وما أن أعلن السودان انه وافق على إعطاء روسيا نقطة على البحر الأحمر، وأنها ستمـدّه بكل احتياجاته من السلاح في إطار اتفاق عسكري واسع وسيتبعه اتفاق اقتصادي في مجال التعدين وتبادل المنافع بين البلدين، ما أن أعلن ذلك إلا بدأت (الجكلبة) الثلاثية؛ أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكل منهم يبكي على ليلاه. هذه الدول الغربية التي كانت تود الانفراد بالبحر الأحمر ومسؤولية أمنه والملاحة فيه دون منافس لحماية مصالحها في الدول العربية وحماية إسرائيل وتأمين تجارتها المارة عبر البحر الأحمر فإنها الآن ستجد منافس قوي. وفي الساحل الافريقي توجد في جيبوتي عدد من القواعد العسكرية أمريكية و فرنسية ويابانية وإيطاليه واخرى صينية، وتحصل جيبوتي على مبلغ أربعة مليار دولار سنويا من تأجير هذه القواعد ، أما تركيا فإن لها قاعدة في الصومال ، والإمارات اتخذت قواعد في أرض الصومال (بربرة) وكذلك أخرى في إريتريا، أما إسرائيل فكان لها في جزيرة “دهلك” بإريتريا قاعدة عسكرية كذلك. موسكو لم يكن لها قاعدة في السواحل المطلة على البحر الأحمر رغم طموحها الكبير لذلك وسعيها الدؤوب، حتى اتفقت مع الرئيس عمر البشير على إقامه قاعدة في السواحل السودانية ولكن ذهاب النظام لم يتح الفرصة لذلك فإستعاضت هذا العام بقاعدة في أفريقيا الوسطى. إن قيام قاعدة لروسيا في السواحل السودانية يعني الكثير لدول الشر هذه، فأمريكا ستجد عدوّها إلى جانبها وفي وضع اأضل منها ومنافس لها في مياه البحر الأحمر وحماية مصالحه ومصالح حلفاءه هناك. أما بريطانيا فستفقد الحق التاريخي الذي تزعُمُه في التدخل في الشأن السوداني، وسيكسر قلمها الذي تشطب به حق السودان في مجلس الأمن في كل عمل إيجابي لصالحه ولن تكون صاحبة كلمة في الشأن السوداني بعد ذلك. أما فرنسا فهي الخاسر الأكبر التي بدأت -أصلاً- تفقد نفوذها منذ العام المنصرم في أفريقيا على إثر تمدد النفوذ الروسي فحتى المتبقي لها في تشاد سيذهب إلى غير رجعة بعد أن نهبت ثروات دول القارة لأزمان طويلة. لهذا كانت هذه الهزة الكبيرة لهذه الدول الثلاثة، وعلى إثر ذلك جاء طلب وزير الخارجية الامريكي للرئيس برهان بالذهاب فوراً لمدينة جدة لمواصلة التفاوض والتوصل لإتفاق سياسي يضمن حضوراً لعملائهم في تقدم ومليشيا (الجنجويد)، والمشاركة في الحكم القادم حتى يضمنوا استمرار مصالحهم وسيطرتهم على السودان ومقدراته وإبعاد الخصم روسيا تماماً عن البحر الأحمر. لذا نرى وبسرعة أن يتم تنفيذ القاعدة العسكرية التي تم الإتفاق عليها مع روسيا لضمان المساعدات العسكرية وحسم التمرد. إن المحور الشرقي: روسيا الصين إيران قطرهو الوجهة التي يجب أن يولّي السودان وجهُـه تجاهها، فقد أذاقنا المحور الغربي (المراير)؛ فمنذ الاستقلال وحتى الآن هو السبب المباشر في كل الأزمات التي مر بها السودان منذ حرب الجنوب وانفصاله بعد ذلك حتى حرب دارفور والحصار والعقوبات والان دعم تمرد الدعم السريع. لذا لابد من التأسيس لمرحلة جديدة تشرّق بنا شرقاً وتُـنهي الصلف الأمريكي والعنجهية البريطانية والانتهازية الفرنسية.