مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … حديث عبد الحي يوسف : التوقيت الزماني والدلالات السياسية .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

– شهدت مواقع التواصل الاجتماعي و الساحة السياسية السودانية بالأمس تفاعلاً واسعاً بعد انتشار مقطع فيديو للشيخ د. (عبد الحي يوسف) ، أحد أبرز الائمة و الدعاة السودانيين، وجّه فيه انتقادات لاذعة للرئيس عبد الفتاح البرهان. يبدو أن الفيديو كان في حديث خاص مع مجموعة من المقربين لكنه أثار ردود فعل متباينة و شكل نقطة انطلاق حول دلالات هذه التصريحات وتوقيتها والغرض منها . في هذا المقال نقف عند هذه الأسئلة ونحاول الإجابة عليها بوضوح في سياق التحليل .

– ابتداء من المهم النظر إلى حديث الشيخ عبد الحي في سياق شخصيته المعروفة بالصراحة و الوضوح، ففي لقاء جمعه بالرئيس السابق عمر البشير في عام (2002) كنا حضور و آخرين اللقاء -بحكم عملنا الإعلامي- الرجل وجه انتقادات حادة و قاسية للرئيس حيث بدأ حديثه مستشهدا بالآية الكريمة: “بئر معطلة و قصر مشيد” و هو ما يعكس أسلوبه المباشر في مخاطبة القادة. لذلك التسريب الأخير الذي ظهر في هذا التوقيت الحساس قد لا يكون مفاجئاً لمن يفهم أسلوب الرجل. و مع ذلك لا يمكن التقليل من أهمية توقيت نشر الفيديو في الوسائط الإجتماعية، و التربص الذي يقوم به البعض تجاه ما يجري في بلادنا حيث يعاني السودان من أزمة سياسية و اجتماعية عميقة وسط الحرب المستمرة بين الجيش السوداني و مليشيا الدعم السريع.

– لذلك فإن تصريحات الشيخ عبد الحي يوسف قد يُنظر إليها على أنها محاولة لتسليط الضوء على تناقضات القيادة السودانية، خاصة فيما يتعلق بعلاقات الرئيس البرهان الإقليمية و الدولية. لكن هذه الانتقادات في ظاهرها قد تفتقر إلى المعلومات الكاملة مما يجعلها تبدو كدعوة للتنبيه إلى حالة الضبابية التي يعانيها المشهد السياسي السوداني. على الرغم من ذلك يرى مراقبون أن حديث الشيخ قد يكون رسالة لضرورة تبني استراتيجية واضحة لبناء تحالفات إقليمية و دولية تخدم السودان في هذه المرحلة الحرجة. من بين الدول التي أشاروا إليها تركيا، و قطر، و روسيا والصين التي يمكن أن تسهم في دعم السودان اقتصادياً و سياسياً و أمنياً.

– الشيخ عبد الحي يوسف، رغم انتقاداته للرئيس للبرهان، لم يتراجع عن مواقفه الداعمة للجيش السوداني في حربه ضد مليشيا الدعم السريع. تصريحاته ربما تعكس قلقاً من بعض السياسات التي يعتبرها متساهلة في مواجهة التحديات الداخلية و الخارجية. لذلك عندما تحدث عن “المراوغة” في سياسات البرهان فإنه يشير إلى ما يراه غياباً لاستراتيجية حاسمة في التعامل مع قضايا مثل العلاقات مع إسرائيل. ورغم ذلك فإن ذكاء الرئيس البرهان في إدارة الأحداث و هذا بشهادة خبراء كانت جيدة، حيث وصفها في بعض خطاباته بـ”الحفر بالإبرة” لأجل المحافظة علي الدولة السودانية ذلك يعكس صبراً و حكمة في قيادة البلاد نحو بر الأمان رغم التحديات المعقدة التي يجهلها كثير من الناس.

– لعل الاهتمام الذي وجدته تصريحات الشيخ عبد الحي يوسف أنها تأتي في سياق انتماءه للتيار الإسلامي الواسع بسعة أرض السودان و الذي يعتبر أحد مؤسسيه، و السودان حينها كان يمر بمرحلة تحولات عميقة تستوجب قيادة واضحة و متماسكة تعبر عن قيم السودانيين التي كانت مستهدفة بالمحو من الوجود.

– بالرغم من أن البعض حاول يصفه بأنه قيادياً في الحركة الاسلامية السودانية التي يقودها الشيخ “علي كرتي” التي ظلت تتعامل في مثل هذه الظروف مع الأحداث بحذر شديد نابع من حرصها علي وحدة القيادة في البلاد و دعمها اللا محدود، حيث قالت في بيان:” أنها تقدر المواقف المشرفة للدكتور عبد الحي يوسف في العمل الاسلامي لكنه ليس عضوا في الحركة الاسلامية في أي من هياكلها”.

– الواضح أن حديث الرجل يمثله هو في المقام الأول و لا يمثل جهة أخرى، حيث جرت محاولات عليه للتوظيف الخاسر من قبل بعض القوى السياسية التي تدعم مليشيا الدعم السريع بهدف خلق انقسامات داخل المجتمع السوداني و إضعاف الجبهة الداخلية مع اقتراب الجيش من حسم المعركة الذي إن حدث فهو يعد انجازاً للمؤسسة العسكرية و لقيادة الجيش و للرئيس البرهان و كافة المستنفرين من شباب السودان.

– في ظل التحديات الحالية، يحتاج السودان إلى خطاب يوحد الجبهة الداخلية و يعزز ثقة السودانيين في قيادتهم وفي المؤسسة العسكرية التي ينتظرها الكثير لأجل استعادة الأمن و تحقيق السلام. لذلك، من المهم أن يتحلى الجميع بالمسؤولية و بالانضباط في إطلاق التصريحات التي قد تؤدي إلى تأخير النصر و إلى إضعاف الجبهة الداخلية في ظل المهددات الاقليمية و الدولية المتجددة.

– لذلك بالرغم من الانتقادات التي وجهها الشيخ عبد الحي يوسف، فإن مواقفه ظلت داعمة للجيش في حربه ضد مليشيا الدعم السريع، كما أنها ربما تعكس الحالة المتوترة التي يعيشها أغلب السودانيين بين “النقد البناء” و “الالتزام بدعم الجيش” هذه الثنائية تمثل طبيعة المرحلة التي يمر بها السودان، لذلك ظللنا في وجه الحقيقية نؤكد أن بلادنا تحتاج إلى تكاتف القوى السياسية و المجتمعية لدعم الجيش و استعادة الأمن و السلام حتى يظل استقرار السودان و أمنه هدفاً مشتركاً للجميع ، ما يستوجب الابتعاد عن التصريحات المثيرة للجدل و العمل يداً واحدة لتحقيق الانتقال إلى اليوم التالي من الحرب توطئة للدخول الي مرحلة بناء الدولة بعد استعادتها من الاختطاف.

دمتم بخير و عافية.
السبت 30 نوفمبر 2024م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى