السودان ما بين استبدال القوى السياسية أو استبدال الأمة السودانية .. بقلم/ اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
▪️لا شك أن التشكل الأول للقوى السياسية السودانية في القرن العشرين كان بدوافع و روافع أجنبية و غير وطنية .. بدءاً من اليهودي الفرنسي عميل (KGP) الروسية (هنري كوريل) مؤسس الشيوعية في مصر (حمتو) و السودان (حستو)، و مروراً بطائفتي الختمية (مصر) و الأنصار (بريطانيا) و جمعية اللواء الأبيض (مصر) و ليس انتهاءاً بمؤتمر الخريجين صنيعة الاستعمار البريطاني في الهند و السودان و ما نتج عنه من أحزاب، و على ذات الدرب سارت القوى السياسية الإسلامية في بلادنا و التي استلهمت فكرها و تنظيمها من مصر (الإخوان المسلمين) أو من السعودية (أنصار السنة و السلفيين) … و إن أبرز مثالٍ على الفوضى السياسية في السودان هو أن عدد الأحزاب السودانية ظل دائماً مثاراً للجدل و وجهات النظر، فقانون تنظيم الأحزاب السياسية صدر لأول مرة في السودان بعد ثورة أكتوبر عام (١٩٦٤م)، و ما انفكت الحياة السياسية تعاني فوضى العمل السياسي لوجود غالبية التنظيمات السياسية تمارس العمل السياسي خارج إطار القانون، ومن أبرزها القوى التي ظلت تتخذ من العمل العسكري وسيلةً لتحقيق أهدافها السياسية، و قد تعددت في بلادنا مُسميات و أدوار و أطوار الكيانات السياسية في السودان ما بين أحزاب، و تيارات ، وحركات ، وجبهات ، ومؤتمرات ، ولجان ، ومنظمات ، ومبادرات ، وروابط ، وقوى ، وتجمعات ، وجمعيات ، …الخ ، وبنظرةٍ عجلى على سبيل المثال لمكونات تحالف قحت المكون من (٦٤) اسماً بلا مُسمَّى ، والذين حكموا السودان سنتين … سيتضح حجم الفوضى العمل السياسي التي بدأت بالعمالة و كان لابد لها أن تنتهي بدمار البلاد.
▪️كان قانون الأحزاب السوداني الصادر عام (٢٠٠٧م) و المعدل عام (٢٠٢٠م) هو آخر ما صدر لتنظيم النشاط السياسي في البلاد، و بمراجعة مسيرة الحياة السياسية في السودان و ما آلت إليه، وبالنظر إلى أن البلاد اليوم حرفياً قد عادت إلى ما قبل غزو محمد علي باشا للسودان .. فإنه لا مناص من التفكير في إعادة تأسيس الحياة السياسية في السودان بعد الحرب على أسس وطنيةٍ بحتة من حيث الفكر و التنظيم و الممارسة، و أن تستند في كل ذلك على دستورٍ سودانيٍّ مُتراضىً عليه شرعياً و شعبياً، و أن ترتكز على قانونٍ يجنبها فوضى التكاثر الأميبي الذي سمح بفسيفسائيةٍ سياسيةٍ مؤذيةٍ عصفت بالبلاد و أهلها، ويجب إلى جانب القانون أن تُضبط بالوعي العام الذي يُبعد شبح المزالق العرقية و القبلية و المناطقية و العائلية في العمل السياسي.
▪️إن التجربة الإنسانية في عمومها لم تخرج في نشاطها السياسي عن ميولٍ ثلاثة تترجمها في حزبٍ يتخذ أقصى اليسار و آخر في أقصى اليمين و بينهما بضعة أحزابٍ قليلةٍ تمثل الوسط، و ذلك وفق الإطار الدستوري الذي يمثل أعلى معايير القيم الوطنية للشعب، و يلعب قانون الأحزاب دوراً رئيسياً في ضبط النشاط السياسي على هذه الأسس لتكون هذه القوى السياسية خادمةً لإرادة الشعب، لا أن تتحول إلى أدوات ابتزازٍ للشعب تحقيقاً لطموحاتٍ انتهازية أو مدخلاً لنفوذ قوىً أجنبية، فالهدف من تشريع قانون للأحزاب السياسية يجب أن يضمن:
١. تنظيم الحياة السياسية.
٢. ضمان التعددية السياسية.
٣. منع التجاوزات.
٤. تعزيز الشفافية و المساءلة.
٥. حماية الحقوق و الحريات.
٦. تحقيق الاستقرار السياسي.
٧. تأمين الأحزاب من الاختراق الأجنبي.
٨. منع توظيف الأحزاب لخدمة الأهداف الخاصة باستخدام النفوذ المالي أو العرقي أو غيرها.
٩. ضمان جدية الأحزاب السياسية.
١٠. ضمان توافق الأحزاب مع الدستور.
١١. منع ظهور أحزاب عنصرية أو جهوية أو مناطقية.
١٢. منع ظهور أحزاب متطرفة دينياً أو علمانياً.
١٣. منع الفسيفساء الحزبية.
١٤. ضمان وطنية الأحزاب.
▪️يبلغ إجمالي عدد السكان حوالي (٥٠.٧) مليون نسمة وفقاً لتقديرات السكان في السودان للعام (٢٠٢٤م) ، و نسبة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن (١٨) عاماً تُمثِّل حوالي (٥٣%) من إجمالي السكان، و بناءً على هذه النسبة فيمكن تقدير أن عدد الناخبين في السودان يقارب (٢٧) مليون نسمة، و عليه فإن شروط تسجيل الأحزاب السياسية الاتحادية في السودان يجب أن تراعي هذه الأرقام من حيث:-
١. اشتراط أن تتضمن عضوية الحزب (٢%) على الأقل من الناخبين بما يعادل (٥٣٨.٠٠٠) عضواً.
٢. أن تكون عضوية الحزب موزعة على عشرة ولايات على الأقل عند التسجيل ، بما تشمل كل أقاليم السودان شرقاً وغرباً و وسطاً و شمالاً و جنوباً من جملة (١٨) ولاية.
٣. ألا يقل عدد الأعضاء في كل ولاية عن (٤٠.٠٠٠) عضواً.
و بذلك لا يتم تسجيل إلا الأحزاب ذات الثِّقل و الانتشار الحقيقي، و التي هي فعلاً تمثل شرائح الشعب على المستوى القوم ، و لا يمنع ذلك من إمكانية أن يسمح الدستور بإنشاء أحزابٍ سياسيةٍ على المستوى الولائي بما يتوافق ولائياً مع ما ورد بعاليه ، فيكون لها حق ممارسة نشاطها السياسي ولائياً دون المستوى الاتحادي.
▪️إن قانون الأحزاب السياسية ضرورةٌ قصوى لضمان أن يجري النشاط السياسي بشكلٍ مُنظَّمٍ وطنيٍّ وقانوني ، ويجب الانتباه لعدم الخلط ما بين حرية ممارسة العمل السياسي بشكلٍ قانوني ، وما بين حرية الرأي والتعبير التي تمكّن الأفراد من المشاركة في هذا النشاط عبر التعبير عن آرائهم والمساهمة في صنع القرار بشكلٍ قانونيٍّ كذلك ، والقانون هو الذي يفصل ما بين سوء الفهم في التفريق ما بين حرية الفرد التي تنتهي عندما تبدء حرية الآخر ، وما بين الفوضى التي هي عربدةٌ لا تُفضي إلى خيرٍ مُطلقاً.
▪️لضمان نزاهة ووطنية الأحزاب ، ولتجنب عمليات استحواذ النفوذ من قبل الأشخاص والعائلات وغيرها .. يجب أن يتضمن قانون الأحزاب :-
١. ضمان تمويل الأحزاب وطنياً.
٢. تقديم تقارير مالية دورية عن التبرعات و النفقات.
٣. تقديم دستور و هيكل إداري و تنظيمي مُنتَخب للحزب بعد اجازتهما ديمقراطياً بحضور مسجل الأحزاب.
٤. تحديد مسئول مالي مؤهل للحزب.
٥. يجب أن يكون للحزب برنامج سياسي واضح يتوافق مع الدستور.
٦. أن تكون رئاسة الحزب لدورتين انتخابيتين متتاليتين فقط كحد أقصى.
٧. أن يُسمح للاحزاب بتأسيس الشركات في مجالات يُحدِّدها القانون كالإعلام و الطباعة و الخدمات و الاستثمارات البنكية، و يجب أن تكون خاضعة لقواعد الشفافية و الرقابة القانونية، و أن يكون نشاطها داخل السودان فقط و يُمنع انخراطها في أي ارتباطات خارج السودان.
٨. أن يتم تحديد سقف أعلى للتبرعات.
⚫إن الولاء الأعمى لكيانٍ سياسي أو انتماءٍ حِزبيٍّ أو فِكريٍّ يمنع الحاجة لدى الإنسان للتفكير، و هذا لا يعني انعدام الوعي فقط، بل إنه يقضي تماماً على إنسانية الإنسان نفسه، و الإنسان السَّويُّ لا ينبغي له المساومة في الانحياز لانتماءٍ ما يتناقض مع ضميره الإنساني و الوطني، ولقد كثر القول بأن الشعوب التي تسمح للفاسدين و الانتهازيين و المُستبدِّين بأن يكونوا نُخباً تتسيَّد المشهد السياسي لا يمكن اعتبارهم ضحايا بحال، بل هي شعوبٌ شريكةٌ في الجريمة دون شكٍّ حين سمحت باستخفافها فأطاعت فاستحقت أن تكون شعوباً فاسقة.