منذ أن اشتعلت حرب السودان التي بدأتها قوات الدعم السريع المتمردة بانقلاب فاشل مدعوم إقليمياً و مسنود من بعض القوى السياسية السودانية في منتصف أبريل من العام الماضي تحت لافتة محاربة (الفلول) وتمكين الديمقراطية و تجاوز دولة (56) -في إشارة لأنظمة الحكوم عقب استقلال السودان- ظللنا في الوسط الإعلامي ندقق في هذه المفردات و المفاهيم و التعبيرات، و نحاول مقاربتها باتجاهات الحرب و تطوراتها. الشاهد أنه سرعان ما سقطت هذه الادعاءات أمام سلوك و ممارسات هذه القوات المتمردة الباطش تجاه أهل السودان المدنيين، و تكشّف لنا بعد ذلك أن شعارات الحرب هذه كانت جزءاً من آلة التضليل الإعلامي الكذوب التي ابتدعها التمرد و ظلت تعمل بصدق عجيب لا يتوفر حتى عند الصادقين أنفسهم! كما يقول أستاذنا ضياء الدين بلال و ذلك سوف نأتي له في وقت آخر، لكن دعونا الآن نمضي تجاه فكرة المقال، من هم (الفلول) الذين حسموا المعركة و انتصروا لدولتهم؟ و هنا اسمحوا لي أن أعرّف هذا المصطلح بالصورة التي كشفت عنها تمظهرات هذه الحرب منذ اندلاعها خلال الشهور الماضية التي تفشي فيها القمع و الاستبداد و الموت بلا رحمة حتى لا يُجيّره البعض حسب مظانّه؛ حيث أن القوات المتمردة كانت تريده توصيفاً جامعاً مانعاً حصرياً على أنصار الرئيس المعزول عمر البشير الذي انقلب عليه نُصراؤُه و أسقطوه قبل أن يُسقطه الشارع في خذلان لا يليق بمؤسسة الإسلاميين التي ظلت تباهي بتماسكها أمام تحديات الاختراق و مؤسسية قراراتها التنظيمية.
هذا المصطلح بين ليلة و ضحاها شمل كل أهل السودان بلا استثناء، فقد أصبح أشبه بقاطرة حملت الجميع، أو مظلة أو خيمة وسعت جميع أهل السودان بكل مكوناتهم، إلا أولئك الذين ساندوا التمرد و شكّلوا له حاضنة سياسية و ما يزالون. هذا المصطلح يشمل كل الناس قاطبة، الذين صمدوا و واجهوا آلة القمع و الاستبداد و وقفوا أمام هؤلاء التتار الجدد، حفدة مغول الشتات، هؤلاء المستعمرون الذين مارسوا جهادية جديدة دون تدبر أو اكتراث، بعثوا أسوأ فترات تاريخ السودان من جديد، تلك الفترات التي ظلت شاخصة بكل آلامها و لم يطوِها النسيان رغم اجتهاد الكتاب و المثقفين الذين عملوا على تجاوزها حيث ظلت الذاكرة يملؤها الأسى وؤالنفس فيها شيء من حتّى.
كل أهل السودان بين يوم و ليلة أصبحوا سواء في هذه الحرب، ربما تفاوتوا في درجات الأذى و مقدار الألم ، بالتأكيد إلا الداعمين لهذه القوات الذين ظلوا في حيادهم الكذوب و هم يناصروها في الخفاء كانوا هم المنتظرين لنعوش السودانيين على الضفة الأخرى.
بالرغم من ذلك دعونا نفاخر بشعبنا (الفلول) بعد أن انتهكت حرماته، و نهبت ثرواته، و تم تهجيرُه و بِيعت حرائرُه في سوق الرقّ في أبشع ظاهرة استعباد شهدها العصر الحديث أيقظت ضمير الإنسانية و أظهرت فظاعة الحرب في أعلى تمثلاتها و ويلاتها. ها هو ينهض من جديد بعد أن حُرم هؤلاء المظلومون المساقون بالسياط أبسط مقومات الحياة و العيش الكريم، فضلاً عن العلاج الشافي و التعليم الرصين،لأنهم فلول، نعم جميعنا أصبحنا فلول في نظر هؤلاء المغول فقد تساوينا في نظرهم في الجُرم و القصاص، هكذا كان وصف فلول جلباباً على مقاس الجميع بلا استثناء، لم يتركوا لنا حتى مساحة للتفاوض أو الإنكار أو المساومة مع أن قادتهم كانوا أكبر الفلول حسب تعريفهم و فهمهم و ظنونهم العمياء.
التحية لكم ،شعبنا الكريم، و أنتم تصطفّون ضمن مواكب الفلول الذي بدأ زحفه المقدس من حيث لم يكونوا يتوقعون أو يحتسبون، في ذلك اليوم الذي أطلق قائد الجيش رأس الدولة نداء الواجب أن هُبُّوا إلي نُصرة بلادكم، حينها وُلدت المقاومة الشعبية حين تداعي الشباب و الشيوخ و النساء لنصرة الوطن و القيم و حماية الأرض و العرض، إلى أن تبدل الحال قريباً جداً إلى النصر المبين أيها الفلول، سوف تكون العودة إلى البيوت التي هجر أهلها على عجل إلى الحواري و المدن والطرقات. (كلها أيام و تعدي و البيت العامر بالضيفان، حاترجع من تاني البسمة لوطنا السودان كل الآلام تصبح ذكرى بالكلمة الطيبة تحيا الأوطان). أيها الفلول العائدون مع الظلام من الحقول، فإنكم كما قال محي الدين فارس: “أسراب من الضحايا… الكادحون… العائدون مع الظلام من المصانع و الحقول و المتاجر و المدارس… ملأوا الطريق!! عيونهم مجروحة الأغوار زابلة البريق !! يتهامسون و يهمهمون؛ مثقلون بالهموم؛ والجرح الأليم” نقول عند العودة تنتظرهم البشريات و النصر المبين نعم أنتم الشعب الكادح الذي لا يعرف الخنوع أو الانكسار.
أيها الفلول، هنيئاً لكم بهذه (الفلولية) الصامدة في كبرياء، الباذخة في مهابة ويقين لا يعرف المواربة أو أنصاف الحلول، هنيئاً لكم هذا النصر الذي تلوح بشائره و يرسم تفاصيله رويداً رويداً، جيشكم الوطني العظيم الذي قدم الشهيد تلو الشهيد دون أن تنكسر له إرادة أو تلين له قناة، فإنكم أيها الفلول أثبتم أنكم شعب يأبى الخذلان أو الخنوع، و لا يعرف الحياة الملتبسة بالمفردات الكذوب. لذلك قلناها وجهاً للحقيقة: من يعرف عناد السودانيين و إصرارهم على الصمود و عدم الانكسار لن يجرؤ على الدخول معهم في مواجهة مفتوحة الاحتمالات غير مأمونة العواقب أو النهايات.
السودانيون الذين نعرفهم و تعرفون، يمكنك أن تعتلي ظهورهم بكلمة طيبة و قليل من الاحترام، لكن لن تستطيع أن تنتزع منهم ابتسامة و أنت تهينهم، فضلاً عن أن تنتهك أعراضهم أو تتعدى عليهم و تسرقهم و تشردهم من مأمنهم من بيوتهم، حتى لو كانت تلك البيوت (راكوبة) مسقوفة بالحصير و بها (عنقريب هبابي) و (زير بلا نقاع). من يفهم طبيعة السودانيين لا يجرؤ على نزالهم؛ إنهم يعاندون الحياة، و يتكابرون على الجراح لذلك لن يفاوضوا،وإن فاوضوا، سيكون إتفاق جدة الموقع في (11 مايو) من العام الماضي أدنى سقوفاتهم، لأنه ببساطة يضمن لهم مغادرة التمرد حياتهم للأبد بأشخاصه و شخوصه و كل ابتزازه و استعباده.
إنهم هكذا أهلي و عشيرتي أهل السودان، لو أرادوا حربًا فإنهم يمضون فيها إلى نهاياتها بلا خوف أو حسابات، وإن أرادوا سِلماً فلا يرضُون أيضاً إلا بسلام أبلج لا يُعيدهم إلى الحرب من جديد، إنهم لا يعرفون أنصاف الحلول أو الاحتمالات الرِّخوَة، لا يعرفون نصف انتصار أو نصف هزيمة، كما هم دائماً يستدعون الذاكرة الشعبية بأمثالها النضرة : “الني للنار”. لذلك الآن يمكننا القول إن الفلول ينتصرون لدولتهم في عز و عزيمة و كبرياء. تذكروا أيها الأحبة الفلول كل الشعب و ليس بعض الشعب ،كما أراد التمرد، و كما كانوا يريدون أن تمضي بذلك أقدار التاريخ.
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 25/سبتمبر 2024
Shglawi55@gmail.com