وجه الحقيقية … فرص نجاح المبادرة التركية للتوسط بين السودان والامارات .. بقلم/إبراهيم شقلاوي

في هذا المقال نحاول تحليل الفرص المتاحة أمام نجاح المبادرة التركية التي أعلنها بالأمس مجلس السيادة السوداني، و التي جاء فيها أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبدى خلال اتصال هاتفي برئيس المجلس عبدالفتاح البرهان استعداد بلاده للتوسط بين السودان و دولة الإمارات لإحلال الأمن و السلام في البلاد. و أضاف أن البرهان “رحب بأي دور تركي يسهم في وقف الحرب التي تسببت فيها مليشيا الدعم السريع المتمردة، و أكد ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و حكومته الداعمة للشعب السوداني و خياراته”.
إذاً نحن أمام اختراق مهم يجب النظر له ضمن سياق الترتيبات الأمنية و السياسية التي تجري في المنطقة العربية، بجانب انه اعتراف ضمني بالتدخل الإماراتي في حرب السودان يضع حداً للإنكار، كذلك من المعلوم أن تركيا تنتهج سياسة خارجية متوازنة و نجاحها في الوساطة بين الأطراف المتنازعة في مناطق مختلفة من العالم يجعل بإمكانها لعب دور حاسم في إنهاء الحرب بالنظر إلى ثقلها الإقليمي و الدولي الذي يمنحها عدة فرص في نجاح مبادرتها نفصلها كالآتي:
تركيا تحت قيادة الرئيس أردوغان اكتسبت دعماً كبيراً في العالم العربي و الإسلامي. الشعب السوداني يشعر بإعجاب تجاه التجربة التركية في الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي، هذه الثقة يمكن أن تكون ركيزة أساسية لتسريع عملية الوساطة بين الأطراف. كما أن الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان يجد في تركيا شريكاً قوياً يمكنه الاعتماد عليه في محاولات استعادة الأمن و الاستقرار في البلاد.
كذلك تركيا تحظى بدعم كبير من العديد من الأطراف العسكرية الإقليمية في ظل قوتها العسكرية المتزايدة، كما تتمتع بعلاقات قوية مع دول المنطقة بما في ذلك الدول الكبرى في العالم العربي مثل مصر و قطر و المملكة العربية السعودية، و جميع هذه الدول متفهمة ما يجري في السودان، ربما يجعل ذلك أي مبادرة في هذا الصدد تجد القبول و الدعم من هذه الدول بما يمهد الطريق لنجاحها، كذلك تركيا قادرة على لعب دور إيجابي في إقناع القوى الإقليمية الكبرى مثل أمريكا التي تربطها علاقات وثيقة مع الإمارات في دعم الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب السودانية.
علاوةً على ذلك تركيا استطاعت أن تُثبت قدرتها على التأثير في ملفات معقدة مثل الأزمة السورية و الصراع الإثيوبي الصومالي مما يعزز من قدرتها على لعب دور حاسم في السودان، من خلال نفوذها الإقليمي قد تساهم تركيا في ضمان عدم تحول السودان إلى ساحة لصراعات إقليمية. هذا الخبرات الدبلوماسية الناجحة يمكن أن توفر منصة للحوار بين مختلف الأطراف، بدءاً من الحكومة و مروراً بالجيش وصولاً إلى المليشيا المتمردة. كذلك تركيا تتمتع بالقدرة على الجمع بين الأطراف السياسية و توجيهها نحو مفاوضات في مرحلة لاحقة إذا ما قررت إكمال الشوط حتي نهاية العملية السياسية في السودان في ذلك يرى مراقبون أن عرض الرئيس أردوغان نفسه كوسيط نزيه يمكن أن يكون فرصة لإنهاء الحرب حيث تساهم هذه الحيادية في بناء الثقة بين الجميع.
كذلك من المهم أن نعلم أن الحرب المستمرة تحتاج بشدة إلى دعم اقتصادي و إعادة بناء بنيته التحتية. تركيا يمكن أن تلعب دوراً رئيساً في هذا المجال، حيث عرضت أنقرة دعمها المستمر في المساعدات الإنسانية و الإعمار، كما أنها تملك خبرات واسعة في مشروعات البنية التحتية التي يمكن أن تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي في السودان في اليوم التالي بعد الحرب، أيضاً يجب أن لا ننسي أن السودان يتمتع بموقع جيواستراتيجي ممتاز علي ساحل البحر الأحمر يمتد إلى ما يقارب (800) كيلو متر مما يجعله نقطة محورية بالنسبة للعديد من القوى الإقليمية و الدولية.
كذلك علاقات تركيا مع دول البحر الأحمر مثل مصر و السعودية تمكنها من تقديم ضمانات للأمن و الاستقرار في هذه المنطقة. و هذا يعظم فرص تركيا و يجعلها أقرب إلى أن تقدم اختراق كبير في هذه المرحلة بالنظر إلى أن القيادة السودانية التي أظهرت انفتاحاً على الوساطة التركية. كذلك يجب أن نعلم أن تركيا تدرك تماماً حساسية مسألة السيادة الوطنية في السودان و هو ما يجعلها في موقع مناسب لتقديم ضمانات للحفاظ على وحدة السودان و سلامته الإقليمية.
رغم الفرص الكبيرة التي تتمتع بها تركيا، إلا أن هناك تحديات قد تواجهها في دورها كوسيط في السودان من أهمها التنافس الإقليمي؛ الإمارات ،على سبيل المثال، قد تكون مقاوِمة لأي وساطة تركية قد تهدد مصالحها في السودان إذا لم تجد الضمانات الكافية و التي يصعب على السودان تقديمها قبل بداية الحوار المحتمل هذا بالنظر إلى التعقيدات الداخلية .
هناك العديد من الأطراف السودانية التي قد لا تكون مستعدة للتنازل أو الوصول إلى تسوية شاملة، حيث أن التعبئة العامة للشعب السوداني تمضي تجاه حسم الحرب عبر فوهة البندقية حيث أن إنتهاكات مليشيا الدعم السريع و داعميها المحلين غير المحتملة هي التي فرضت هذا الواقع المعقد، كذلك على الصعيد الدولي فإن وجود دول كبرى مثل الولايات المتحدة و الصين قد يعقد عملية الوساطة التركية مما يستدعي تنسيقاً دولياً دقيقاً لضمان عدم اصطدام مصالح تركيا مع تلك القوى و في ذلك يمكن الاستفادة من التجربة السورية التي كانت تركيا لاعباً أساسياً فيها.
عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن الفرص المتاحة لتركيا لنزع فتيل الحرب في السودان تظل كبيرة بالنظر إلى دورها المتزايد في السياسة الإقليمية، و علاقتها الجيدة مع القيادات السودانية، و قبولها لدى الشعب السوداني و خبرتها في الوساطة الدولية. إذا ما استغلت تركيا هذه الفرص بشكل استراتيجي فإنها قد تلعب دوراً رئيساً في استعادة الأمن و تحقيق السلام و الاستقرار في السودان.
نواصل…
دمتم بخير و عافية.
السبت 14 ديسمبر 2024 م Shglawi55@gmail.com