
و ستنتهي الحرب بعد أن شردتنا من فوهةِ الزمنِ في جنح الظّلام، تراكمت مواسمُ الحزنِ على عتباتِ أقدارنا… و محت رياح القهرِ معالمَ خطواتنا… فيوم غادرنا بيوتنا غادرنا معها مهادنا و راحة بالنا… تلفّحنا الوجعَ و اقتتنا الأمانَ من أكفِّ الطُّرقاتِ الشّحيحةِ منه… و يظل الأمل بأن تنتهي الحرب و نعود لديارنا، و هذا ما يدفعنا للبقاء والنضال و نصرة الجيش، و يبقى السؤال الحائر و ماذا بعد أن تنتهي الحرب؟
نعلم من خلال التاريخ أن السنن الكونية تقول أن ولادة مستقبل عظيم يحتاج صدمة تجعلنا نراجع حساباتنا ، و ندرك أن الوطن أكبر بكثير من التصارع حول الكراسي و المصالح الضيقة… فما نحن فيه الآن أكثر من مجرد حرب، أنها صفعة قوية نفسية، و اجتماعية، و ثقافية، و اقتصادية تذيقنا كأسها كمرارة العلقم، و أصبحنا مستوعبين لمدى حاجتنا لفكرة وطنية راسخة نقررها بإرادة جماعية لا تتأثر بتعاقب الحكومات، نحتاج خطة وطن نعرف من خلالها من نحن؟ و ماذا نريد؟ و ما هي مصالحنا الوطنية؟ نحتاج جيل جديد يقود السودان بإرادة قوية متسلح بالعلم و المعرفة و العدالة، و محصن بقيم أخلاقية رصينة، قادر على التخطيط لمجتمع به الكثير من المشاكل و التشوهات الاجتماعية، و الثقافات السالبة، و العصبيات و الفقر… و الأخطر من ذلك مجتمع تولّد فيه الطمع، و الآنانية، و تفشى فيه الفساد نتيجة العَوَز و الحاجة… فنحن بحاجة إلى قيادة راشدة شفافة، لا يمكن لها الدس في الجيوب أو اللعب تحت الطاولات، و سيتحقق ذلك بقوة القوانين، و استقلال الجهاز القضائي و المحاسبة العادلة التي تسمو فوق حصانة الأفراد لصالح الوطن… نحن بحاجة إلى قيادة قادرة على التمثيل المشرف لنا عالمياً، لديها إمكانيات سياسية و خطابية، لديها قدرة على خلق علاقات دولية فعالة تراعي مصالحنا، وتجنبنا خط العداء مع الدول الأخرى، و تروج لحقنا في ثرواتنا و تحميها من الطامعين، و تدرك بحنكتها السياسية كيف تستفيد من استغلالها لصالح التنمية و النهوض بالسودان لتتحقق نبوءة أنها سلة غذاء العالم، و الأهم نحن بحاجة لبناء الإنسان السوداني الذي هو الثروة الحقيقية؛ و ذلك بتربية جيل لديه إنتماء لوطنه و لديه القدرات و الإمكانات الحقيقية العملية بعيداً عن التنظير و الشعارات الواهية.
و أخيراً نحن نستحق العيش بكرامة و عزة… و كفانا ويلات، و فقر، و ذل و أمراض.