بقلم الأستاذ/ عثمان العطا حمدوك مفتاح القناة !!!
———
صعد نجم حمدوك على أكتاف الحرية والتغيير، و أدى اليمين الدستورية رئيسا لوزراء ثورة ديسمبر في أغسطس (2019 م). ثم رَضي بالإطاحة به في أكتوبر (2021 م)، ثم عاد مجدداً لذاتِ المنصب على رافعةٍ جديدةٍ قوامها عسكر الجيش والدعم السريع بما عُرف بالإتفاق السياسي الموقع بينه وبين البرهان كان ذلك في نوفمبر (2021 م)، و في جراءة منه تنصّل فيها من جميع التزاماته السياسية والأخلاقية مع حلفاءه من القوى السياسية. ثم غادر حمدوك منصب رئيس الوزراء بتقديم استقالة شهيرة في يناير (2022 م) ، استقالة كانت عبارة عن إعلان إنهاء انتداب المدنيين في سلطة الأمر الواقع وقبلها إعطاء الشرعية للعسكريين والتوقيع لهم على شيك مفتوح يغطي تكلفة فاتورة إلغاء الوثيقة الدستورية التي شكلت واقع ما بعد البشير وحمدوك ذات نفسه الذي يعتبر واحداً من مخرجاتها.تمكن حمدوك وحيداً من إنجاز مهمة وأد تغيير ديسمبر (2019م) ، وإلغاء كل الفعاليات الشعبية الشبابية التي سبقتها، ونسف جميع مؤسسات النظام الجديد التي تم بناءها. فعل كل ذلك وحيداً دون مجهودٌ كبير وتكلفةٍ عالية ومعاونين كُثُر والأهم هو الإبقاء على حالة التوهان السياسي الذي ميّز تنظيمات يسار ديسمبر المعلولة التي اعتلت منصة التغيير فجأةً دون أن يكون لها الشرعية والاستعداد المناسبين لقيادة وضع سياسي إقتصادي وأمني بقامة دولة مضطربة مثل السودان. لذلك لم يكون غريبا علي اليسار التائه القبول بالواقع الجديد الذي فرضه عبدالله حمدوك والذي تجاوز في تأسيسه الجديد غالب النسخة القديمة التي لم تجد حظها من التجريب والتطبيق، بل هؤلاء لم يكن لديهم القدرة على مقاومة شروط حمدوك الذي استبدل الاسم والبرنامج والأهداف والحلفاء وحتى الوجوه التي تعبر عنه اختارها هو، ليس لديهم خيار فقد سبق وأن رهنوا أنفسهم في حقيبة الأممي العجوز بطيئ الحركة محدود القدرات و اختاروا شعار “شكراً حمدوك”.
حمدوك كمعاشي (موظف أُممي سابق) يعرف كيف تُدار الأمور بعيداً عن التفاصيل والأطماع السياسية، ولديه الحصانة في عدم التأثر بالخلاف الذي يدور من خلفه أو من تحت قدميه، ولا يهتم بإختلاف تقديرات الذين اصطفّوا من حوله لأنه حالياً يخنق على مصادر التمويل ويعتبر نفسه الصرّاف الوحيد الذي تثق فيه الدوائر الأجنبية و إنابة عنها يوزع أجرة الاسترقاق السياسي نظير تنفيذ المناشط المرسومة لهم جميعاً. حمدوك لديه المقدرة على تليين مواقف المعارضين لفكرة الانقلاب الكلي على الجميع، ويستخدم وسيلة المال المتدفّق عبر المنظمات المشبوهة التي تفرض أجندتها وبالتالي جعلهم حمدوك يتراقصون من حوله لإرضائه وهو -بالخبرة الطويلة- يعلم أن المنظمات تتجاهل التفاصيل وتنتظر النتائج وليس ضرورياً عندهم مواقيت إنجاز المشروعات. مهما استطال الزمن حمدوك تعامل بجفاف واضح مع الجميع وهو يقوم بالإجهاز على حقبةِ ما بعدَ تغيير الإنقاذ، واستطاع أن يفرضَ وجهة نظره حتى على قائد المليشيات القبلية المتمردة (حميدتي) بعد أن وقع في ورطه الحرب. حمدوك يستضيف حميدتي في منابر متعددة في إثيوبيا وكينيا وجوبا يطرح عليه أوراقاً يوقّعها ويصحّح له مصطلحات يستخدمها بل يوجّهُه حيثما يريد. ولا أستبعد أن يكون حمدوك على اتصال بقيادات من استخبارات الجيش والمخابرات السودانية لأن فتح قناة بينه وبين القوات المسلحة يعزّز موقفه الشخصيّ أمام منافسيه الذين فقد الجيش الثقة في أغلبِهم و أغلق أمامهم بابَ التواصل ناهيك من الحوار وتداولِ الشأن العام. و الذي بقى من فرص نجاةٍ للسبّاحين السياسيين المغامرين بالخارج ليس التواصل مع المتمرد حميدتي – هذه متاحة ومطلوبة يحرص عليها المتمرد أيضاً – لكن النجاح يبقى رهيناً بالمقدرة على فتح قناة تواصل مع قيادات الجيش لأن أي عملية سياسية إذا لم تكن لها ضمانات في أجهزة الدولة تصبح هباءً، وهذه القناة فقط حمدوك هو الذي يستطيع أن يضمنها لهم لذلك هم مِن حوله يسبِّحون بحمدِه ليل نهار ب”شكراً حمدوك”.