
تداولت وسائل التواصل الاجتماعي السودانية مؤخراً صورة لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، و هو يرتدي زيّاً جديداً لفت الأنظار ما أثار الاهتمام بشكل خاص كان الحذاء، الذي يُعرف محلياً بـ “البوت”، و هو جزء مكمل للزي العسكري التقليدي. هذه الصورة لم تقتصر على لفت الانتباه إلى المظهر، بل حملت في طياتها العديد من الرسائل و الدلالات التي تتعلق برؤية الشعب السوداني للمرحلة المقبلة من حكم البلاد.
البوت الذي ظهر به البرهان أصبح رمزاً لما يراه البعض بداية مرحلة جديدة، مرحلة تتسم بالواقعية السياسية بعد أن دخلت الحرب في شهرها العشرين و اقتربت من الحسم لمليشيا الدعم السريع.
اختلفت وجهات النظر حول الصورة و ارتباطها بالمستقبل، و كان أكثر ما استرعى الانتباه هو التعليق الذي جاء على لسان عدد من المعلقين، الذين أجمعوا على أن “البوت النظيف، الملتزم بقيم أهل السودان، الحافظ لسيادة البلاد و أمنها، و الساعي لرفاهية الشعب، أفضل بكثير من الأحذية الإيطالية الجلدية الأنيقة”. حيث تبدو هذه العبارة تفضيلاً واضحاً للسلطة العسكرية على السلطة المدنية، و هو تفضيل يعكس قناعة متزايدة في أوساط الشعب السوداني بأن الجيش يعتبر الخيار الأفضل بعد أن عايشوا سنوات من المعاناة بسبب الصراعات السياسية بين القوى المدنية الحزبية و التي ما تزال تشكو من ذات الصراعات الصفرية البائسة.
النظرة السائدة الآن تشير إلى أن الكثير من السودانيين بدأوا يتطلّعون إلى مستقبل أفضل و يرسمون ملامحه بواقعية بعيداً عن الحلم المثالي الذي ساد لفترة طويلة. فبعد سنوات من الحروب و الفتن السياسية، يبدو أن الشعب أصبح أكثر إيمانًا بأن المرحلة القادمة بحاجة إلى قيادة “ميري” قوية قادرة على إعادة الأمن و الاستقرار إلى البلاد.
و لعل أبرز ما تطرحه هذه الصورة هو فشل التجربة الحزبية في السودان طوال الفترات السابقة. فالصراعات المستمرة حول السلطة، غياب البرامج النهضوية الشاملة، و ضعف الإرادة السياسية، و ارتهان بعض القوى السياسية للأجنبي، إضافة إلى إقصاء الآخر كانت عوامل رئيسية أدت إلى تعثر التجارب المدنية، و بالتالي، فإن الصورة التي تنقلها وسائل التواصل الاجتماعي تتجاوز كونها مجرد صورة لرئيس مجلس السيادة بزي جديد و حذاء أنيق، لتصبح تعبيراً عن رغبة شعبية في عودة الاستقرار، و هي دعوة صريحة لقادة الجيش بأن يسيروا قُدماً في توحيد صفوف الشعب السوداني و حماية أمنه مع التركيز على إعادة بناء الاقتصاد و استعادة الثقة في مؤسسات الدولة.
و بالنظر إلى المستقبل، على القيادة العسكرية أن تضع في اعتبارها هذه القناعات الشعبية و أن تستفيد منها لتحقيق مصالح الشعب السوداني، هناك فرصة الآن لبناء مرحلة جديدة تقوم على التفاهم و التعاون بين الجميع بعيداً عن صراعات الماضي، فالمرحلة المقبلة تتطلب السودانيين قاطبة، سواء في السلطة المدنية أو العسكرية، العمل بروح وطنية عالية من أجل بناء سودان مستقر و آمن رافضاً للأطماع الإقليمية و الدولية.
دمتم بخير و عافية.
31 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com
