
بلغ من الناس ما بلغ واهتزت الأرض من تحت الأقدم و أنين صدور الرجال بالوجع و صار الموت بالكمد و القهر وثكلي ونواح النساء في كل بيت ، خلت الدور و أنبتت أشجار الوحشة فيها وهناك كل نفس تتمني الرجوع حتى ارتجفت القلوب و بات سؤال يتردد في أذهان كثيرين من السودانيين (متى تنتهي الحرب؟) والكل يتمني أن تقف الحرب ويرجع السودان أفضل مما كان ،و كلما اشتعلت الحرب وطال أمدها وخارت قوى الناس أو سقط ضحايا أو ارتفعت أصوات الاستغاثة. (متي تنتهى الحرب؟).
لكن، هل الحرب تنتهي فقط بتوقيع اتفاقيات أو توقف إطلاق نار؟ أم أن هناك نوعًا آخر من الحروب لا تنتهي إلا إذا قررنا نحن أن نضع لها حدًا؟ الحرب ليست دائمًا بين جيوش و دول، بل كثيرًا ما تكون بين أفراد، بين جارٍ و جاره بين مسؤول ومواطن بين تاجر وفقير. إنها الحروب الصامتة التي نخوضها كل يوم من خلال تصرفاتنا وسلوكياتنا، من خلال الظلم والفساد، من خلال سوء المعاملة، و احتكار الطعام، و رفع الأسعار دون رحمة. من خلال الخصام وقطع الرحم.
فالحروب الكبرى التي نشهدها ليست سوى تراكمات لملايين الحروب الصغيرة التي نخوضها دون أن نشعر. كل مرة نخدع فيها الآخرين، أو نكذب، أو نسرق، أو نُهين، نُشعل نار حرب. وكل مرة نختار فيها الصمت أمام الظلم، أو نشارك في الفساد، أو نتجاهل صرخة محتاج، نُطيل أمد تلك الحرب. وكل ما بات مسكين يبحث عن لقمة العيش الكريم. وكل ما بكبت أم عن هجر الأبناء أو أب عن ظلم الأبناء ازداد سعير الحرب.
نحن من نملك قرار السلام، ولكن لا يمكن أن يسود السلام في السودان إن لم يبدأ في داخل كل سوداني. حين نُطفئ نار الحقد في قلوبنا، ونستبدل الأنانية بالعطاء، والخداع بالصدق، والقسوة بالرحمة، أن نزرع في قلوبنا التسامح عندما يسكت أنين المرضي بالشفاء والعلاج، أن نطفي جزوة الجوع من بطون الجوعي .نكون بذلك قد بدأنا أول خطوة نحو نهاية الحرب. إن إصلاح النفس، والصدق في التعامل، والعدل في الحكم، والرحمة في المعاملة هي الأسلحة الحقيقية التي تُنهي كل الحروب.
اليوم، نعيش في عالم يعج بالحروب من كل نوع، ليس فقط في ميادين القتال، بل في الأسواق، وفي الإدارات، وفي البيوت، وحتى في القلوب. فإذا أردنا أن ننعم بالسلام، فعلينا أن ننهي تلك الحروب الصغيرة أولًا. علينا أن نراجع ذواتنا، ونُصلح سلوكنا، ونتعامل مع الآخرين بما نحب أن يُعاملونا به. عندها فقط، نستطيع أن نقول إن الحرب انتهت حقًا، ليس لأنها خمدت على الأرض، بل لأنها انتهت من داخلنا، من نفوسنا، من ضمائرنا. فمتى تنتهي الحرب؟ حين نختار جميعًا أن نعيش بسلام.