إذا كنت صحفي/مهتم … وكنت من دعاة ذهاب الجيش/الحكومة إلى سويسرا والانضمام إلى منبر جنيفا عليك أن تفهم بعض المسائل السياسية المتعلقة باستمرار الحرب … بقلم الأستاذ/ عثمان محمد على العطا
أولاً الحرب ليست اقتتال بين الجيش و المليشيات المتمردة، لكن القتال بين الجيش وبين الأجندة السياسية التي من ورائها يقف الدعم السريع و من أجل تحقيقها تم اغواءُه ومن ثم قامت الإمارات بتعزيز قدراته العسكرية بعد التغيير في أبريل (2019)م.
ثانياً المليشيا المتمردة ليست دولة، وليست عليها أحمال أخلاقية تجاه الشعب و لا قانونية تجاه المجتمع الدولي حتى تناور حول إمكانية القبول بالوساطة الأمريكية للذهاب الي جنيفا، الذي رسم مسار المليشيا وحدّد لها نقطة التقاء مع السلطة في موعد محدد الخامس عشر من أبريل (2023)م وضع نسبة الفشل أقل من (1%) هذا الذي يقف من خلف المليشيا هو من يحدد لها مسار الذهاب للمفاوضات من عدمه لذلك التمرد في قبول مستمر للمفاوضات.
ثالثاً من أبجديات بناء تحليل سياسي ناضج يبدأ بالذهاب إلى تجارب قديمة أو معاصرة خاصة تلك التي تكون بطلتها الولايات المتحدة الأمريكية، و أول مصدر لبناء تحليل سليم متعافي هو الاستفادة من التباين في وجهات النظر في الداخل الأمريكي حول التفاعل مع قضايا العالم الثالث، لأن الصراع الماثل حالياً هو صراع انتخابات بين الجمهورييين الطامعين في العودة للسلطة والديمقراطييين الحاكمين حالياً، هذا الصراع و تباين وجهات النظر حقيقي وليس مصنوع وهذا ما عبر عنه الدبلوماسي المخضرم (كاميرون هدسون) على شاشة الجزيرة هذه الليلة، قال إن الانتخابات المقبلة سبباً جوهرياً يدفع بالديموقراطيين للبحث عن إنجاز سياسي في العالم العربي (بالطبع يغطي خيبة سلام الشرق الأوسط)، و أضاف هدسون أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك ضمانات لنجاح المفاوضات في حال جلوس الأطراف في جنيفا وقال بالحرف الواحد إن الإدارة الأمريكية الحالية ليس لديها سحراً لتحقيق السلام.
رابعاً أسست الولايات المتحدة الأمريكية روايتها في مشوار تبني مفاوضات سويسرا على ركيزة و عامل ميكانيكي وهو (لا حل عسكري للحرب) بين الجيش السوداني ومليشيات ال دقلو المرتزقة كيف للولايات المتحدة الأمريكية الظن أن خيار الحل العسكري هو خيار عدمي؟ من أين لهم ذلك؟
خامسا ً للإجابة على السؤال في الفقرة السابقة حول (لا حل عسكري للقتال) هذا الافتراض مبنى على قاعدة أن الولايات المتحدة الأمريكية على علم بالقدرات العسكرية لمليشيات دقلو، وعلى علم بدور الإمارات، و على علم بمسار الامداد والتعويض البشري للدعم السريع، هذا الصمت حيال هذه المعرفة يضع الإدارة الأمريكية في خانة التآمر أو البحث عن مصلحة لها والنتيجة واحدة لذلك الإصرار على انه لا حل عسكري فيه تهديد للجيش باستمرار القتال لعام آخر كما أفاد هدسون قبل قليل.
سادساً الإعلان الاستباقي المتعجّل للوزير (أبو نمّو) لنتائج اللقاء مع المبعوث الأمريكي الخاص للسودان (توم) قصد منه إغلاق المجال الإعلامي أمام المبعوث توم حتى يضطر هو للرد لا أن يتقدم هو أولاً ويضع وفد الحكومة في خانة الدفاع والرد على اكاذيبه المتوقعة وهذا بالفعل الذي حدث.
سابعاً الذي يتحدث عن بقاء الفرصة قائمة لذهاب الجيش/الحكومة إلى سويسرا لا يفهم الأبعاد والمتغيرات في الواقع السياسي والعسكري في السودان، والحديث عن ترك الباب موارباً يجب أن يفهم في إطار مساعي مركزية القرار السوداني لكسب وقت ليس إلا، و نحن تفصلنا عن الانتخابات الأمريكية أقل من أربعة أشهر و إذا تغيرت الإدارة الأمريكية لمصلحة الجمهورييين -و هذا وارد بنسبة كبيرة جداً- فإن الرئيس الأمريكي الجديد يحتاج إلى فترة أقلاها ستة أشهر حتى يستطيع ترتيب بيته الداخلي ثم البحث عن مصالح خارجية كما أشار هدسون الليلة.
أخيراً بدلاً من إضاعة الوقت في تجاذبات لا تخدم قضية البلد علينا أن ندفع الرأي العام للضغط على السلطة السيادية حتى تقوم بتسمية رئيس وزراء لإدارة الحكومة التنفيذية، و نحن حالياً بين يدي تجربة ممتازة جداً سعدنا بها غاية في السعادة ونحن نتابع وزراء وقيادات سياسية تدير حالياً ملف مفاوضات منبر جدة و بدائل سويسرا بداية من السفير الحارث، والسيد وزير الخارجية المكلف، والسيد رئيس وفد الحكومة السودانية لمقابلة المبعوث الأمريكي في جدة السيد أبو نمو لقد كان أداءً كبيراً و وطنياً.
عشرة على عشرة 👌