مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … لجنة المعلمين : بين المواقف السياسية و العملية التعليمية .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي يشهدها السودان أمنياً و سياسياً ظلت الحكومية تبذل جهداً لضمان إجراء امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة لعام (2023) و التي تُعد من أولويات استقرار العملية التعليمية، فالشهادة السودانية كما نعلم ظلت تمثل قضية أمن قومي تتطلب اهتماماً بالغاً من الدولة في جميع الأحوال. و مع ذلك أثارت مواقف لجنة المعلمين العديد من التساؤلات، خاصة فيما يتعلق بارتباط كل قضاياها بالأبعاد السياسية بدلاً من التركيز على القضايا الأكاديمية، قد بدا ذلك واضحاً في بيانها الأخير الذي أوردته “منصة الخبر” الذي حذرت فيه من حرمان (60%) من الطلاب من أداء الامتحانات و هو رقم نفت دقته مصادر بوزارة التربية و التعليم.

كما طالبت اللجنة في بيانها بوقف إطلاق النار و هو مطلبٌ سياسي واضح يتجاوز الأبعاد التربوية. يُظهر هذا الموقف من النقابة تفاعلاً سياسياً أكثر من كونه حرصا تربوياً علي مصلحة الطلاب مما يُثير تساؤلات حول قدرة اللجنة على الفصل بين مهامها الأكاديمية و الصراع السياسي، حيث كان من واجبها أن تقدم حلولاً عملية لضمان إجراء الامتحانات في المناطق الآمنة، فتركيز اللجنة على التحذيرات السياسية قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات وسط المعلمين و تعطيل العملية التعليمية.

رغم أن الوضع الأمني يستدعي مراجعة القرارات و اتخاذ كافة التحوطات اللازمة، فإن تغليب المصالح السياسية على الأولويات الأكاديمية يعكس خللاً في الدور المطلوب من اللجنة التي بالضرورة لها من الحرص ما يغلب المصلحة العامة للطلاب في هذه الظروف التي تحكمها القاعدة الفقهية “ما لا يُدرك كله، لا يُترك جُلّه و لو قل”. مع ذلك تبذل الحكومة جهودًا كبيرة لتأمين الامتحانات، و قد أعلنت عن تدابير لتوفير الحماية الأمنية للمراكز المستهدفة و تسهيل وصول الطلاب النازحين إليها، بما يشمل توفير وسائل النقل و المراكز البديلة في المناطق المستقرة نسبياً.

كما وضعت خططاً لبدء الامتحانات في 28 ديسمبر 2024 بالتنسيق مع اللجان الأمنية علي مستوى الولايات المستهدفة بقيام مراكز الامتحانات لضمان استقرار العملية. إلى جانب ذلك عملت الحكومة على إنشاء مراكز خاصة في المناطق الآمنة لتخفيف تأثير النزوح على الطلاب؛ فعلى سبيل المثال إذا أخذنا ولاية الخرطوم كنموذج أُعلن عن تجهيز (107) مركز مع توفير وجبات غذائية و خدمات النقل و المواد البترولية، كما تم إنشاء مراكز طوارئ في مدن مثل عطبرة و الدامر لتلبية احتياجات الطلاب الذين تأثرت قدرتهم المادية و حركتهم على التسجيل بسبب الحرب.

كذلك أعلن وزير التربية و التعليم د. (أحمد خليفة عمر) بعد زيارتهم أمس لولاية نهر النيل بصحبة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي (مالك عقار) و وزير الداخلية عن جاهزية الوزارة لقيام امتحانات الشهادة السودانية في موعدها، و عدّ ذلك حرصاً من الدولة علي مستقبل الطلاب و الطالبات، و أن هذا التحدي جزء من معركة الكرامة الوطنية.

لطالما كانت الخلافات السياسية داخل المؤسسات التعليمية سببًا لتعطيل العملية التعليمية قبل الحرب حيث اعتبرها المراقبون كانت جزء من الأسباب التي كرست لفكرة ضعف الدولة، و التي أدت لإذكاء الصراع السياسي، كما حدث في فترات سابقة عندما قادت لجنة المعلمين إضرابات احتجاجية عطلت بموجبها العملية التعليمية تحت لافتة الدفاع عن حقوق المعلمين حيث ساهمت هذه الاضرابات في تأجيج الأوضاع و تعطيل التعليم.

عليه يجب أن تدرك لجنة المعلمين أن تسييس التعليم يؤدي إلى تفاقم الأزمات و ازدياد المعاناة وسط الطلاب خاصة في ظل الحرب الحالية التي تهدد بقاء الدولة. كما نعلم التعليم حق أساسي للطلاب السودانيين، و لا يجوز استخدامه كأداة للمناورات السياسية، لذلك و في هذا الظرف المعقدة يتعين على لجنة المعلمين أن تتحمل مسؤولياتها الأكاديمية الوطنية بدلاً من الانخراط في الصراعات السياسية، فدعم استمرارية التعليم و الحفاظ على استقراره يجب أن يكون أولوية. كما يجب على اللجنة أن تُقدّر الجهود الحكومية المبذولة لتأمين الامتحانات، و أن تساهم بحلول عملية تدعم الطلاب و المعلمين في هذه المرحلة الحرجة بدلاً من الانصراف للأجندات السياسية البائسة.

عليه و بحسب ما نري من وجه الحقيقة فإن استقرار النظام التعليمي يُعد جزءاً أساسياً من استعادة استقرار السودان سياسياً و اجتماعياً، لذا على جميع الأطراف بما في ذلك لجنة المعلمين أن تضع مصالح الطلاب فوق كل اعتبار فالتكاتف و العمل المشترك لضمان إجراء الامتحانات بعيداً عن الصراعات السياسية الصفرية مسؤولية وطنية حتي نتمكن جميعاً من استعادة الأمن و تحقيق السلام للسودانيين.
دمتم بخير و عافية.
الإثنين، 16 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى