مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … قصف مستشفى الفاشر و تغير المواقف الإقليمية و الدولية!.. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

تسارعت ردود الفعل الإقليمية و الدولية إزاء القصف الذي استهدف المستشفى السعودي في مدينة الفاشر و الذي أسفر عن مقتل و إصابة أكثر من 70 شخص من المدنيين. و رغم أن الإدانات حملت بُعدًا إنسانيًا و أخلاقيًا في ظاهرها إلا أن التوقيت و حجم هذه البيانات يكشف عن أبعاد كبيرة تعكس تغيّرًا ملموسًا في المواقف الدولية تجاه الحرب في السودان لا سيما في ظل التطورات الميدانية التي تشير إلى تقدم القوات المسلحة السودانية في مواجهة مليشيا الدعم السريع المتمردة.

الإدانات التي صدرت عن كلٍّ من تركيا، و قطر، و السعودية، والإمارات، و جامعة الدول العربية، و رابطة العالم الاسلامي و الخارجية الإيرانية حملت خطابًا موحدًا يشدد على الالتزام بالقانون الدولي الإنساني و ضرورة حماية المدنيين، إلا أن هذه المواقف تتجاوز الجانب الإنساني لتلمح إلى تحول تدريجي في مواقف هذه الدول تجاه الحرب السودانية . فبينما اتسمت بعض الدول بالحذر في التعامل مع ما يجري في السودان، تشير لهجة التصريحات الأخيرة إلى تقارب أكبر مع القوات المسلحة السودانية المدعومة بشرعية الدولة لا سيما مع الإنجازات العسكرية الأخيرة التي حققتها في تحرير ولاية الجزيرة والخرطوم بعد فك الحصار عن القيادة العامة وسلاح الاشارة وطرد المليشيا من مصفاة الجيلي للبترول .

يلاحظ أيضاً في هذه الإدانات هو توحيد خطابها حول دعم استقرار السودان عبر تمكين الجيش السوداني من إنهاء التمرد. بيانات دول الخليج على وجه الخصوص، تعكس تحولًا من الحياد المعلن إلى دعم أكثر وضوحًا للجيش السوداني. إعلان الإمارات بالرغم من أنه حمل إشارات مبطنه بالحديث عن الشعب دون الحكومة دعمها لحل سلمي مع التشديد على حماية المدنيين إلا أنها خطوة مهمة ربما تعد تمهيدًا لاجتماعات محتملة بينها و القيادة السودانية بحسب ما رشح من مبادرات التركية و المصرية، و كذلك دعوة السعودية لتنفيذ إعلان جدة الموقع في 11 مايو 2023 يظهران أن هذه الدول بدأت تنظر للجيش السوداني كضامن للاستقرار و هو تطور يعكس تغيرًا جوهريًا في ديناميكيات السياسة الإقليمية تجاه السودان.

أيضا إدانة تركيا لقصف المستشفى السعودي في الفاشر مثّلت تطورًا لافتًا حيث لم يسبق لأنقرة أن أصدرت أي بيانات مماثلة تدين انتهاكات مليشيا الدعم السريع. هذا التحول يشير إلى تغيّر في القراءة التركية لحرب السودان و ربما ذلك دليل علي خطوات محرزة ضمن وساطتها بين السودان و الإمارات التي حملها للقيادة السودانية نائب وزير خارجيتها مطلع الشهر الجاري. و رغم أن موقف أنقرة كان تاريخيًا أقرب إلى الحياد النسبي تجاه أطراف الحرب، فإن تصاعد الخسائر الإنسانية و تقدم الجيش السوداني على الأرض قد دفع تركيا لإعادة تقييم سياساتها، إدانتهم العلنية في هذه المرحلة قد تكون مؤشرًا على رغبتهم في تحسين علاقتهم مع السودان ما بعد الحرب و خاصة أن تركيا تسعى لتعزيز نفوذها الاقتصادي و الجيوسياسي في المنطقة.

في السياق شهدت مواقف دول مثل كينيا تحولًا ملحوظًا، حيث بدأت في مراجعة سياساتها تجاه الحرب في السودان بعد إدراكها صعوبة استمرار الدعم السياسي أو التحيز لمليشيا الدعم السريع. تصريحات الرئيس الكيني (وليام روتو) بعدم الاعتراف بأي حكومة منفى سودانية التي عكسها وزير الخارجية السوداني الدكتور (علي يوسف الشريف) عقب زيارته كينيا الأسبوع الماضي وتصاعد الجهود الكينية داخل الاتحاد الأفريقي لدعم رفع تجميد عضوية السودان ، تعكس هذا التغير الكبير في الموقف الكيني و الذي سوف تترتب عليه مواقف أخرى من بعض الدول الأفريقية بالنظر للجولة الأفريقية التي قام بها رئيس مجلس السيادة السوداني ، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، منتصف الشهر الجاري إلى خمس دول أفريقية لترجمة المكاسب العسكرية التي حققها الجيش على الأرض، و التي شملت مالي، و غينيا بيساو، و سيراليون، و السنغال و موريتانيا و قد تحدثنا عن ذلك في مقال سابق تحت عنوان دبلوماسية الضرورة و حصاد النقاط.

التقدم العسكري و استقرار الموقف السياسي للقوات المسلحة بدأ يفتح آفاقًا لتحسين العلاقات الاقتصادية مع القوى الدولية. تصريحات وزير المالية السوداني جبريل ابراهيم بالأمس و التي نقلها موقع” أبار السودان” حول وعود صينية بالاستثمار في البنى التحتية، و توسيع إنتاج النفط و الكهرباء و الطرق تعكس اهتمامًا متزايدًا من قوى دولية كبرى بمستقبل السودان ما بعد الحرب. هذه التحركات الاقتصادية، التي تأتي بالتوازي مع المواقف السياسية و العسكرية المتغيرة، تشير إلى إدراك الدول الكبرى للأهمية الجيوسياسية للسودان في الإقليم. مع استقرار الأوضاع الميدانية، بدأت القيادة السودانية تتحدث عن خطط إعادة الإعمار و جذب الاستثمارات. خطوة عملية نحو استعادة الاقتصاد السوداني عافيته مما يعكس ثقة متزايدة بقدرة الجيش وانتصاراته على تأمين المناخ المناسب للاستثمار.

تصريحات رئيس مجلس السيادة قائد الجيش بأن الخرطوم ستكون قريبًا “خالية من التمرد” تؤكد سعي القيادة العسكرية لتوجيه رسالة واضحة بأن الحسم العسكري بات قريبًا و أن الجيش يملك زمام المبادرة على الأرض.

لذلك في سياق التحليل السياسي الأوسع، و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة يمكن القول إن الإدانات الدولية تعكس منطق القوة الذي يحكم العلاقات الدولية. التغيرات الميدانية لصالح الجيش السوداني خاصة السيطرة على مناطق استراتيجية في الخرطوم و بحري و تحرير ود مدني دفعت العديد من الدول إلى مراجعة حساباتها باعتبار أن منطق السياسة الدولية لا يرتكز على العواطف، بل على قراءة دقيقة لموازين القوى على الأرض، القصف الذي تعرض له مستشفى الفاشر كان مأساويًا لكنه كشف عن مواقف سياسية متحركة على المستويين الإقليمي و الدولي. التحولات الميدانية لصالح الجيش السوداني دفعت العديد من الدول إلى الاصطفاف خلف القيادة العسكرية كخيار استراتيجي لاستعادة الأمن و السلام في السودان.
دمتم بخير وعافية .
الثلاثاء 28 يناير 2025م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى