كل الاحتمالات الجيوسياسية كارثية عربياً … بقلم اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
⚫ حالة العداء العربي الفارسي والشيعي السني .. هي مجرد بذرة واحدة من قنطار بذور الفتن التي بثها اليهود في الجسد الإسلامي منذ بواكير القرن الأول الهجري ، وطالما راهنت الدول الأوربية ومؤخراً أمريكا وإسرائيل كذلك على أهمية التحالف الاستراتيجي بين إيران والعالم الصهيوغربي ، بهدف إخماد أي بواكير لصحوةٍ سُنيّةٍ تُفضي إلى وِحدة إسلامية من جانب ، وكذلك لكبح تمدد النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي للصين وروسيا من جانبٍ آخر .. ونقول لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد .. إن إيران وتركيا كلاهما يتحدثان لغاتٍ مختلفة عن بيئتهما الجغرافية ، وهذا يجعل لكلٍ منهما ثقافةً مغايرة لمنطقتهما ، ويتفاقم عامل الثقافة تبايناً في الحالة الإيرانية بمذهبها الشيعي ، وتشترك تركيا وإيران في وجود الضغائن التاريخية التي مازالت تصبغ بالكراهية علاقاتهما بجوارهما العربي الإقليمي ، كما تتميز الشعوب الفارسية والتركية بمتلازمة الشعور القومي المتزمت والمتعالي على غيره ، والمتأمِّل لما ذكرناه سيجد أن جميع هذه الخصائص تتفق فيها الدولتان مع إسرائيل التي تعاني من جوارها ومحيطها مثلما تعاني إيران وتركيا تماماً ، ولعل هذه السمات كان لها تأثيرها الأبرز في العلاقات التاريخية المميزة بين الدول الثلاث ، فطالما كانت المصائب يجمعن المصابينا.
⚫عندما اجتاح الملك الفارسي قورش أرض بابل ، كان هو من أعاد اليهود من الأسر البابلي إلى بلادهم ، وسمح لهم بإقامة مملكةٍ تحت النفوذ الفارسي ، وكان اليهود هم الذين ساعدوا الملك الفارسي قنديز (خليفة قورش) على احتلال مصر ، وكانت الدولة الصفوية في القرن السادس عشر هي حليف الأوروبيين ضد العثمانيين ، وعلى ذات النهج سارت الدولة القاجارية التي خلفتها ، وكذلك كان رضا بهلوي وابنه شاه ايران الذي اعترف بإسرائيل منذ عام ١٩٤٨م ، وكانت المخابرات الأمريكية هي من رتَّب سقوط مُصدَّق واستعادة حكم الشاه ، وبعد الثورة عملت المخابرات الأمريكية والفرنسية على تمكين الخميني والشيعة من اختطاف ثمرة الثورة وحكم إيران نكايةً في حزب توده الشيوعي ، وتجمع القوى الوطنية اللذان كان لها دور كبير إلى جانب الشيعة في قيام الثورة الايرانية ونجاحها وهروب الشاة.
⚫بينما كانت أمريكا تدعم العراق في حربه ضد ايران ، وتُوجِّه حلفاءها في الجزيرة العربية لدعمه .. كذلك كانت أمريكا وعبر إسرائيل تقوم بدعم ايران في حربها ضد العراق فيما اشتهر سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً بفضيحة إيران ، او إيران كونترا ، وتمكَّنت على اثرها اسرائيل من تنفيذ عملية أوبرا التي دمرت بها المشروع النووي العراقي ، وإيران تعيش فيها واحدة من أكبر وأقوى الجاليات اليهودية ولاسيما حاخامات أصفهان الذين تربطهم علاقات وثيقة مع النظام الإيراني ، ولهم تمثيل في البرلمان ، وتُقدَّر الاستثمارات اليهودية في إيران بما لا يقل عن ثلاثين مليار دولار ، وقل مثل ذلك عن شركاتٍ أمريكية وأوربية مرتبطة بالاقتصاد الايراني.
⚫ان التحالف الاسرائيلي الخليجي لم يعُد بمقدوره أن يُقدم الكثير لأمريكا وإسرائيل اللتان تحتدم حاجتهما اليوم للأمن والقوة والنفوذ أكثر من حاجتهما للنفط أو المال الخليجي ، بينما التحالف مع إيران سيجلب لهما دول الخليج راغمة بكل ما فيها من مزايا ، وسيحقق لهما أمناً استراتيجياً عنوانه انتهاء ما يُسمى بمحور الممانعة ، وسيوقف المد الصيني الروسي عند حدود آسيا الوسطى ، وأعتقد يقيناً أن كل الحشود الأمريكية والهجمات الاسرائيلية على طهران ولبنان واليمن .. ليست سوى مناورة جيوسياسية عميقة هدفها استعادة التحالف الإمبريالي الصهيوغربي مع إيران ، ولا يخالطني الشك بأن مفاوضاتٍ ماراثونية تجري بالفعل لمأسسة هذا التحالف وتحديد أطرافه ومهامه ومحفزاته وضحاياه ، وتصريحات الرئيس الإيراني تشي بذلك.
⚫ إن المواجهات الايرانية الاسرائيلة الأمريكية ، والعمليات العسكرية التي قادتها المحاور الشيعية ضد اسرائيل ، وردود الفعل الاسرائيلية على ذلك .. جرى التعاطي العربي السُّنِّي معها إزاء الجانب الايراني والشيعي بشكلٍ عبثي ومشاعري وغير مدروس ، واتسم الرأي العام الشعبي في الدول العربية بالتخوين أو الاستخفاف والسخرية والشماتة تجاه محور المقاومة الشيعية ، وهو ما قد يُغلق كل آمالٍ إيرانية أو شيعية بإمكانية تحقيق وِحدة إسلامية تتعالى فوق المذهبية ، ويفتح الآفاق الإيرانية للتفكير بشكل أكثر براغماتيةً وتُقية .. فتتحول إلى حليفٍ استراتيجي للمعسكر الصهيوغربي ، وهذا ما تعمل عليه امريكا بدأبٍ حثيث ، واعتقد أن ما يعيق تنفيذ ذلك سببان:-
1️⃣التحالفات الاستراتيجية التي عقدتها ايران مع الصين وروسيا.
2️⃣التنافس الإيراني الإسرائيلي على قيادة الإقليم وسيادته ، وخاصةً أن أصواتاً أمريكيةً أصبحت ترى أن إسرائيل أصبحت قاعدة عسكرية أمريكية باهظة الكلفة المادية ، وثقيلة الحمولة القانونية والأخلاقية ، وضعيفة النجاعة على سبيل تحقيق الأهداف الجيوسياسية .. بعكس إيران .. وإسرائيل تعلم ذلك وتقاومه.
⚫إن الذين ينظرون للصراع الدولي الذي يجري اليوم بعقلية ومشاعرية مُستَمدة من القرن الأول الهجري ستمنعهم تحيزاتهم وعواطفهم المذهبية عن إدراك التحولات التي حدثت في الدنيا خلال أربعة عشر قرناً ، وبذلك يجعلون من بلادهم مجرد قصعةٍ على المائدة الدولية والإقليمية التي يعتمل إعدادها وتقديمها ، والدول التي ليست لديها خطط وتحالفات ورؤى مكافئة لجسامة المؤامرات والمكائد المُحدقة بالمنطقة .. إنما تخطط دون أن تعي بجعل نفسها قرباناً لخطط الآخرين ، وأغلب الظن بأن المنطقة قد تجاوزت نقطة اللاعودة من حيث إعادة تشكيلها جغرافياً وديمغرافياً وقِيَمياً ، وأيَّاً كانت الاحتمالات .. فالخاسر الأكبر هي مصر ودول الجزيرة العربية ، فبقية دول المنطقة لم يعُد لديهم ما يخشون خسارته بفضل الجهود العربيصهيونية ، وإن كان ثمَّة ما يُنصحُ به رغم العلم يقيناً بعدم جدوى النصيحة … إن التحالف الاستراتيجي العربي الإيراني (السُّنِّي الشيعي) أوجب للمسلمين وأكرم للعرب من أن تستعبدهم إيران بإرادة صهيوغربية.
٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤م