وجه الحقيقة .. الطريق إلى مصفاة الجيلي بين التكتيكي و الاستراتيجي!. .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

تشير المعلومات الواردة من مصادر عسكرية موثوقة إلى أن القوات المسلحة السودانية تواصل عملياتها النوعية لاستعادة مصفاة الجيلي شمال مدينة الخرطوم بحري من سيطرة مليشيا الدعم السريع. المصفاة، التي تُعد هدفًا استراتيجيًا لما تحمله من أهمية اقتصادية و عسكرية باتت في مرمى الجيش بعد أن نجح في تطويقها وقطع كافة خطوط الإمداد عن المليشيا المتحصنة بداخلها. في هذا المقال نحاول أن نشرح الأبعاد التكتيكية و الاستراتيجية لكامل المنطقة بما فيها المصفاة.
منذ بداية الحرب استهدفت مليشيا الدعم السريع السيطرة على مواقع استراتيجية حيوية، مثل منطقة (قرّي) الصناعية التي تضم أكبر محطة حرارية للكهرباء و معسكرًا لهيئة العمليات السابقة التابعة لجهاز المخابرات الوطني. هذا المعسكر، الذي كان يشكل حلقة أمان حول العاصمة أصبح نقطة انطلاق لعمليات المليشيا بعد تفكيكه. كما استحوذت المليشيا على مصفاة الجيلي الذي يقع ضمن الحيز الجغرافي للمكان، و هي منشأة حيوية تتحكم في إمدادات الوقود للعاصمة حيث تعد مصفاة الجيلي إحدى أبرز المنشآت الاقتصادية في السودان. السيطرة على هذه المواقع سمحت للمليشيا بتأمين إمداداتها للوقود بجانب الإمداد العسكري مستفيدة من المستودعات المحصنة و منظومة السيطرة و الأتصالات لضمان استمرار تحركاتها في محلية بحري وصولًا لولاية نهر النيل.
الهجمات التي نفذتها المدفعية و الطيران المسير خلال الأيام الماضية مستهدفة للموقع نجحت في ضرب مركز القيادة و السيطرة للمليشيا، و تحييد عدد كبير من عناصرها عبر عمليات قنص دقيق، مما أدى إلى تقليص قدرتها على المناورة أو شن هجمات مضادة. القوات المسلحة تمكنت من فرض طوق أمني محكم حول المصفاة، ما أدى إلى شلل عمليات مليشيا الدعم السريع داخليًا و خارجيًا. هذا النهج التكتيكي أحكم الخناق على عناصر المليشيا، مما جعل محاولاتهم للمقاومة تبدو عبثية سبق ذلك تدمير اي امداد خارج أو داخل إلى المصفاة بجانب التصدي لأي محاولات لفزع القوات من خارج دائرة المنطقة المحاصرة.
قامت استراتيجية الجيش علي قطع الإمدادات عن المليشيا، بما في ذلك الغذاء و الذخيرة، و استعاضة المقاتلين. هذه التحركات المدروسة للقوات المسلحة في محيط المصفاة، إلى جانب السيطرة على المناطق المحيطة مثل (البكاش) و جبل (جاري) جعلت المصفاة نقطة معزولة استراتيجيًا مما يمهد الطريق لتحريرها دون خسائر كبيرة. وفقًا لمصادر عسكرية نجحت القوات المسلحة في فرض حصار محكم على المصفاة مع قطع جميع خطوط الإمداد التي كانت تغذيها منذ بداية العمليات فيما يعرف بعزل الأهداف الحيوية و تفكيك الطوق الدفاعي. ثم تنفيذ هجمات استنزافية من عدة محاور، كما حدث في معارك الجزيرة و دارفور و سنار، هذا التكتيك المرحلي ساهم في تحويل الدفاعات المحيطة بالمصفاة إلى نقاط ضعف قابلة للإختراق.
تم اسناده بالطيران المسير والمدفعية الثقيلة، إلى جانب التنسيق الميداني العالي، خلق حالة من الفوضى لدى المليشيا، التي باتت عاجزة عن التصدي لهذا الضغط المتواصل. وفقًا لذاك تشير التوقعات إلى أن استعادة المصفاة باتت مسألة وقت. تكتيكات الجيش الحالية تهدف إلى استنزاف قدرات المليشيا المتبقية، مع تقليل المخاطر على المدنيين والمنشأة. التحرير المتوقع للمصفاة سيمثل ضربة قاصمة لمليشيا الدعم السريع، حيث سيحرمها من موقع استراتيجي مهم ويعزز سيطرة الجيش على شمال العاصمة.
تعد مصفاة الجيلي رمزًا للسيادة الاقتصادية، واستعادتها تمثل إنجازًا مزدوجًا على الصعيدين العسكري والاقتصادي. السيطرة عليها ستمنح الجيش قوة دفع إضافية لتحرير بقية المناطق الحيوية، وستعيد للسودان القدرة على تأمين أحد أهم منشآته النفطية. استعادة مصفاة الجيلي ستكون نقطة تحول رئيسية في مسار الحرب، ليس فقط بسبب الأهمية الاقتصادية للمنشأة، ولكن أيضًا لما تحمله من دلالات استراتيجية. السيطرة عليها تعني تأمين الشمال ومحيط الخرطوم، و حرمان المتمردين من موقع حيوي كان يوفر لهم الدعم اللوجستي و التكتيكي. كما أن تحريرها سيمثل دفعة معنوية كبيرة للجيش السوداني وللشعب الذي يتطلع إلى نهاية هذه الحرب المخزية و المدمرة.
وفقًا لهذه الحسابات فإن نجاح الجيش السوداني في استعادة السيطرة على مصفاة الجيلي يحمل أبعادًا سياسية و عسكرية عميقة. على المستوى العسكري، يبرهن على قدرة الجيش السوداني على إدارة معارك معقدة في مواجهة مليشيات غير نظامية. أما على المستوى السياسي، فإن هذا الإنجاز يعزز موقف الدولة في استعادة سيادتها على أراضيها و إظهار قدرتها على مواجهة مشروع التفكيك و كافة التدخلات الاقليمية و الدولية.
مع الحصار المحكم و استنزاف قدرات المليشيا تشير المعطيات إلى أن تحرير المصفاة بات وشيكًا. القوات المسلحة السودانية تُظهر احترافية عالية في إدارة المعركة، حيث يتم تجنب الاشتباكات المباشرة قدر الإمكان لتقليل الخسائر، مع التركيز على الضغط التكتيكي و ضرب النقاط الحيوية للعدو الذي بات مبعثرًا بين غياب قياداته الميدانيين و غياب الهدف من الحرب.
عليه فإن الطريق إلى مصفاة الجيلي بات واضحًا وفقًا للحسابات التكتيكية والاستراتيجية المذكورة هو نموذج لتحول المعارك من مجرد مواجهات ميدانية إلى محطات حاسمة. تحرير المصفاة سيمثل انتصارًا مزدوجًا للسودان، يعيد إليه السيطرة على منشآته الحيوية وينهي مليشيا الدعم السريع بشكل كبير. في ظل هذه التطورات، تقترب القوات المسلحة من تحقيق هدفها الأسمى: تحرير كامل أراضي السودان و استعادة أمنه و استقراره. عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن النصر يلوح في الأفق، و القوات المسلحة تواصل تقدمها بثبات لتحقيق هدفها في بسط الأمن و تحقيق السلام و حماية السيادة الوطنية.
دمتم بخير و عافية.
الإثنين 13 يناير 2025م. Shglawi55@gmail.com