مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … يومان يفصلان السودان عن السيادة الجوية .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

حادثة تحطم طائرة “أنتونوف” العسكرية في محلية كرري، أمس الأول و ما خلفته من خسائر بشرية و مادية تعكس التحديات التي تواجهها القوات الجوية السودانية في ظل الاعتماد على أسطول قديم يعاني من تهالك المعدات و ضعف الصيانة. يأتي هذا الحدث في وقت يواجه فيه السودان تهديدات متزايدة، سواء عبر محاولات إقليمية لإعادة تشكيل المشهد السياسي من خلال دعم مليشيا الدعم السريع، أو عبر تآمر خارجي يهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي بما في ذلك الحديث عن احتمال إعلان حكومة في مناطق سيطرة المليشيا.

في هذا السياق، يصبح تحديث القوات الجوية السودانية ضرورة استراتيجية و ليس مجرد خطوة تقنية أو حاجة عملياتية. فامتلاك مقاتلات سيادة جوية، مثل J-10CE الصينية و Su-35 الروسية، و التي أعلن عن احتمال دخولها الخدمة مطلع مارس المقبل، وفقًا لمصادر عسكرية نقلتها “تاق برس”، لا يعزز فقط من قدرة السودان على حماية مجاله الجوي، بل يعيد أيضًا رسم موازين القوى الإقليمية و يشكل عنصر ردع فعال ضد أي محاولات لاختراق السيادة الوطنية. إن تطوير القوات الجوية السودانية في هذه المرحلة المفصلية يمثل رسالة واضحة للمتربصين بأن السودان ماضٍ في تعزيز قدراته الدفاعية، تأكيدًا لاستقلالية قراره الوطني و حمايةً لوحدته و سيادته و أمنه في مواجهة التهديدات المتنامية.

الإعلان عن استلام السودان سربًا من المقاتلات الصينية J-10CE أثار تفاعلًا واسعًا في الأوساط العسكرية و الإعلامية، خصوصًا لدى بعض الأطراف الإقليمية لما يحمله هذا التطور من دلالات تتجاوز مجرد تحديث القدرات القتالية لسلاح الجو السوداني. تأتي هذه الصفقة في سياق توجه الجيش السوداني لإعادة بناء قواته الجوية عبر اقتناء طائرات متقدمة تعزز من تفوقه الجوي مستبدلًا بها الطائرات القديمة التي خرجت من الخدمة.

المقاتلة J-10CE، المصنفة ضمن الجيل 4.5 من مقاتلات السيادة الجوية، توازي في قدراتها المقاتلة الأمريكية F-16، لكنها تتفوق عليها من حيث أنظمة الرادار الحديثة، إلكترونيات الطيران و مدى التسليح، مما يمنح السودان قدرة دفاعية و هجومية متقدمة. و ما يجعل هذه الصفقة ذات أهمية استراتيجية ليس فقط نوعية الطائرات، بل أيضًا أن الصين لا تصدّر هذه الفئة المتطورة إلا بعد إخضاع الطيارين لدورات تأهيلية صارمة، و هو ما بدأت به القوات المسلحة السودانية مع الصين منذ وقت مبكر مما يعكس التزامًا بتطوير القدرات القتالية السودانية على المدى البعيد “Global Times، 2024”.

لا شك أن استلام السودان لهذه الطائرات يحسن من قدرات الجيش السوداني كما أنه يمثل تحولًا في ميزان القوى بالمنطقة، خاصة أن قدراتها القتالية تتيح لها استهداف مواقع معادية داخل عمق بعض الدول المجاورة دون الحاجة لمغادرة المجال الجوي السوداني. هذا المتغير يفرض على دول الجوار، خصوصًا إثيوبيا و تشاد و كينيا و دول أخرى ظلت تتربص بالسودان، إعادة حساباتها العسكرية نظرًا لأن التفوق الجوي مؤخرا بات يعد أحد العناصر الحاسمة في أي صراع محتمل.

علاوة على ذلك، فإن امتلاك السودان لهذه المقاتلات يعزز من استقلال قراره العسكري و الإستراتيجي، و يعني أنه بات يمتلك منظومة قتالية متطورة تمنحه الأفضلية في التعامل مع التحديات الأمنية المحتملة. في هذا السياق، من المتوقع أن تنظر الولايات المتحدة و حلفاؤها إلى هذه الصفقة بعين الريبة، خاصة أن واشنطن تراقب عن كثب التمدد الصيني و الروسي في أفريقيا، و خصوصًا في المجالات الدفاعية “The Diplomat، 2024”. لكن هذا يجب ألا يجعل السودان رهينة الصراعات الإقليمية و الدولية، بل يمنحه ميزة استراتيجية للحفاظ على أمنه و مصالحه الحيوية . فالعالم يحترم الأقوياء، و القوة وحدها يمكنها أن تعزز المكتسبات السيادية و تمنح الدولة مرونة في التعامل مع التوازنات دون تفريط.

لا يمكن قراءة هذه الصفقة بمعزل عن الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع، إذ تأتي في ظل تقارير عن اتفاقات أمنية و عسكرية بين السودان و روسيا، بما في ذلك الحديث عن قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر “Al-Monitor، 2024” . كما أن التوجه نحو الصين كمصدر تسليح رئيسي يعكس رغبة سودانية في تنويع الشراكات الدفاعية بعيدًا عن الاعتماد التقليدي علي السوق الإقليمي.

من جهة أخرى، فإن امتلاك السودان لمقاتلات J-10CE، و ربما مستقبلاً Su-35 الروسية، يعكس رغبة في بناء قوة ردع قادرة على التعامل مع التهديدات المحتملة في جميع الأوقات سواء كانت داخلية أو إقليمية. كما أن تعزيز القدرات الجوية السودانية قد يكون جزءًا من إستراتيجية أوسع لإعادة بناء الجيش عقب انتهاء حرب الكرامة بما يمكنه من بسط السيطرة و استعادة الأمن و السلام للسودانيين بعد التحديات التي واجهها خلال الحرب الحالية.

تأتي هذه التطورات في ظل الإعلان الأخير لمليشيا الدعم السريع عن توقيع ميثاق مع حركات مسلحة و كيانات سياسية متحالفة معها لتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها. هذا التطور أثار قلقًا دوليًا؛ حيث أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخطوة، كما ادانتها الولايات المتحدة الأمريكية و أعرب عدد من أعضاء مجلس الأمن الدولي عن مخاوفهم من أن يؤدي تشكيل حكومة موازية إلى تقسيم السودان “United Nations News، 2024”.

هذا التآمر الإقليمي، المتمثل في دعم بعض الدول لتشكيل حكومة موازية، يهدف إلى إضعاف الحكومة المركزية و زعزعة استقرار البلاد. في هذا السياق، فإن تعزيز السودان لقدراته الجوية عبر صفقة J-10CE يُعتبر خطوة استراتيجية لمواجهة هذه التحديات، حيث يمنح الجيش السوداني القدرة على فرض سيطرته على كامل التراب الوطني و التصدي لأي محاولات انفصال محتملة.

إن ما يحدث اليوم، و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة، يشير إلى تحول السودان من دولة ذات قدرات جوية محدودة إلى قوة إقليمية تمتلك أدوات الردع الجوي الحديثة بجانب قدرات تقنية أخرى، هذا التطور يمثل انعكاسا لرؤية أوسع تهدف إلى تعزيز الاستقلال العسكري و المساهمة في الأمن و السلام الإقليمي و فتح آفاق جديدة للشراكات الإستراتيجية في عالم يحترم الأقوياء. في ظل هذا الواقع ستظل التوازنات الإقليمية و الدولية عاملًا رئيسيًا في تحديد مسار هذه التغيرات و مدى انعكاسها على مستقبل السودان و أمنه القومي.
دمتم بخير و عافية.
الجمعة 28 فبراير 2025 م Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى