البحوث والدراسات
أخر الأخبار

القومية التركية والدور العالمي لتركيا … بقلم اللواء (م) مازن محمد إسماعيل

🇹🇷في ٣٩٥م تحولت الامبراطورية الرومانية (نسبة الى روما) إلى أن أصبحت تعرف بالإمبراطورية البيزنطية (نسبة الى بيزنطا استانبول حالياً) ، وتحولت من الوثنية إلى المسيحية ، غير أنها بقيت امبراطوريةً قوميةً محكومةً بذات سلالات الامبراطورية الرومانية ، ولم يكن تبني المسيحية وتغيير عاصمة الدولة إلا روافع سياسية لانبعاث الإمبراطورية بروحٍ فَتِيَّة ، وبقيت الإمبراطورية البيزنطية على ذلك حتى ١٤٥٣م حين سقطت على يد العثمانيين الأتراك المسلمين فامتد سلطانهم إلى كل البلاد الإسلامية ، وتوسعوا حتى فينا وسط أوربا.

🇹🇷مهما قيل عن الخلافة العثمانية من حسنات غير أن أكبر عوامل ضعفها كانت تتمثل في غَلَبة القومية التركية فيها على كلما عداها بما في ذلك الوحدة الإسلامية التي جرى استخدامها لتعزيز الإمبراطورية أكثر من أي شئٍ آخر ، وكل مساوئ ذلك العصر لمكونات الخلافة من غير الأتراك بما في ذلك الاستبداد والظلم والضرائب باهظة وعدم الاهتمام بالصحة والتعليم والتنمية في أصقاع الخلافة الإمبراطورية ، والتي أدت إلى تفككها وسقوطها مؤخراً كانت نابعةً من الروح القومية العرقية التركية على ما سواها بما في ذلك استعلائها على الإسلام نفسه.

🇹🇷حزب العدالة والمساواة التركي بكل مساعيه الكبيرة لعقودٍ من الزمان بما له من جذور سابقة في حزب الرفاه .. لم يستطع أن يُغير كثيراً في توجهاته أو توجهات تركيا التي حكمها منفرداً لأكثر من عقدين ، وهي ذات بواعث الأزمة التركية نفسها مع الأقليات داخل تركيا كالأكراد على سبيل المثال.

🇹🇷حاول أردوغان أن يمتطي جوادين في ذات الوقت -وبعض الفرسان يستطيعون ذلك بشرط أن يكون الجوادان كتجاوران ويسيران في اتجاهٍ واحد- ولكن جوادي أردوغان كان أحدهما هو الناتو والاتحاد الأوربي ، والآخر هو المجد العثماني الممتد عميقاً في العالم الإسلامي ، وكلا الجوادين يسير في اتجاهٍ معاكسٍ تماماً للآخر ، وبينهما ما صنع الحداد ، فلا عجب أنه لم يُدرِك عضوية الاتحاد الأوربي الذي يأخذ على القومية التركية أكثر مما يأخذه عليها المسلمون من غير الأتراك ، ولم ينَلْ ما يرجوه من دول وشعوب العالم الإسلامي إذ لم يتخلص من عقدة القومية التركية المتجذرة عميقاً في كلما هو تركي.

🇹🇷أعتقد أن أردوغان الذي اختزل الحزب وفكرته في شخصه قد استطاع تحقيق تقدُّمٍ لا ينكره أحد على صعيد النهوض الاقتصادي والجيوسياسي لتركيا ، واستطاع تخليد أسطورته في التاريخ المعاصر لتركيا ، ولا شك أنه أوجد إصلاحاتٍ كبيرةٍ يمكن احتسابها إيجاباً لدعم أسس الحكم الرشيد في تركيا ، ولكنه بالمقابل فشل في المحافظة على وحدة حزبه وتوجهاته مقابل المساومات التي أبقته طويلاً في سدة الحكم ، ولسوف يدفع حزبه وأنصاره ثمن كل هذه البراغماتية والإخفاقات من بعده ، ولسوف يخسر العالم الإسلامي الزعامة التركية التي كانت ممكنة ، أو الدور التركي الهام على أقل تقدير .. بسبب التماهي الأردوغاني مع النزعة القومية التركية وتوظيفها أحياناً ، وعدم الاستثمار جدياً وعملياً في انفتاح تركيا على عالمها الإسلامي.

🇹🇷قد يرى البعض بأن الظروف الدولية لم تكن مناسبة ، والتحديات الداخلية لتركيا كانت أكبر مما نظن ، وأنما فعله أردوغان هو أفضل ما كان بالإمكان ، ولكننا نقول بأنه كمحصلة نهائية قد كرَّس لمفاهيم التشبث بالسلطة على حساب المنهج والفكرة ، وحرم العالم الإسلامي من أي فرصة للاستفادة من الريادة التركية ، وفاقم من المشاعر السلبية العربية والإسلامية والتي لها جذور تاريخية تجاه النزعة القومية التركية.

🇹🇷أعتقد أن تركيا ستشهد رِدَّةً قوميةً تجُبُّ كثيراً من الإصلاحات الأردوغانية ، وأن على الأتراك معرفة أن فرط الشعور القومي سيبقى دائماً كابحاً لهم عن الاندماج في العالم الأوربي المتلاشي مجده ، وسيمنعهم عن تبوء مكانهم الريادي في العالم الإسلامي الذي أوشك أن يسطع نجمه ، وهذه هي المعضلة التي ينبغي على الإسلاميين الأتراك مواجهتها فكرياً ومنهجياً قبل تفكيرهم في استعادة السلطة التي سيفقدونها قريباً .. فهذه سُنَّة الله ، وطبيعة الحُكم ، ومُقْتَضى البيولوجيا ، وما كسبت يداهم ، ولا يظلم ربك أحداً.
٢٥ سبتمبر ٢٠٢٤م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى