تقرير احصائي تحليلي: معارك الخرطوم .. سبعون يوماً من نزيف الدم واستعصاب الحسم

═════❁✿❁═══
معارك الخرطوم… سبعون يوماً من نزيف الدم و استسصاب الحسم
تقرير إحصائي تحليلي للفترة من (15 مايو ) إلى (23 يونيو) 2023

═════❁✿❁═════
✍🏻 رصد: شبكة رصد مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية و دراسات الرأي العام
محمد حامد الفكي – د.نوار الازرق – د. محمد حسن فضل الله – د. أيمن عبد الكريم – د. وفاء سعد – أ.تيسير الطويل– أ. فرح البدرى
___________________________
مدخل
1. حينما أفاق سكان الخرطوم صباح (15) من إبريل على دويّ القذائف و أزيز الرصاص لم يدُر بخلدهم أن هذه بوادر لمعركة قد تستمر طويلاً، فقد دلت التجارب فى التاريخ القريب أن الخرطوم ربما تتعرض لأزمات عابرة يُسمع فيها صوت الرصاص، و يسقط فيها بعض الضحايا و لكنها سرعان ما تستعيد عافيتها من جديد، و أن أعراض الحمّي و السهر و الصداع لا تلبث أن تنحسر عقب ثلاثة أيام أو بالكاد أربعة ليال مثلما حدث فى التاريخ الحديث عند مصرع جون قرن فى 30يوليو 2005 أو عند دخول قوات العدل والمساواة في معركة الذراع الطويل إلى أمدرمان فى( 10 مايو 2008م)، أو حتى فى التاريخ القديم فلم تلبث معركة كرري التى أنهت وجود الدولة المهدية فى (4 سبتمبر 1898) سوى أيام ثلاثة و عاد الهدوء و الأمان ليعمّا سماء الخرطوم من جديد.

2. و لكن هذه المرة بخلاف كل المرات السابقة، استمر صوت الرصاص و ازدادت حدة المعارك و مرت الأيام الثلاثة لتكمل دورة الأسبوع و الذي مالبث أن صار أسابيعاً أربعة ليكتمل بعقد الأيام شهراً بالتمام و الكمال، ثم شهر كامل تلاه شهر آخر و ها هو يوم ……. يُطل و المعارك مستمرة و الدماء تنزف ليعلن استمرار القتال لشهرين لسبعين يوماً فى أطول حرب تعرفها الخرطوم فى تاريخها الحديث و القديم.
3. مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية و الإعلامية و دراسات الرأي العام يقدم هذه المرة تقريراً تحليلياً رصدياً لمجريات الأحداث فى غضون الشهر الثاني من الحرب للفترة اعتماداً على المعلومات الميدانية التي توفرها شبكات الرصد التابعة للمركز فى مختلف أرجاء السودان و عدد من دول الجوار، بحرص كبير على أن يصدر التقرير دقيقاً فى معلوماته، متوازناً فى طرحه، و محايداً فى نظرته، و موضوعياً فى تناوله رغم الصعوبات البالغة و المتمثلة فى غياب المعلومات الرسمية و انتفاء الإحصاءات الدقيقة و إنحياز كثير الوسائط الاعلامية، و توقف عمل المراكز الإخبارية و الإعلامية و الإثارة غير الحقيقية التي تعتمدها العديد من القنوات الفضائية.

أستمرار المعارك و القدرات العسكرية:
1. بعد مرور سبعين يوماً من المعارك فقدت قوات الدعم السريع ما يقارب ال(73%) من قدراتها القتالية، معظم معسكراتها فى الولايات طالتها يد القوات المسلحة عدا بعض المعسكرات بولاية الخرطوم و على رأسها معسكرات (طيبة) و (الصالحة) ،و تحولت قواتها إلى مجموعات متباعدة تعتمد على قيادة قيادات ميدانية تناصر بعضها اعتماداً على فكرة النفيرعند شن أو صد أي هجوم محتمل من أوعلى القوات المسلحة.

2. الاستهداف للمعسكرات جعلها تجد في الأحياء ملاذاً آمناً لعرباتها القتالية و أفرادها الذين فضلوا ارتداء الأزياء المدنية و التحرك بشكل اساسي بعربات المواطنين و الدراجات النارية.

3. تقدّر احصاءات غير رسمية أن حوالى (4500) من جملة (6000) عربة مقاتلة تم تدميرها أو الاستيلاء عليها أو تحييدها أو خرجت لأسباب أخرى خارج ميدان المعركة.

4. تفيد معلومات الرصد التجميعي و التقارير التراكمية إلى أن العدد الموجود داخل ولاية الخرطوم من العناصر المقاتلة لقوات الدعم السريع انخفض عددهم بشكل ملحوظ بسبب الموت أو الاصابة او الفرار من ميدان المعركة إلى ما بين (10) ألف إلى (12) ألف مقاتل من جملة ما يقارب ال(120) ألف مقاتلاً تم حشدهم عند بداية المعركة.

5. رشحت خلال الشهر الماضي معلومات متواترة عن خلافات عديدة تسود جنود قوات الدعم السريع من أشهرها الخلاف بين (المسيرية) و (الرزيقات) و الذى أدى الى مواجهات مسلحة فى مناطق شرق النيل و (أمبدة) و (ود البشير)، و انسحاب ما يقارب ال (4000) مقاتل إلى مراكزهم القبلية بولاية غرب كردفان. جدير بالذكر أن التكوين العشائري لقوات الدعم السريع يساعد على استبداد الدائرة المقربة من القيادة من أبناء (الرزيقات) و (الماهرية) و عشيرة (أولاد منصور).

6. معلومات الرصد الميداني تؤكد الانسحابات اليومية لجنود من الدعم السريع عبر طريق الصادرات الى مناطق شمال كردفان، و منه الى ولايات دافور و تحديداً ولاية شرق دارفور و مدينة (الضعين) بعربات دفع رباعي حديثة محملة بالمنهوبات و المسروقات التى تم الحصول عليها من منازل المواطنين.

7. بشأن التسليح لا تزال قوات الدعم السريع تتمتع بقوة تسليحية عالية، و خلال الشهرالاخير تعززت قدراتها التسليحية بحصولها على طائرات مسيرة ، و مدافع هاون (120)، و صواريخ أرض-جو مضادة للطيران بدعم من دولة الامارات العربية المتحدة و شركة (فاغنر) الروسية تمكنّت بها من اعتراض التفوق الجوي للقوات المسلحة و إسقاط طائرتين مقاتلتين.

8. موقف الإمداد بالوقود و الغذاءات لا زال منتظماً وسط قوات الدعم السريع بعد تمكنها من الحصول على إمدادات غذائية من المصانع التى تم نهبها و الاستيلاء عليها فى مناطق بحري و أمدرمان، كما أن جنودها فى الأحياء ينفقون المال بسخاء للحصول على احتياجاتهم الغذائية من الأسواق و المحلات التجارية بالأحياء.

9. فقدت قوات الدعم السريع الرعاية الطبية لقواتها و أصبحت تعتمد على تشغيل العديد من المستشفيات الحكومية و المراكز الصحية و يشكل هذا الجانب أبرز نقاط ضعف قوات الدعم السريع خلال الشهر.

10. رغم الاعتقاد باختفاء القيادات الميدانية و ما يُثار عن مصير قائد الدعم السريع إلا أن الشاهد أن القوات رغم انتشارها في أرجاء واسعة من الولاية إلا انها ظلت تحتفظ بمقدار معقول من الترابط، تدعمها في ذلك شبكة اتصالات متطورة لم يتسنّ التشويش أو السيطرة عليها.

11. تراجعت إلى حد كبير القدرات الاستخبارية لقوات الدعم السريع بعد التباعد الذى تم بينها و بين عناصر من لجان المقاومة بالأحياء كانت تمثل لها مصادر للمعلومات و إرشاد إلى منازل ضباط القوات المسلحة، و توقفت إلى حد كبير حالات اختطاف المعاشيين من ضباط القوات النظامية إثر الإدانات الواسعة لما تم القيام له حيال اللواء المتقاعد طبيب (مجدى وصفي).

12. إلى حد كبير فقدت قوات الدعم السريع الإمدادات البشرية من الولايات بعد استهداف العديد من المتحركات بواسطة سلاح الطيران الحكومي.

13. انكسرت المقدرة الهجومية الضاربة لقوات الدعم السريع خلال الشهر الماضي إثر فشل حملاتها الهجومية الموجهة تجاه سلاح المدرعات و الإشارة و المهندسين و تحولت إلى حالة الدفاع في الغالب عن معسكراتها و قواتها المتبقية.

14. العقيدة القتالية لقوات الدعم السريع شهدت إنحرافا كبيراً عن مواقفها عند بداية إندلاع المعارك، إذ تحولت من إعادة الديمقراطية و حماية التحوُّل المدني إلى أعمال سلب و نهب و الحصول على أكبر قدر من الغنائم تمهيداً إلى العودة إلى الديار.

15. القوات المسلحة حافظت خلال الشهر الماضي بشكل كبير على قدراتها القتالية و عزّزت مواقفها على الأرض بدخول إمدادات بشرية من عدد من الولايات.

16. ارتفاع القدرات الإستخبارية للقوات المسلحة مكّنها من استخدام سلاح المدفعية و الأسلحة الموجهة بشكل دقيق تجاه تجمعات و ارتكازات قوات الدعم السريع و انتقلت القوات المسلحة إلى مرحلة العمليات النوعية التى أصبحت تلازم أخبارها اليومية بشكل دائم.

17. تراجعت استخدامات سلاح الطيران بعد التحوّل الجديد لقوات الدعم السريع فى الاحتماء بالمواطنين و المساكن و بعد حصولها على مضادات طيران موجهة مما أضعف الميزة النسبية لتفوق القوات المسلحة خلال الشهر الماضي.

18. احتفظت القوات المسلحة بمعسكراتها الاستراتيجية في منطقة القيادة العامة، و قيادة المدرعات، و قيادة سلاح المهندسين و قيادة سلاح الاشارة و تمكنت خلال الشهر الماضي من إعادة السيطرة على قاعدة جبل أولياء الجوية فيما فقدت السيطرة على مواقع الكتيبة الاستراتيجية بشارع الغابة و مؤخراً مصنع اليرموك للصناعات الدفاعية بمنطقة الشجرة.

سبعون يوما من المعارك…الواقع على الأرض:

1. الواقع على الارض في الولايات لم يتغير كثيراً خلال الشهر الماضي عدا ولايتي غرب دارفور و شمال كردفان إذ سجلت كل الولايات هدوءاً فى الأحوال و خُلُوّاً من العمليات العسكرية.

2. ولاية شمال كردفان تحاول قوات الدعم السريع محاصرة مدينة الابيض من أكثر من اتجاه و حاولت الهجوم عليها عدة مرات تم صد الهجوم و استخدام سلاح الطيران لفك الحصار المضروب عليها بواسطة قوات الدعم السريع بواسطة عصابات النهب المسلح مما فاقم من الأوضاع الانسانية و انعدام الخدمات.

3. بشمال كردفان تعرضت مدينة الرهد عدة مرات للعدوان و اجتياح من قبل قوات الدعم السريع أدى الى سقوط قتلى و جرحى.

4. امتدت قوات الدعم السريع جنوباً لمهاجمة مدينة (الدبيبات) و نهب مراكز الشرطة و المرافق الحكومية.

5. شهدت مدينة (كتم) نهباً واسعاً و اجتياحاً من قبل قوات الدعم السريع أسفرت عن أوضاع إنسانية بالغة السوء.

6. تمكّنت قوات الدعم السريع من اجتياح منطقة (أم دافوق)، و إجلاء الحامية العسكرية عنها على الشريط الحدودي مع إفريقيا الوسطى، بالإضافة الى حامية (عد الفرسان) مما يفتح لها خطوط إمداد جديدة تزامناً مع المعارك المحتدمة بين المعارضة و الحكومة فى إفريقيا الوسطى.

7. قوات الدعم السريع إثر هجومها على مدينة الجنينة خلال الشهر تسببت فى حملة إبادة شاملة للجنس البشري من قبيلة (المساليت)، و مصرع أكثر من (3) ألف مواطن، و أكثر من (7000) من الجرحى و التهجير القسري للسكان و المواطنين في كارثة إنسانية لم تشهدها المدينة من قبل.

8. اعتمدت قوات الدعم السريع بنهاية الشهر الثاني من القتال سياسة شد الأطراف من خلال إعادة الهجوم عى بعض المدن بشمال دارفور و ما تزال مدينة الفاشر تشهد محاولات نشطة للسيطرة عليها.

9. برزت الى المشهد الحركة الشعبية جناح الشمال بقيادة (عبد العزيز الحلو) في مسعى منها لزيادة شد الأطراف، إذ قامت بتاريخ (21) يونيو بمهاجمة مدينة (الدلنج) فى محاولة لصرف انظار القوات المسلخة فى الخرطوم و انتهاز حالة الانشغال التى تمر بها.

10. بولاية الخرطوم لا زال الوضع على الأرض متنازعاً؛ فالقوات المسلحة تُحكِم سيطرتها في مناطق المدرعات و جنوباً حتى قاعدة (جبل أولياء) و أمدرمان في جسور النيل الأبيض و جسر (الفتيحاب)، و شمالاً كامل منطقة وادي سيدنا العسكرية و جسر (الحلفايا)، و تحتفظ بمناطق السلاح الطبي و امتدادها، و فى بحري في مناطق سلاح الإشارة و جسر  النيل الأزرق، و بمنطقة القيادة العامة التي تمكّنت القوات المسلحة من تطهيرها و هزيمة قوات الدعم السريع من حولها، و لايزال مطار الخرطوم مسرحاً للعمليات في حين تظل طرق (عبيد ختم) و (الستين) مسرحاً لسيطرة متبادلة بين الطرفين.

11. من المسلم به تكتيك انتشار قوات الدعم السريع في مساحات ممتدة على الارض من أبرزها (منطقة شمال بحري حتى مناطق قري و أجزاء واسعة من شرق النيل، و أحياء النصر و الهدى – و مناطق الحاج يوسف و الفيحاء، و مناطق غرب أمدرمان فى أحياء المهندسين و المنصورة و لفة سراج جنوباً إلى مناطق الصالحة، و غرباً في مناطق العرضة و جسر ود البشير)، و تسيطر قوات الدعم السريع أيضاً على مدخل الخرطوم من جهة الشمال في شارع (التحدي)، و جنوباً في منطقة جسر (سوبا) و جسر (المنشية) و جسر (شمبات) بالاتجاهين، و تحكم وجودها فى مصفاة الجيلي و الإذاعة  و التلفزيون و القصر الجمهوري و عدد من المؤسسات الحكومية الواقعه جغرافياً على امتداد شارع النيل و الجمهورية و البلدية وسط الخرطوم.

12. الواقع على الارض خلال الشهر الأخير انحسرت فيه المواجهات بشكل كبير عقب فشل هجوم قوات الدعم السريع على مناطق القوات المسلحة المهمة، و كانت أكبر المعارك حول قاعدة (جبل أولياء) الجوية التي انتهت بسيطرة القوات المسلحة و مناطق اليرموك للصناعات الدفاعية و التى انتهت فى المقابل بسيطرة قوات الدعم السريع.

13. تكتيك قوات الدعم السريع القتالي خلال الشهر اعتمد على التمويه من خلال لبس الازياء المدنية، و قيادة سيارات المواطنين التى تم الاستيلاء عليها، و احتلال المنازل و البقاء و نشر القناصة على سطوح العمارات، و التجول بحرية وسط الأحياء، وتحت الأشجار، و بالقرب من (ستات) الشاى و الاختلاط بالمواطنين مما يجعل من أمر استهدافهم تكلفة باهظة الثمن.

14. قوات الدعم السريع تميل كذلك الى الاحتماء بالاعيان المدنية من المستشفيات و المراكز الصحية و المدارس، و الجامعات و الأندية، و قد أفادت معلومات الرصد في تقارير سابقة أن أكثر من (24) مستشفى كبير يوجد بها تموضع دائم لقوات الدعم السريع، و وجود متنقل في (21) مؤسسة أخرى، و وجود بشكل دائم فى أكثر من (53) مدرسة فى مناطق (الصالحة) و (العرضة) و (أمبدة) و شرق النيل. و أفادت شبكات كليات الطب السودانية باقتحام قوات الدعم السريع لأكثر من (11) كلية للطب بالخرطوم. أما الجامعات فقد رُصد وجود مباشر فى جامعة (أمدرمان الإسلامية)، و جامعة الخرطوم، و جامعة السودان، و جامعة النيلين و العديد من كليات و مؤسسات التعليم الأهلي و الخاص بأكثر من (35) مؤسسة طلباً للحماية و اتخاذها معسكرات و أماكن لعلاج الجرحى.

15. بشكل عام نستطيع الاشارة إلى أن ثمة تغيرات خلال الشهر في مسيرة الحرب؛ فالقوات المسلحة انتقلت إلى مراحل العمليات النوعية و الأسلحة الذكية و المسيرات القتالية و المدفعية الموجهة، و التركيز على معركة الخرطوم و ترك أمر الولايات للتقدير الميدانى لقادة الفرق و الوحدات، في حين انتقلت تكتيكات قوات الدعم السريع إلى التمويه و استخدام الدراجات النارية و عربات المواطنين، و نشر القناصة،و إدخال سلاح المسيرات و الصواريخ أرض-جو و الاحتماء بالأعيان المدنية.

16. من الصعب تماماً تحديد مدى درجة السيطرة على مدينة الخرطوم بشكل كامل أو جزئي، فادعاءات الدعم السريع تعمل على تأكيد ذلك من خلال حركتها المتنقلة و انتشارها فى الأحياء و إقامة الارتكازات في الطرق لتأكيد سيطرتها، في حين تقوم القوات المسلحة بنفي هذه المزاعم من خلال القيام بحملات تمشيط مستمرة تعمل فيها على إجلاء هذه القوات من أماكنها. بيد أن القوات المسلحة لا تعتمد مبدأ الاحتفاظ بالمواقع التى تم تمشيطها لتعود إليها قوات الدعم السريع من جديد .و لعل التعبير الأصدق أن بعض المناطق المتنازع عليها تنعقد السيطرة عليها نهاراً للقوات المسلحة و يدخل الليل فإذا هى تحت وطأة حركة قوات الدعم السريع.

17. عودة إلى موضوع السيطرة الكاملة على ولاية الخرطوم، ينزع مركز الخبراء العرب إلى القول ان القوات المسلحة تحافظ بشكل دائم على التفوق الجوى و سماء الخرطوم، في حين يظل انتشار قوات الدعم السريع هو الأوسع على الأرض و دونما إغفال أن الانتشار قد لا يعني السيطرة الفعلية و الكاملة، و سيظل الأمر بدون تأكيد فى ظل عدم وجود جهات محايدة أو عدم وجود مسارات متفق عليها.

تأثير القتال على الأعيان المدنية خلال الشهر الأخير
1. يظل الوضع الصحي هو الاكثر تأثراً بالقتال خلال الشهر الماضي؛ فقد انخفضت المستشفيات العاملة الان بولاية الخرطوم بالقطاعين العام و الخاص إلى 58% مقارنة ب 63% للشهر الماضي، و من 85 مستشفى إلى 79 من أصل 134 مستشفى بالقطاع العام و الخاص، و انخفضت السعة السريرية المتوفرة حاليا للمرضى بمستشفيات ولاية الخرطوم العاملة في القطاعين العام و الخاص بنسبة 8% عن الشهر الماضي لتستقر عند نسبة 45.3%، و أصبحت لا تتجاوز ال1300 سريراً من أصل 2860 سريراً فيما قبل الحرب. مراكز الكلى العاملة الآن 18مركز حكومي من أصل 34 بانخفاض 7% عن الشهر الماضي مع توقف كل مراكز غسيل الكلى التابعه لقطاع الخاص. أما المراكز الصحية المرجعية العاملة الآن فعددها خلال الشهر 54مركز بانخفاض 9% عن الشهر الماضي من مجمل 81 مركز صحي مرجعي تتوزع على المحليات السبع و مراكز طب الاسرة التى تعمل منها 47 مركز بنسبة 46.5% من مجمل 101 مركز تعمل في مجال طب الأسرة ومراجعة الحوامل و تحصين الأطفال.

2. منذ بدء الحرب قامت قوات الدعم السريع بالتعدي على اكثر من 24 مستشفى عام و خاص، و من أهم المستشفيات التى تم احتلالها ( مستشفى الخرطوم- مستشفى التجاني الماحي – مستشفى الذرة – مستشفى الانف والاذن والحنجرة – مستشفى الشعب – مستشفى الدايات – مستشفى الساحة – مستشفى شرق النيل ). وطال التعدى مستشفيات عديدة على رأسها: (مستشفى امدرمان مستشفى بحري – مستشفى البراحة – مستشفى الاطباء – دار العلاج – مستشفى يستبشرون – مستشفى الوالدين – مستشفى احمد قاسم – مستشفى ألبان جديد). في حين تعرضت العديد من المستشفيات للتوقف بسبب عدم توفر الأمن و الكهرباء و عدم توفر الوقود، و من ضمنها(المستشفى الدولى – مستشفى الراهبات – المستشفى الكويتي – مجمع مكة لطب العيون المستشفى التخصصي – مستشفيات شارع الحوادث).

3. يقف الجانب التعليمي غير بعيد عن الواقع الطبي، إذ أن الحرب تسببت في ايقاف إجراء إمتحانات الشهادة الثانوية لأول مرة في تاريخها منذ انطلاقتها فى العام 1838، و أصبح مصير نحو 560 ألف طالب وطالبه مهدد بالضياع ، في حين تعطلت الدراسة فى المدارس والجامعات بكاملها فى كل ولاية الخرطوم وتعرضت وزارة التعليم العالى للحريق و طال النهب كل وثائقها الرسمية و مراكز إصدار الأرقام الجامعية و السجلات، و تعرضت مباني الجامعات للاحتلال و للسرقة و النهب و الحريق، حيث رصد التخريب فى أكثر من 45 مؤسسة جامعية بالخرطوم و الولايات، و بات المستقبل مظلماً أمام الطلاب المسجلين بمؤسسات التعليم العالي و الذين يقدر اعدادهم بأكثر من 600 ألف طالب و طالبة.

4. طال شبح الاحتلال و التخريب كافة الأعيان المدنية بالسجلات في بلادنا مثل رئاسة دار الوثائق القومية وسجلات الأراضي و سجلات المحاكم، ورسمت مقاطع الفيديو صوراً قاتمة لمؤسسات الدولة و دواوينها الرسمية،و يقدر أن عدد 215 وحدة أو شركة او هيئة حكومية بما فيها من مراكز ذوي الفئات الخاصة و مدن المعاقين كلها تعرضت للسرقة أو النهب أو الاحتلال بواسطة قوات الدعم السريع.

5. الجانب الاكثر سوءاً كان في مؤسسات القطاع الخاص و المصانع و المحلات التجارية و الأسواق، إذ رصدت مواقع مختصة على شبكة الانترنت أن نحواً من 6 أسواق مركزية و أكثر من 15 سوق طرفية و قرابة (118) ألف محل تجاري أو خدمي تم كسر أبوابه و سرقة محتوياته و ربما اشعال النار فيه. و تقدر نسبة الشلل فى المؤسسات الانتاجية و المصانع بولاية الخرطوم باكثر من 70% .

6. ينظرالمواطنون بأسى شديد إلى قوات الدعم السريع و هي تمارس التهجير القسرى للسكان و تستبيح منازلهم و تسرق محتوياتها و تعبث بممتلكاتهم، و أظهرت العديد من مقاطع الفيديو و الصور قوات الدعم السريع و هي تستبيح هذه المنازل تكسيراً و نهباً و تتخذها ثكنات و مخابئ. و تنشط مواقع متخصصة في توثيق مثل هذه التعديات التي اشارت برصدها لاكثر من 90 الف بلاغ عن دخول قوات الدعم السريع الى المنازل.. في حين رصدت تطبيقات (مفقود – سيارات مسروقه – موجود) على شبكة الانترنت اكثر من 47 الف بلاغ لسيارات تم نهبها وسرقتها بواسطة قوات الدعم السريع .. واشارت معلومات الرصد الميداني الى عبور اعداد غفيرة من السيارات المسروقه يومياً باتجاه شارع الصادرات غرباً الى دارفور ، وشوهدت مئات من العربات المنهوبة في طرقات مدن الضعين ونيالا ومناطق واسعة فى جنوب دارفور ، ووفق افادة بعض شهود العيان أن الكثير من هذه العربات يتم عرضها للبيع في دول الجوار في تشاد وليبيا وافريقيا الوسطى .

*سبعون يوماً من المعارك .. الوضع الانساني :*
1. وفق تقارير متعددة ادت الحرب الى فرار حوالى 2000 شخص من العاصمة الخرطوم فى عمليات نزوح داخل الولايات تقدر باكثر 1.5 مليون نازح ولجوء حوالى 500 الف الى دول الجوار مصر واثيوبيا في حين بلغ عدد النازحين واللاجئين من ولاية غرب دارفور فى اتجاه تشاد اكثر من 700 الف نازح وبلغ عدد النازحين حول مدينة الأبيض ومناطق جنوب كردفان نحو200 الف نازح .

2. حتى الآن يشهد الوضع الانساني المأساوي غياباً كاملاً لكل المنظمات الطوعية و الوطنية و الأجنبية فلم يتم الاعلان عن أية برامج أو انشطة تستهدف النازحين أو اللاجئين بدول الجوار.

3. وفر العمق الاجتماعي السوداني فى الريف والولايات حاضنة اجتماعية ممتازة للنازحين الى الولايات، حيث لم تتم إقامة معسكرات للنز وح و إنما تمت الاستضافة للكثير من النازحين لدى أقاربهم، في حين اتجهت مجموعات أقل لإستئجار مساكن منفصلة وسط ارتفاع عالٍ جداً في اسعار إيجارات الشقق المفروشة و النزل و الاستراحات و المنازل،و اشتكى العديد ممن التقتهم شبكة مركز الخبراء العرب من حالات الاستغلال الشديد في اسعار الإيجارات في مدني و بورسودان و حلفا و دنقلا  و عطبرة و غيرها. حري بالذكر أن البنية الأساسية الهشة للعديد من الولايات لا تمكنها من تقديم خدمات العلاج و الكهرباء و المياه بشكل واسع مما أدى إلى تأزيم أوضاع الخدمات بشكل كبير.

4. معظم حالات اللجوء كانت إلى مصر و التى استقبلت عبر المعابر البرية نحو 350 ألف لاجىء منذ بداية الأزمة، و قد قامت مؤخراً بتشديد الاجراءات الهجرية للحد من دخول مزيد من اللاجئين إلى أراضيها، في حين أعلنت إثيوبيا دخول 35الف لاجىء عبر معبر (القلابات) بينما أعلنت دولة جنوب السودان دخول حوالى 30 ألف لاجىء إلى أراضيها.

5. رغم أن الطرفين وقّعا على إعلان جدة الإنساني و الهدنة الإنسانية و التى تم تجديدها خلال الشهر الماضي ثلاث مرات، إلا أن الإعلان و الاتفاق الذى تلاه ظلا حبراً على الورق و لم يتنزل إلى أرض الواقع و لم يتم تنفيذ حتى 1% من كل المنصوص عليه من بنود و إجراءات تتجاوز ال45 بنداً و اجراء تهدف إلى تخفيف الاوضاع الإنسانية.

6. رغم ما رشح في الإعلام عن وصول مواد إغاثه و إيواء تقدر بحوالة 250 ألف طن عبر مطار بورسودان إلا أن الدولة و الجهات المكلفة بالترتيب لها لم تعلن عنها حتى الآن رغم مرور ما يقارب ال60 يوماً عن آليات أو أولويات التوزيع أو عن الكميات التى تم استلامها أو مكان و زمان التوزيع.

7. اشد المناطق نكبة هى حالات التطهير العرقي بمدينة غرب درفور من قبل قوات الدعم السريع و المليشيات العربية الموالية لها في استهداف قبائل (المساليت) و الإثنيات الأفريقية الموالية لهم و التي تمثل جرائم كاملة ضد الإنسانية و الجنس البشرى.

8. اظهرت مقاطع مصورة عديدة الانتهاكات الدائمة لقوات الدعم السريع وهي تقوم بتعذيب او تصفية المواطينن او التهجير القسرى او الافعال المشينة ومن ضمنها حادثة تصفية والي غرب دافور على يد قوات الدعم السريع ..في حين ظهرت بعض المقاطع ايضاً تدين منسوبي القوات المسلحة واساءة التعامل مع اسرى قوات الدعم السريع.

9. اشارت منطمات حقوقية الى ان قوات الدعم السريع قامت بانتهاك اكثر من (22) جريمة ضد الإنسانية معرّفة فى اتفاقيات جينيف وتشمل ( الاختطاف – الاحتجاز القسري – مهاجمة المستشفيات – الاعتداء على الكادر الطبى – تدمير المؤسسات الخدمية – مهاجمة دورالعبادة – جرائم الاغتصاب والاضطهاد العرقي والابادة الشاملة – اضطهاد العنصر البشري – القتل على اساس العرقي – التهجير القسرى- الخ) وسط دعوات بعدد من العواصم تدعو الى تصنيف قوات الدعم السريع كجماعة ارهابية .

10. بعد مرور شهر من الحرب تُظهر كافة مناحي الحياة اليومية عسراً بالغاً في ظل تعطل كافة اوجه الانتاج والمصانع وغياب شبه كامل للدولة في تسيير الحياة العامة وحفظ الامن ، وتعطل دواوين الدولة ، واغلاق المجال الجوي باستثناء مطار بورسودان الذى يؤدي مهام استثنائية ، واغلاق للاسواق الرئيسية ونقصان السلع الضرورية.

11. خلال مسيرة النزاع تم التوقيع على العديد من الهدن بحجة تحسين الاووضاع الانسانية وفتح المعابر واخلاء الجرحى والسماح لوصول المساعدات الطبية واعمال الاغاثة على النحو التالي :
• الهدنة الاولى بوساطة الامم المتحدة لمدة 3 ايام بتاريخ21 ابريل 2023.
• الهدنة الثانية بوساطة من رئيس دولة جنوب السودان لمدة 3 ايام بتاريخ 4 مايو 2023.
• الهدنة الثالثة بوساطة امريكية بتاريخ 4 مايو 2023 لمدة 3 ايام
• الهدنة الرابعة وقف اطلاق النار قصير الامد والترتيبات الانسانية لمدة (7) ايام بتاريخ 20 مايو 2023
• الهدنة الخامسة لمدة (5) ايام بتاريخ 29 مايو 2023 وهى تمديد للهدنة السابقه
• الهدنة السادسة لمدة 24 ساعة بتاريخ 10 يونيو 2023 بوساطة المبادرة الامريكية السعودية
• الهدنة السابعة لمدة 3 ايام بتاريخ 17 يونيو 2023 بوساطة المبادرة الامريكية السعودية
12. الملاحظ في كل الهدن التى تم توقيعها:
• لم تشهد التزاما كاملاً بنسبة 100% ويتبادل طرفا النزاع الاتهامات بالخروقات ..
13على المستوى الميداني شهدت فترات الهدن المختلفة أعادة الانتشار والتموضع من قبل قوات الدعم السريع والتمدد فى الاحياء الشعبية وزيادة السلب والنهب ..
• فى الوقت نفسه لم يكن لكل هذه الهدن المتعاقبة اي تأثير ايجابي على الاوضاع الانسانية بل على العكس مع كل هدنة تزداد الاحوال الانسانية سوءاً وتعقيداً ..
• الوساطة السعودية الامريكية نفسها لم تتمكن من تطوير الياتها لرقابة الهدنة ولم تتمكن من اصدار اي تقارير عن الخروقات التى تمت ومسؤولية كل طرف من الاطراف .
• توقيع كل هذه الهدن المتعاقبة وعدم وجود أي تأثير ايجابي على الحالة الانسانية يدفع للاعتقاد بأن فترات الهدن المختلفة ماهي الا عبارة عن منح مزيد من الوقت لتطاول المعارك وزيادة المعاناة وربما في بعض الاحيان خدمة لقوات الدعم السريع ومنحها قبلة الحياة من جديد.
*الاصداء العالمية ..*
1. افلحت المبادرة السعودية الامريكية فى احداث اختراق جزئي في موضوع تسوية النزاع بجمعها لطرفي النزاع في مفاوضات غير مباشرة اسفرت عن توقيع اعلان (حماية المدنيين والاوضاع الانسانية) بجدة بتاريخ 21 مايو واتفاقية (وقف اطلاق النار والترتيبات الانسانية) بتاريخ 20 مايو 2023 والاتفاقيتين تتعلقان بالأوضاع الانسانية وتمت تحت رعايتهما توقيع عدد(6) هدنة انسانية ، لاغراض انسانية بحته وتستهدف السماح بالمرور الآمن للمدنيين وعدم استهداف الاعيان المدنية وعدم استخدام المدنيين كدروع بشرية والالتزام بحماية الخدمات الضرورية للمدنيين وفتح سبل ومعابر توصيل المعينات الطبية والانسانية .. ورغم أن الاتفاقيتين المشار اليهما تحدثتا عن وقف اطلاق نار مؤقت تمهيداً لمباحثات موسعة يتم فيها اشراك المدنيين بهدف الوصول الى حل مستدام الا ان المبادرة لم تغادر الخطوة الاولى دون تقدم يذكر في كل المجالات بمافي ذلك الملف الانساني الذى جعلته المبادرة اولوية قصوى .. ومن خلال التصريحات الاخيرة للادارة الامريكية يبدو ان المبادرة في طريقها للتوقف او الانتقال الى منبر جديد .

2. جامعة الدول العربية وبتاريخ 2 مايو 2023 دعت لوقف اطلاق النار وادانت الانتهاكات المتواصلة من قبل قوات الدعم السريع ودعت لتقديم المساعدات الانسانية ، وسجلت موقفاً قوياً لصالح القوات المسلحة ودعت الى تعزيز المبادرة السعودية الامريكية والاكتفاء بذلك دون تقديم مبادرة جديدة .

3. مجلس الامن عقد جلستين حول السودان الاولى بتاريخ 26 ابريل 2023 الاولى استمع فيها الى احاطة مبعوث الامم المتحدة فولكر بيرتس الى السودان في وقت قال فيه مندوب السودان لدى مجلس الامن ان ما يجرى عبارة عن انقلاب عسكرى .. والجلسة الثانية بتاريخ 2 يونيو 2023 اعتمد فيها تمديد مهمة بعثة الامم المتحدة بالسودان (يوناتامس) ، فى الوقت الذى اطلت فيه بوادر ازمة قوية بين السودان والامم المتحدة بشأن طلب السودان تغيير رئيس البعثة فولكر بيريتس بسبب اسهامه فى تغذية النزاع ،ورد الامم المتحدة بانه ينال ثقة الامين العام للامم المتحدة، مما دعا السودان الى اعلانه شخصاً غير مرغوب فى وجوده فى السودان ،فردت الامم المتحدة على ذلك باعتماد عمله من العاصمة الكينية نيروبي ويتوقع ان تُلقي هذه الازمة بظلالها على العلاقة بين السودان والامم المتحدة .

4. منظمة الايقاد وتحت رعاية الاتحاد الافريقي بدأتا تحركاً متاخراً من خلال الدعوة لمعالجة الازمة السودانية وتكوين الية برئاسة الرئيس الكيني الذى اعترضت عليه الخرطوم بحجة انحيازه الى قوات الدعم السريع وتمسكت برئاسة الرئيس الجنوب سوداني للالية .. فى الوقت ذاته ابدت الخرطوم تحفظات قوية حيال مارشح من أنباء حول ملامح مقترح الايقاد لطي الازمة والمتمثل فى مناطق منزوعة السلاح وتدخل قوات اممية للفصل بين الجانبين .

5. بشكل عام فأن موقف الدول دائمة العضوية في مجلس الامن لم يعير النزاع اهتمام كافياً بسبب انشغال روسيا بالملف الاوكراني ،وتحديات الصين وتوازناتها فى افريقيا فلم يكن لهما اسهام يذكر… في حين تحركت بريطانيا للدفع بملف النزاع الى مجلس الامن دون تقديم مقترحات اضافية ، اما فرنسا التى تربطها مصالح قوية بمناطق تشاد وافريقيا الوسطى المتاخمتين للسودان فقد بدأت بالتنسيق مع تشاد لمراقبة الحدود بالطيران العسكرى خوفاً من تداعيات النزاع وعدوان الدعم السريع .

6. على صعيد دول الاقليم لم يخف منذ الوهلة الاولى الدعم الكبير الذي تقدمه دولة الامارات العربية الى قوات الدعم السريع وانحيازها اليه بشكل فاضح مع قناعة الرأي العام السوداني بان دولة الامارات هي من قامت بالتخطيط والتمويل والتنسيق لهجوم قوات الدعم السريع وانها هي من قامت باشعال فتيل النزاع ، وتجيير نفوذها وعلاقاتها فى المنطقة لصالح قوات الدعم السريع .اما جمهورية مصر العربية رغم موقفها المبدئي من (مليشيا) الدعم السريع ورغم تعرض عناصر من قواتها الجوية للاسر بواسطة قوات الدعم السريع الا ان موقفها في العلن ظل في حالة الحياد الاقرب للقوات المسلحة دون ان تقوم باي ترتيبات مباشرة فى التدخل فى النزاع ، واشارت تقارير اعلامية وصحفية ان دولة الامارات العربية هى من قامت بتحييدها وعزلها عن النزاع فى ادوار مشابهة ايضاً لمواقف اثيوبيا وارتريا واللتان يبدو تأثير النفوذ الاماراتي عليهما قويا وواضحاً.

7. بدأ واضحا ارتباط شركة فاغنر الروسية بالنزاع والتى تربطها مصالح اقتصادية واستثمارات مشتركة مع قوات الدعم السريع فى مجال تعدين الذهب واشارت القارير المختلفة الى قيام شركة فاغنر بتسليح قوات الدعم السريع لمضادات الطيرات وتوفير تحالف ثلاثي قوي لاسناد الدعم السريع لمعاونة الجنرال خفتر فى ليبيا .

8. وكالات الأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بالأعمال الإنسانية ومراقبة النزاعات ومتابعة حالة حقوق الانسان لم تتخذ مواقف واضحة حتى الان وان كانت الفترة الاخيرة من النزاع قد شهد إدانات من جانبها لمسلك قوات الدعم السريع فى ملف حقوق الانسان دون ان يرقي ذلك الى اجراءات عقابية .

9. مايمكن قوله بشكل فعلي ان الاصداء العالمية للنزاع لم تكن بمقدار حجم الحدث ولا بمقدار تجاوب المجتمع الدولي مع مثل هذه التحديات حيال مناطق واطراف اخرى من العالم .

*تعليق عام.*
1. في بداية النزاع كان كل طرف من الاطراف يتوقع حسم المعارك خلال ايام بل ان قوات الدعم السريع كانت ترى بامكانية حسمها خلال ساعات محدودة في اليوم الاول .. ولكن مثل سائر الحروب فان الحسم عصي دائما والمعارك بحسب التجارب تاخذ وقتاً اطول وانها سهلة الاشتعال بطيئة الإخماد .

2. سير المعارك فى الاونة الاخيرة يشير بوضوح الى التقدم البطيء للقوات المسلحة فى مقابل الاستنزاف اليومي لقوات الدعم السريع التي ظلت تتناقص قدراتها القتالية باستمرار.

3. استمرار المعارك لفترة اطول مكّن قوات الدم السريع من استعادة التوازن فى التسليح من خلال الحصول على مضادات الطيران والطيران المسير .

4. استمرار المعارك لفترة أطول أدى إلى اشتعال القتال من جديد في العديد من المناطق في دارفور و كردفان.

5. استمرار المعارك لفترة أطول يساهم يومياً في سوء الحالة الإنسانية و ازدياد حالات اللجوء و النزوح في غياب كامل لآلية الدولة و انعدام الشفافية، و شائعات الفساد التى ترافق تسرب بعض المساعدات الإنسانية إلى الأسواق ، و فى ظل إحجام واسع من كل المنظمات الاممية والقطرية ، وتراجع فى حجم المساعدات .

6. التفوق الاعلامي في بداية المعارك كان من حليف قوات الدعم السريع اذ تشير تقارير عديدة الى ان دولة الامارات العربية المتحدة قد اعدت باكراً العدة لغطاء اعلامي كثيف من خلال مئات الالاف من الحسابات الوهمية على المنصات الرقمية المختلفة، كما أن القنوات العربية الفاعلة ( الجزيرة – الحدث – العربية) ظلت تمثل سلاح الإعلام القوي المناصر لقوات الدعم السريع في مقابل الضعف الإعلامي للقوات المسلحة، و الذى زاد منه سيطرة قوات الدعم السريع على مباني الإذاعة و التلفزيون وتعطيل البث الأرضي بالإضافة إلى غياب وزارة الإعلام و كافة المنصات الاعلامية الحكومية،  و الضعف الشديد فى موقع الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، و غياب الإيجازات و التنويرات المعتادة فى مثل هذه الأزمات و بالتالى سيطرت على فضاء الإعلام قوات الدعم السريع و الكثير من الاشاعات و الأخبار المضللة.

7. بدا واضحاً العزلة الدبلوماسية الكبيرة على الحكومة السودانية، و الغياب المبكر لوزارة الخارجية منذ بداية الأزمة إلا من المجهودات المقدرة التى قام بها السفير (دفع الله) مبعوث مجلس السيادة و السفير (الحارث إدريس) مندوب السودان فى الأمم المتحدة، و قد أظهرت الأزمة الأخيرة نتائج مؤسفة في شكل علاقات السودان الخارجية بالدول المؤثرة عالمياً و إقليماً و أظهرت استعداءً واضحاً عليه فى المنابر الإفريقية و دول الجوار.

8. من ناحية اخرى فإن الغياب الكامل لكل الطاقم الحكومي فى إدارة الازمة عدا وزير المالية و وزير مجلس الوزراء دفع بتساؤل مبكر عن كيفية إدارة الدولة في مثل هذه الظروف، و أظهرت الأزمة ثغرات واسعة في بنية الجهاز الحكومي و يدلل الرأي العام على ذلك بموقف وزير الداخلية مدير عام الشرطة و وزير الدفاع و وزير الصحة و عدد من الوزارات المفصلية و المهمة  وهى فواتير بات من الراجح أن على السودان يدفعها ثمناً نظيراً للفراغ الدستوري منذ (25 أكتوبر 2021) و إلى الآن لم يقم رئيس مجلس السيادة بعده بتكليف أية حكومة.

9. المحير فى الأمر أن الدولة حتى الآن لم تعلن حالة الطوارئ و لا الاستنفار العام رغم كل الخسائر في البنية التحتية و الأرواح فى خطوة تظهر التردد الكبير الذى ظل سمة ملازمة لقيادة القوات المسلحة.

10. التردد الكبير الذي يوصف به رئيس مجلس السيادة و الغموض الذي تتمتع به شخصيته و عدم قدرته على اتخاذ مواقف حاسمة دفع للتشكيك حول مقدرته على الصمود فى وجه الضغوط الأجنبية و علاقته بالموافقات المستمرة على الهدن المتعددة التى تم توقيعها و التى لم يلمس الشعب السوداني أي فائدة حقيقية لها.

11. ظلت المساندة الشعبية العالية ترافق القوات المسلحة منذ بداية الأزمة و تشهد تباعداً كبيراً بينها و بين قوات الدعم السريع و شهدت كل المدن قوافل مساندة و وقفات تعبير قوية عن الموقف المساند للقوات المسلحة.

12. من المتوقع أن تسير الأحداث مستقبلاً على ذات منوال استمرار المعارك لفترة أطول، و بإصرار كل طرف على حسم المعركة لصالحه وسط تراجع لقوات الدعم السريع في ميدان المعركة فى الخرطوم مع سعيها لزيادة فى الضغط على أطراف القوات المسلحة في كل مدن دارفور و مناطق شمال و جنوب كردفان.

13. في حالة تطاول أمد الصراع أكثر سيفرض سوء الأوضاع الإنسانية على الطرفين الاستجابة للضغوط الدولية و التى غالباً ما تميل الى الحفاظ على حالة من توازن القوى عبر المساعدات الخفية لقوات الدعم السريع.

14. فى ظل الانقسام الحالى لمجلس الامن و هيمنة الوضع فى أوكرانيا على معظم الاهتمامات العالمية من المرجح أن تتعدد مبادرات الحلول الافريقية برعاية من الأمم المتحدة سعياً نحو الحوار و التفاوض الذي يظل هو الحل النهائي، و حتى فى حالة انتصار طرف على الآخر يبقى الحوار مهماً لإكمال كل الترتيبات سلماً أو حرباً، بيد أن الضغوط الدولية ستقود الطرفين لتوقيع اتفاق دائم لوقف اطلاق النار وفتح المسارات الانسانية والاستعانة بقوات من الاتحاد الإفريقي للفصل بين الجانبين على غرار ما تم فى جنوب السودان أو عبر تشكيل بعثة مشتركة بين الأمم المتحدة و الاتحاد الإفريقي.

15. تعقب ذلك مفاوضات الوضع الدائم و التى ستسعى لإعادة المدنيين من جديد للحكم، مع إعطاء أولوية لحلفاء المجتمع الدولي من أصحاب الاتفاق الإطارى و يمكن استصحاب بقية القوى الأخرى و لكن قطعاً دونما إغفال للحركات المسلحة و يتم ضمن ذلك أيضاً تسوية قضية شرق السودان.

16. مستقبل قوات الدعم السريع في ظل أية مفاوضات قامة سيكون ضمن الخيار الأوحد هو إعادة دمجها في القوات المسلحة مقابل عملية جراحة عميقة فى القوات المسلحة.
——————————————
والدعوات أن يحفظ الله السودان وأهله، وينعم عليه بالأمن والاستقرار … اللهم سلم ، اللهم سلم .
══════❁✿❁════
*مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفيه ودراسات الرأي العام ،مركز اعلامي محايد مستقل.*
══════❁✿❁═════

Exit mobile version