مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة .. عملية قاعدة الزرق : ود الشريف رأيو كمل ؟! .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في تحول جوهري ضمن مسار الحرب في السودان، نجح الجيش السوداني و القوات المشتركة امس الأول في تنفيذ عملية دقيقة و محددة الأهداف ضد قاعدة (الزرق) في ولاية شمال دارفور، أظهرت هذه العملية كفاءة عالية في التنفيذ و التكتيك الحربي، نتج عنها تحييد معسكرات مليشيا الدعم السريع و استيلاء القوات السودانية على العتاد الحربي و المعدات العسكرية، بالإضافة إلى تدمير مركز القيادة و السيطرة التابع للمليشيا بما في ذلك مهبط الطائرات . قبل التطرق إلى الأبعاد الاستراتيجية للعملية من الضروري أولاً فهم طبيعة قاعدة (الزرق)، و المعروفة سابقاً باسم “حاء مي”، التي أسسها (محمد حمدان دقلو) كمركز حيوي لتمركز قواته. تقع القاعدة بين منطقتي “دار سويني” شمالًا و “دار أرني” جنوباً، و هي نقطة محورية في العمليات العسكرية للمليشيا في شمال دارفور كونها تحتل موقعاً جغرافياً بالغ الأهمية بالقرب من الحدود مع تشاد و ليبيا.

كان الموقع يشكل قاعدة إمداد أساسية سواء عبر خطوط الإمداد البرية أو الجوية، حيث كانت المليشيا تستخدمه كنقطة انطلاق لتوزيع الأسلحة و المعدات العسكرية بالتنسيق مع أطراف إقليمية و دولية. تم تنفيذ العملية على مرحلتين: الأولى هي عملية الحصار المباشر التي استهدفت تعطيل قدرات المليشيا العسكرية داخل القاعدة، و الثانية كانت عملية اقتحام مُحكمة للقاعدة و ضمان السيطرة الكاملة عليها. في هذه العملية التي أطلق عليها “ود الشريف رأيو كمل”، تلك (الجلالة) الخالدة في تاريخ الجيش السوداني تم تحييد المعسكرات التابعة للمليشيا، و السيطرة على العتاد العسكري الثقيل بما في ذلك الآليات والمركبات العسكرية و أجهزة الاتصال بالإضافة إلى تدمير مركز القيادة و السيطرة للمليشيا.

كانت عملية إغلاق طرق الإمداد بين ليبيا و تشاد أحد الأهداف التكتيكية الحاسمة حيث كانت المليشيا تعتمد على هذه الطرق لتمويل أنشطتها العسكرية. إغلاق هذه الطرق يعني إعاقة قدرة المليشيا على تنفيذ عمليات هجومية طويلة المدى و يحدّ من قدرتها على التواصل مع الجهات الداعمة الإقليمية و الدولية. يعزل هذا التحول المليشيا في شمال دارفور و يجعلها عُرضة للانهيار العسكري التدريجي بسبب نقص الموارد. لقد كانت القاعدة بمثابة منصة انطلاق لعمليات هجومية على مدن مثل الفاشر و غيرها من مناطق إقليم دارفور أخرجها من دائرة الفعل، يعني بشكل عملي قطع شريان مهم في شبكة العمليات العسكرية للمليشيا و تبدد العديد من خططها المستقبلية التي كانت تستهدف توسيع مناطق سيطرتها.

ما يميز الهجوم على قاعدة الزرق هو أنه لم يكن هجوماً عسكرياً تقليدياً نظراً لأن المنطقة مكشوفة و يسهل رصد التحركات فيها. لذلك اعتمدت القوات السودانية على استراتيجية التخفي و التسلل و الاختراق لخطوط المليشيا. كانت العملية معقدة من حيث تنسيق الاستخبارات و القتال الجوي و العمليات البرية المنسقة. هذا التكتيك لم يقتصر على سحق القوى العسكرية للمليشيا، بل أدّى إلى إرباك قواتها في مناطق أخرى من دارفور، كما دمّر الهجوم العديد من شبكات الاتصال و اللوجستيات التي كانت تحافظ على تماسك المليشيا و تنسيق عملياتها. كشفت العملية عن أدلة تثبت تورط جهات إقليمية و دولية ضمن المؤامرة ضد السودان و هو ما سيُكشف عنه في حينه بواسطة الجهات المختصة.

لا تقتصر أهمية عملية تدمير قاعدة (الزرق) على البعد العسكري فقط، بل تمتد إلى أبعاد استراتيجية أوسع؛ حيث تمثل خطوة هامة نحو استعادة السيادة السودانية على الأراضي التي تستبيحها المليشيا في التوقيت الذي يحدده الجيش السوداني. المشروع الذي كان يسعى حميدتي لتنفيذه في دارفور، و الذي كان يشمل إقامة “دولة خاصة” تحت سيطرته استُهدف بشكل مباشر من خلال هذه العملية مما يساهم في إضعاف المليشيا على المستويين السياسي و الميداني.

تعد قاعدة (الزرق) نقطة محورية في شبكة الدعم الإقليمي للمليشيا. تدمير الجيش السوداني لهذه القاعدة تقطع ارتباطات المليشيا بهذا الدعم، مما يعزلها سياسياً و إقليمياً. يعكس هذا التحول فشل محاولات حميدتي في إقامة تكتلات إقليمية قوية تدعمه في مواجهة الدولة السودانية. خسارة قاعدة (الزرق) تمثل ضربة معنوية قاصمة للمليشيا باعتبار أن القاعدة كانت مركزاً اجتماعياً و عسكرياً لعائلة (حميدتي) و (آل دقلو). سيطرة الجيش على القاعدة تعني تدمير أحد أركان القوة الداخلية للمليشيا، ما يقلل عزيمة عناصرها في الميدان و يؤثر سلباً على قدرتهم على التنظيم و التخطيط للمعارك المستقبلية.

وفقًا لخبراء عسكريين، فإن العملية ضد قاعدة (الزرق) ليست مجرد هزيمة معنوية وعسكرية للمليشيا، بل هي بداية سلسلة من التحولات الاستراتيجية التي قد تؤدي إلى انهيارهم في المستقبل القريب. على الصعيد العسكري، يُتوقع أن يواجه الجيش السوداني عمليات انسحاب و تفكك داخلي في صفوف المليشيا، خاصة في ظل الهزائم المتتالية التي تلقتها المليشيا في معركة جبل مويه وتحرير سنجة و أماكن أخرى. بجانب انحسار الدعم الاقليمي و الدولي عقب تورط المليشيا في انتهاكات فظيعة في مناطق مثل الجزيرة و دارفور و ولاية الخرطوم عبر القصف العشوائي للمواطنين.

و رغم الهزائم المتلاحقة، لا يزال قائد المليشيا محمد حمدان دقلو “حميدتي”، غائباً عن الساحة العسكرية. ظهوره في بعض التسجيلات لا يكشف سوى أسرار محدودة حول هذا الاختفاء المريب، مما يثير تساؤلات حول تأثير غيابه على توجيه العمليات الميدانية. إذا كان غيابه نتيجة لقتله أو إصابته فقد يؤدي ذلك إلى انهيار كامل للبنية القيادية للمليشيا في مقبل الأيام.

بناءً على ذلك و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن عملية تحييد قاعدة (الزرق) تمثل نقطة تحوّل استراتيجية حاسمة في مسار الحرب في السودان، فهي خطوة في اتجاه استعادة السيطرة الحيوية، و فك الحصار عن الفاشر و تحقيق تفوق في الحرب ضد المليشيا. و على الرغم من أن المعركة لم تنتهِ بعد، فإن هذه العملية تمثل نكسة قاسية للمليشيا، و تفتح الطريق أمام الجيش السوداني لاستكمال استراتيجيته في استعادة الأمن و السلام والسيادة على كل أراضي السودان.
دمتم بخير و عافية.
الإثنين 23 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى