مقالات المواهب
أخر الأخبار

أنين المدن .. مخيم زمزم .. بقلم/ براءة محمد حسن فضل الله

وهج مشرئب الخطى يعلو، يختزن كل المعاني التي لا سبيل لها أن تبلج وسط عتمتنا، كآبة خانقة تعتري الوجدان و تخيم في الصدور بيد أن الخشوع يطغى على المكان، و ما أحاول إيصاله لكم أيها السادة الأعزاء مجرد شعلة من تلك اللظى المسعرة التي يطلقون عليها (مخيم زمزم).

مخيم زمزم هو مخيم للاجئين أنشأ من قبل الحرب الحالية بفترة طويلة تاريخ إنشائي الرسمي 2004، و هو إحدى أكبر المخيمات في غربي البلاد و الذي يضم ما يزيد عن سبمعمئة ألف لاجئ، و يقع بالقرب من مدينة الفاشر مدينة الصمود و الفخر، انضم للمخيم أعداد غزيرة من الذين تركوا منازلهم خلفهم خوفاً من جنود البغي (مليشيات الدعم السريع)، فتصور عزيزي القارئ أن تترك بيتك و موطنك، حداثتك، فتصبح تلك المشاهد المقزعة ذكرى تلجد بلا توقف، تمكث يومك و أنت مختوم عليك (لاجئ) إلى وقت لن تعلم منتهاه، تمكث وسط الأسى و صرخات الأطفال و الجوع والأوبئة و أنت تعلم يقيناُ أن لا مفر، و لا وجود حقيقة لذلك الأكسير السحري، الذي يمحو الذاكرة فالوجع سيظل خالداً يعربد في النفوس الجريحة التي لا طائل لها و لا نجاة.

فمع كل ذلك المر وذلك الواقع القاسي، و البحث في جهامة الأيام عمّا يغيث القلوب من هول ما فعلته مليشيا الدعم السريع من قتل و ترويع وطردهم من منازلهم، لا زالوا يصرون على اللحاق بهم و ترويعهم بكل ما أوتوا من كراهية و استبداد قاهر، ففي بادئ الأمر دخل جنود الدعم السريع للمخيم من الناحية الجنوبية، متعطشين لصرخات الأطفال و إذلال المواطنين العزل، فبدأ المستنفرون و عدد من أفراد المقاومة الشعبية و حتى المواطنين في التصدي لهم، في تعدي سافر و صريح للحقوق الانسانية و الهتك بحرمة المواطنين و الأعراف الدولية، و قد استطاعوا الهجوم و قتل بضعة منهم و إسقاط ما يقارب عشرة من الجرحى.
و لم تكن ذلك الهجوم العنيف هو سوى بداية الضرب لناقوس الخطر، فصاروا يقصفون المخيم، وسط عويل و بكاء من الخوف وسؤال ( حاصل شنو) وعلامة استفهام في جباه المواطنين العزل الذين لم يكونوا يعلمون بنواياهم الخبيثة، وسرعان ما علموا أنهم بصدد حرب أخرى وتجهيز عتاد وعدة وكراهية محدقة لا يحاولون حتى اخفائها، فكنا نسمع دوماً في الأخبار تجدد القصف واستمرار محاولات الدخول واختطاف المدنين العزل من المخيم، وفي حركة خبيثة وماكرة استهدفت مليشيا الدعم السريع بقذيفة على المشفى داخل المعسكر، من ما اسفر عن سقوط ما يزيد عن مئة شخص و بينهم أطباء و كوادر منظمات دولية بينهم شخصيات بارزة تحملت كل الأخطار وتوقعات الموت التي تراود الذاكرة بين حين وآخر لممارسة دورهم الانساني، و ذلك في استهداف واضح للمواطن من مليشيات الدعم السريع و النية السافرة غير المخبأة في إهلاكه و إثقال روحه.

و بعد أن أخذتكم إلى ما حدث قبل أيام في مخيم زمزم سأنقلكم إلى وضعه اليوم، فقد أصبح مخيم زمزم اليوم مبانٍ محترقة جراء التدوين و القصف المقصود وفر منه المواطنون الذي أسر منهم، و في قلوبهم غصة من اللجوء مرة أخرى وإلى أين المفر، وما أسوأ أن تتغرب وأنت داخل أسوار موطنك، لكنه لم يعد الموطن و لن يعد مأمنك!
رقص أفراد مليشيات الدعم السريع و التقطوا (الفيديوهات) تعبيراً عن نصرهم و بطولاتهم الباسلة و الشجاعة- كما يدعون- و هم حقاً يحسنون الادعاء الملفق، و حتى صرحوا بكل النفاق الذي يعتريهم بأنهم أرسلوا قواتهم للمعسكر لحماية المدنيين و تحرير المعسكر من إرهاب الحركة الإسلامية!!

ستظل هذه الحقبة من أسوأ الحقبات التي مرت على تاريخ موطننا الحبيب، حقبة بغى فيها جنود الظلم و الجور و أفسدوا فيها و عاثوا في الأرض فساداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى