بقلم إبراهيم شقلاوي.
ظلت فكرة الإدارة المشتركة لسد النهضة بين إثيوبيا دولة (منبع) و السودان و مصر دولتي (مصب) من الأفكار المطروحة في جميع المفاوضات بين الدول الثلاث، ذلك تجنباً لأي أضرار محتملة قد تؤثر على شعوب السودان ومصر، إذ أن الإتفاق الذي عرف بإعلان المبادئ الذي وقعت عليه الدول الثلاث في العام (2015 م) في الخرطوم اعتمد على فرضية التعاون على أساس المصالح المشتركة و حسن النوايا و أقر مبدأ المكاسب للجميع وفقا لمبادئ القانون الدولي، حينها أعتبر ذلك أكبر مكسب من جهة خفض التوتر بين الجيران و وضع الأمر في المسار الصحيح حيث يتطلع الجميع إلى تكامل الأدوار من خلال الاستفادة وتكامل الفرص عبر التحولات الإيجابية المنتظرة التي يمكن أن يحدثها سد النهضة. وحسب خبراء فإن حجم مخزون بحيرة سد النهضة حاليا يبلغ (35 مليار م3) لذلك متوقع أن يبدأ التخزين الخامس في نهاية يوليو الحالي والذي سيستمر حتى العاشر من سبتمبر المقبل بكمية تقدر بحوالي (23 مليار م3) و يقف عند منسوب (640 م) فوق سطح البحر. هذا المنسوب بجانب أنه قد يكون مهدداً للسدود السودانية في جانب إدارة التشغيل كذلك بإمكانه التأثير في الوقت الراهن على حصة المياه للسودان ومصر في ظل ظروف متوقعة تعاني منها المنطقة من شح الأمطار. لذلك لابد من الإسراع في الوصول لتفاهمات ملزمة مع الجانب الإثيوبي قبل الذهاب إلى الجانب القانوني المتعلق باتفاقايات المياه التي توجب عدم الأضرار بالمصالح الحيوية للبلدان و الشعوب .. و قبل الملء الخامس.. الذي كشفت عنه صور حديثة التقطتها الأقمار الصناعية عن استعدادات إثيوبية مكثفة تجري حول السد لفتح البوابات الغربية .. و ترك البوابات الشرقة للتصريف كما حدث خلال الملء الرابع حيث تم في تلك الفترة تصريف 50 مليون متر مكعب من المياه .الملاحظ أن الجانب الإثيوبي يمضي حسب خطته المرسومة.. دون الاهتمام كثيرا بإعلان المبادي الذي أشرنا له سابقا في صدر المقال.. و لم يبدي قدرا من المرونة في المفاوضات التي ظلت تجري بين الأطراف خلال السنوات الماضية و التي ظلت تتطلع لإقرار إدارة مشتركة للنهضة تمكن من التحكم في تشغيل السدود في الحد الأدنى.. كما تجري التحوطات اللازمة خلال فترات الجفاف و الجفاف الممتد .هذا الواقع المعقد ربما يقود السودان و مصر إلى تنسيق أدوارهم لتفادي أي أضرار محتملة من خلال المضي إلى الأمم المتحدة لتقديم شكوى عاجلة لدى مجلس الأمن لحفظ مصالح البلدين وفقا للقانون الدولي و لا الإنساني من خلال خطة قانونية مشتركة يعدها فريق مختص من الطرفين يمكن عبرها مواجهة إثيوبيا لوقف ممارساتها المتعنتة في إدارة السد مستقبلاً و التي تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي و خاصة قواعد إدارة المياه و التي تهدد حياة الملايين في السودان و مصر، هذا فضلا عن عدم التزام الجانب الإثيوبي بإعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، بجانب استغلال إثيوبيا من قبل لعدم الاستقرار السياسي في مصر حيث مضت في بناء السد دون تفاهمات مسبقة، و كذلك الآن تستغل عدم الاستقرار السياسي في السودان و انشغاله بالحرب للمضي قدماً في إجراءات الملء الآحادية. ذلك الأمر يجعل السودان في وضع حرج في جانب وفورات المياه في حال صحت القراءات المناخية المتعلقة بشح الأمطار هذا الموسم بجانب مايعانيه السودان من نقص في الغذاء الذي أعلنت عنه المنظمة الدولية، بجانب تغيرات مناخية محتملة وفقا للمؤاشرات المعلنة المرتبطة بالجفاف في المنطقة الذي يودي بدوره الي فقدان السيطرة على مصير الاقتصاد السوداني الذي يعاني من الإنهاك و التراجع و قلة الموارد بسبب الحرب التي تجري الآن في معظم الأراضي الزراعية المروية و المطرية. من المعلوم أن الزراعة في السودان تنقسم إلى أنواع رئيسية وفقًا لنوع الريّ أو أسلوب الإنتاج؛ الزراعة المطرية التي تعتمد على سقوط الأمطار، و الزراعة المروية الآلية التي تعتمد على الري الصناعي من نهر النيل وروافده وتمثل (45%) و الزراعة التقليدية في البوادي و أطراف القرى و تمثل (55%) وتشكل النسبة الأكبر من انتاج الحبوب في السودان. الآن (60٪) تقريبا من هذه المساحات بشقيها تعاني من ضعف التمويل و عدم الاستقرار الأمني بسبب النزاع المسلح الذي يقوده الجيش السوداني مع قوات الدعم السريع التي وصفها الجيش بأنها متمردة تتعدى على المواطنين في مناطق الإنتاج الزراعي وتسلب ممتلكاتهم، هذا بالإضافة إلى التأثير المحتمل على تشغيل السدود السودانية في عمليات الري جراء الملء الخامس لسد النهضة. كذلك يؤثر سد النهضة على مصر التي تعتبر المصنفة ضمن أكثر دول العالم في جانب الفقر المائي و التي بات السد يشكل تهديداً لإمداداتها من المياه. عليه من الضرورة الوصول إلى تفاهمات و اتفاق ملزم يحفظ الأمن المائي للسودان ومصر و ويحقق مصالح الدول الثلاث. كذلك تجدر الإشارة إلى بيان القمة العربية الـ (33) المنعقدة في البحرين الذي أكد أن الأمن المائي العربي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي خاصة لكل من جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان، كما تم التشديد على رفض أي عمل أو إجراء يمس بحقوقهما في مياه النيل، حيث عد المراقبون هذه الإشارة الواضحة تمهد إلى إمكانية ذهاب السودان ومصر إلى التصعيد الدولي في حال تم المساس بمصالحهم في مياه النيل في إشارة إلى الخطوات الآحادية التي تمضي بها إثيوبيا من خلال عدم الالتزام بقواعد ملء متفق عليها بين الدول الثلاث. عليه فإن الملء الخامس لسد النهضة يوجب تدخل المجتمع الدولي لأعمال القانون أو على الأقل لإحداث مقاربة بين الدول الثلاث تمكن الجميع من المحافظة على المصالح و عدم الإضرار بالشعوب أو المنشءات.
.1/يوليو/2024م