وجه الحقيقة … إختلال إستراتيجية حصاد المياه بسبب الحرب … بقلم إبراهيم شقلاوي
أعلنت الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية مبكراً عن التوقُّعات والتنبؤات الموسمية للأمطار لهذا العام 2024م.
هذه التنبؤات التي تمثل أهمية قصوى نسبة لارتباطها بالنشاط البشري الاقتصادي لقطاع واسع من السكان بجانب الاستفادة منها في دوائر إتخاذ القرار والتخطيط لاتخاذ التدابير اللازمة حيال المعدلات السنوية المتوقعة، بالرغم من ذلك حالت ظروف الحرب من اتخاذ التدابير اللازمة حيث جاء الخريف هذا العام في عدد من الولايات السودانية كارثياً نتج عنه جريان الأودية و الخيران بعضها لم يجري إلا في سيول و فيضانات (1988)م، حيث خلفت مآسي فادحة تضرّر منها الإنسان و الحيوان و الزراعة المثمرة مثل التمور في الولاية الشمالية التي حدثت فيها فيضانات غير مسبوقة غطت مناطق واسعة من الولاية في وادي حلفا منطقة عبري قرية (سركميتو) و ماجاورها، كذلك في محلية مروي منطقة تنقاسي( الرويس) التي تأثرت بسيول من خور (أبو دوم)، كذلك منطقة (الغابة) التي شهدت جريان الخيران الموسمية. أيضا في ولاية نهر النيل حدث جريان للسيول في أبو حمد، و وادي (السلم)، و وادي (الصنقير) غرب الباوقة، و وادي (أبو حوية) بالكمر ريفي ود حامد محلية المتمة، و منطقة دار مالي، والمكايلاب، ومنطقة وادي الدان، و وادي العوتيب و منطقة ( أبو دليق) شمال شرق بحري وشرق النيل بولاية الخرطوم. أحدثت هذه السيول آثارا كارثية على السكان.
كذلك (وادي كجا) الذي يعبر مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور إلى تشاد، كذلك شملت معدّلات الأمطار العالية محلية غرب جبل مرة و (أم دخن) و وادي (صالح) بولاية وسط دارفور، و منطقة بارا و جبرة الشيخ في ولاية شمال كردفان وغيرها من الولايات السودانية.
كل هذه الوديان التي امتلأت عن آخرها بالمياه أثّر جريانها على عدد من المناطق والقرى السكانية نتج عنه انهيار للمباني وتشريد للسكان المحليين و ضياع للممتلكات، حيث خلفت أوضاع كارثية دون الاستفادة منها.
بالرغم من أن السودان يعاني في فترات الجفاف خلال الصيف من العطش في ذات المناطق التي تقع ضمن حزام الأمطار الموسمية هذه المعضلة التي يمثل التفريط في حلها تفريط في إدارة الموارد المائية المهمة للإنسان و الحيوان، والتي تمثل جزء استراتيجي من مستقبل أمننا المائي في ظل التحولات والتحديات الإقليمية الراهنة، حيث تشير التقارير الرسمية إلى أن الخسائر الناجمة عن هذه الكوارث كانت هائلة تضررت منها العديد من المنازل والمزارع والثروات الحيوانية، مما أثر بشكل كبير على الحياة اليومية للسكان وعلى الاقتصاد المحلي.
رغم الجهود المبذولة لمساعدة المتضررين إلا أن التحديات ما زالت تواجه السلطات المحلية في مواجهة هذه الكوارث وتأمين الحماية للمواطنين في المستقبل القريب، من الواضح أن تغيُّرات المناخ تلعب دوراً هاماً في زيادة تكرار هذه الكوارث الطبيعية مما يجعل العمل على التأهب والاستعداد لمواجهتها أمراً ضرورياً.
يجب على الحكومة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية والمحلية التعاون بشكل وثيق لتطوير استراتيجيات مستدامة لمواجهة هذه الكوارث وحماية السكان والبيئة، كذلك يجب تجاوز محنة الحرب بأسرع وقت لأن الكوارث الطبيعية تعتبر تحدياً كبيراً يجب التصدي له بجدية وتعاون، وعلى الجميع العمل معاً للحد من تأثيراتها وتوفير الحماية الكافية للمجتمعات المتأثرة، لذلك لا بد من اتخاذ إجراءات وقائية مبكرة وتعزيز القدرات الإنسانية والمادية لمواجهة الطوارئ والكوارث لضمان سلامة الحياة البشرية و الحفاظ على الثروات الطبيعية للأجيال القادمة. كما يجب التعامل مع الظروف الراهنة لاستمرار الحرب من واقع البعد الاستراتيجي الذي يعجل بإنهاءها في أقرب وقت، لذلك يجب على الحكومة السودانية الإنتباه لذلك، هذا بجانب أهمية العمل الفوري في للوصول لحل جذري يصل إلى الحالة الصفرية لمشكلة العطش في الريف السوداني والتي سبق أن أجيزت لها خطة خمسية بدأت في العام (2016)م كان من المأمول أن تنتهي في العام (2020)م، تضمنت الخطة الإعلان عن برنامج حصاد المياه الذي وجد دعم من المنظمة الأممية ضمن برنامج الألفية الإنمائي، لكن للأسف لم يمضي المشروع إلى نهاياته وتوقف العمل جراء التقلبات السياسية و الحرب التي تشهدها البلاد حالياً. نتج عن هذا اختلال واضح في إستراتيجية البلاد المتعلقة بحصاد المياه، حيث نتج عن ذلك هذه المعاناة الماثلة الآن جراء الأمطار والسيول المدمرة التي تعاني منها أغلب ولايات البلاد.
ذلك يجعلنا نؤكد على أهمية أن يدعوا الوسطاء والمجتمع الدولي قوات الدعم السريع المتمردة إلى الالتزام بإعلان جدة الموقع بينها وبين الحكومة السودانية في (11) مايو من العام (2023)م، و الذي يلزمها بالخروج من الأعيان المدنية وبيوت المواطنين وفتح مسارات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية و وقف الحرب. فإن الالتزام بهذا الإعلان يمكن من العودة إلى الحياة الطبيعية للسودانيين و إلى إستمرار التنمية و تفعيل خطة حصاد المياه من جديد، و توفير التمويل اللازم لها، و العودة للشراكة مع المانحين في ظل التغيرات المناخية التي تعيشها بلادنا والتي يعيشها كذلك الإقليم حولنا.
آن الأوان للعودة من جديد لهذه الخطة الطموحة التي تحقق الفائدة المرجوة من حصاد المياه، فلم يعد شغل النفير الموسمي ذو جدوى لتلافي حدوث الكارثة، ولم يعد الركون للدعاء دون العمل مجدياً (اللهم اجعلها أمطار خير و بركة)، يجب أن يتم توظيف كافة الخبرات المحلية للمهندسين السودانيين الذين قدموا نماذج جيدة في مجال بناء سدود حصاد المياه في عدد من ولايات السودان مثال ذلك سد (السنوط) في ولاية غرب كردفان، و (القريشة) في القضارف و سد (بوط) بولاية النيل الأزرق و سد (اللقداب) وغيرها.
السودان بما لديه من خبرات في هذا المجال عبر الجهات المختصة في وزارة الرى السودانية يحتاج فقط الي تمويل الأشقاء والأصدقاء الذين ظلوا يساهموا في إنجاز هذه المشروعات، كما يجب العمل على الاستفادة القصوى من مياه الأمطار، فضلاً عن حمايه المدن والأرياف بإنشاء السدود الاعتراضية والحفائر والآبار، و هناك نماذج في ذلك وادي (حسيب) بولاية الخرطوم محلية شرق النيل، و سد (تندلتي) بولاية النيل الأبيض. كما أن هناك دراسات مكتملة تتعلق بإدارة الموارد المائية المتكاملة لخور (أبو حبل) بشمال و جنوب كردفان، و خور (بركة) في انتظار التمويل بجانب العديد من الأودية ذات الموارد الكبيرة من المياه و ذلك لدعم إنشاء مشروعات حصاد المياه التي تحد من مخاطر الفيضانات السنوية المدمرة بجانب مساهمتها في استقرار الانسان وتنمية الريف.
هذا وجه الحقيقة التي ننقلها عبر مقالنا هذا لكافة الجهات الحكومية وجهات الاختصاص علّها تجد آذان صاغية.
دمتم بخير وعافية…
20/ أغسطس/ 2024م Shglawi55@gmail.com