماثلة، يجب على السودان أن يعزز من دوره القيادي في القضايا الإقليمية، و يسعى لتشكيل تحالفات استراتيجية تمكنه من التعامل مع العالم بشكل أكثر فاعلية.

إن تعزيز السيادة الوطنية يتطلب أيضاً ضبط العلاقة مع القوى الكبرى بما يضمن استقلالية القرار السوداني ويمنع التدخلات في الشؤون الداخلية. في الوقت ذاته، على السودان أن يعمل على بناء علاقات متوازنة مع جيرانه ومجموعة الدول العربية والإفريقية، بما يساهم في تعزيز أمنه القومي.

لذلك، و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة، فإن معركة السيادة الوطنية في ذكرى الاستقلال تظل على رأس الأولويات، حيث يقف السودان أمام مفترق طرق. يفرض على الشعب السوداني و الجيش تحديات جسيمة، و لكن هناك أيضاً فرصة حقيقية لإعادة بناء الدولة على أسس قوية و مستدامة. لقد أثبت الجيش السوداني كفاءته في حماية الوحدة الوطنية، و هو الآن بحاجة إلى دعم كامل من الشعب السوداني بكل أطيافه. إن اللحظة الراهنة تتطلب تجاوز الأجندات الضيقة . بناء السودان الجديد لن يتحقق إلا من خلال الوحدة الوطنية، و العمل المشترك بين جميع الأطراف السياسية و الاجتماعية. معاً، يمكننا أن نبني مستقبلًا أفضل للسودان، قائماً على العدالة، و الاستقرار و السلام.

دمتم بخير وعافية.
1 يناير 2025م
Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى