اليوم تابع السودانيون بحرص شديد نتائج الانتخابات الأمريكية التي حسمت لصالح دونالد ترامب، حيث كان الترقب الحذر سيد الموقف، تُعتبر هذه الانتخابات من أبرز الأحداث السياسية التي تشغل بال العديد من الشعوب حول العالم سلباً أو إيجابياً، لذا جاء اهتمام السودانيين إيجابياً لأنهم شعب محب للسلام و العيش في أمان، لكن جرت عليهم سنن التاريخ فأدخلتهم في حرب قاسية نتيجة تآمر دولي و إقليمي على بلادهم و ما كان له أن ينجح لولا أن وجد إسناداً سياسياً من بعض القوى الحزبية التي ظلت تتطلع لحكم البلاد دون تفويض.
لذلك لجأت هذه القوى في منتصف أبريل من العام الماضي إلى الانقلاب العسكري للاستيلاء على السلطة باستخدام ميليشيا الدعم السريع. هذا الواقع المؤسف الذي اعتبروه خياراً متقدماً كما قالت (مريم الصادق المهدي) نائب رئيس حزب الأمة القومي: “سوف نطور خياراتنا البديلة” مقابل من كانوا يعرقلون تنفيذ الاتفاق الإطاري و تنفيذ دستور المحامين الذي تمت خياطته ليحكم البلاد لسنين قادمة بالتماهي مع الرباعية الدولية التي لم يكن لها تفويض أممي أو إقليمي فقط تفويضها من الذين كانوا يحكمون البلاد في ذلك الحين. هكذا اجتمعوا و أخذوا ينسجون خيوط التآمر التي تمكّن تحالف الحرية و التغيير (قحت) من استلام السلطة في البلاد بدعم البعثة الأممية برئاسة (فولكر بيريتس).
هذه الاستراتيجية لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية بعيدة عنها، بل كانت تقودها بالرغم من أنها تحتفي بديمقراطيتها كما نحتفي معها بذلك، لكن للأسف لم تجتهد لدعم بلادنا لتعزيز الديمقراطية كي يستتب الأمن من خلال رفض هذا المخطط و العمل على دفع القيادة السياسية و العسكرية للذهاب لانتخابات يحدد بموجبها السودانيون من يحكمهم. ربما كان هذا القصور السياسي من الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس (جو بايدن) هو الذي جعل الأمور في بلادنا تتدحرج نحو الحرب التي توشك أن تبلغ عامها الثاني، و التي حدثت خلالها انتهاكات واسعة للمدنيين وشُرِّد خلالها آلاف السكان و تم الاغتصاب و القتل على أساس الهوية.
بل ربما غضت الطرف عن جرائم الدعم السريع و لم تساعد السودانيين على تصنيفه كمنظمة إرهابية، كذلك لم تساعد في منع تدفق السلاح من حلفاء هذه القوات الإقليميين. هذه الإجراءات حسب مراقبين لو استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية نفوذها كانت ستساعد السودانيين كثيراً في وقف الحرب. كذلك حين نجحت مع المملكة العربية السعودية في إنجاز اتفاق جدة للترتيبات الأمنية و الإنسانية الموقع في (11) مايو من العام الماضي بين الجيش و الدعم السريع المتمرد لأجل حقن دماء السودانيين و استعادة الأمن و السلام لم تضغط على القوات المتمردة و داعميها الإقليميين كما يجب لتنفيذ الاتفاق.
بحسب مراقبين لم تكن الإدارة الأمريكية السابق حريصة على أمن السودانيين رغم الحديث عن تعزيز الديمقراطية و حقوق الإنسان كل تلك المرارات و الخذلان من إدارة (بايدن) التي تمثل الديمقراطيين يجعل السودانيين يرحبون بإدارة الجمهورين الجديدة بقيادة الرئيس (دونالد ترامب)، هذا لأنه على الأقل ربما يمضي في اتجاه مختلف عن سابقه في العمل على استعادة الأمن و تحقيق السلام، بالنظر إلى موقف الجمهوريين السابق داخل الكونغرس الأمريكي الذين كانوا يميلون لتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية. كذلك في ظل الرئيس ترامب من المتوقع أن يحدث تقارب مع روسيا التي تعتبر حليفة للحكومة السودانية.
كذلك من المهم أن نأخذ في الاعتبار ما أعلنه (ترامب) في خطاب الفوز اليوم أنه سوف يعمل على إيقاف الحروب و لن يبدأها، و أنه سيحقق نجاحاً في ذلك كما كانت فترة رئاسته الأولى، هذه الكلمات الواضحة و الوعود التي لها قيمة سياسية و أخلاقية كبيرة تجعل السودانيون يستبشرون خيراً بقدوم ساكن البيت الأبيض الجديد، متوقعون أن يتعامل مع السلام بجدية و لن يكون مجرد حديث لاستمالة الرأي العام الإقليمي و الدولي، هذا كما يبدو ما دفع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان عبر تغريدة في منصة (إكس) يهني رئيس الولايات المتحدة الأمريكية متمنياً علاقات جيدة و مستقبلية بين البلدين.
على الرغم من التحديات يظل السودانيين متفائلون بمستقبل أفضل، و يأملون في أن تلعب الولايات المتحدة دوراً فعالاً في دعم استقرار بلادهم و تحقيق السلام و التنمية رغم تأكيد مراقبون على أن السياسة الخارجية الأمريكية ثابتة لا تتغير، و أنها تقدم مصالحها على مصالح الشعوب، مع ذلك دعونا نتفاءل فالعالم بأسره بات يستشعر الخطر و أهمية التعايش السلمي و تبادل المنافع و المصالح وفقاً لما يحفظ للجميع سيادتهم على بلدانهم، و نحن في السودان لسنا استثناء في حرصنا على أن تظل بلادنا حرة ذات سيادة تعزز مصالحها مع الآخرين وفقاً لما يحقق رفاهية شعبنا و يضمن السلام و استعادة الأمن.
بالمقابل، سنظل ندافع عن بلادنا لتأكيد حريتنا و إرادتنا التي لا تقبل المساومة أو الانكسار. هذا هو وجه الحقيقة الذي يبدي نظرة السودانيين لنتائج الانتخابات الأمريكية نتطلع من خلاله إلى التأكيد على أهمية النظر لرغبة السودانيين في السلام بما يحفظ بلادهم و يحقق أمنهم بعيداً عن الأطماع الإقليمية و الدولية.
دمتم بخير وعافية .
– الأربعاء 6 نوفمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com