أطلس المياه في السودان يعتبر بنك للمعلومات المتعلقة باستراتيجية مياه الشرب التي تعتمد توفير المياه للريف السوداني عبر قاعدة معلومات و بيانات وافية عن مصادر مياه الشرب المختلفة سدود، حفائر، آبار جوفية… هذا البرنامج المهم يتم تطويره وتحديثه بصورة سنوية من خلال الرصد و التتبع والقياس لمناسيب مياه الأمطار بجميع ولايات السودان، حيث يعتبر (الأطلس المائي) الذي يستهدف إجراء مسح معلوماتي شامل لمصادر مياه الشرب بولايات السودان كافة يمثل مرجعاً محكماً و أداة تخطيطية جيدة لتنفيذ المشروعات المائية؛ حيث يعمل الأطلس على إستكشاف ورصد و توزيع مصادر مياه الشرب جغرافياً، كما يمكّن العاملين في المجال من مقارنة الإنتاج المائي للمصادر المائية بصورة دورية من خلال أعداد السكان، فضلاً عن مدى كفاية مياه المصادر و جودتها لاستهلاك الإنسان والحيوان والزراعة.
كما تابعنا شهد خريف هذا العام معدلات عالية من الأمطار و ذلك من واقع التغيرات المناخية التي شملت مناطق واسعة من القارة الأفريقية الشمالية، أما في السودان كان تأثير خريف هذا العام شاملاً كل الولايات بلا استثناء لا سيما الولايات الشمالية التي حدثت فيها فيضانات غير مسبوقة غطت مناطق عدة، مثال ذلك في الولاية الشمالية وادي حلفا منطقة عبري قرية (سركيمتو) وماجاورها، كذلك محلية مروي منطقة تنقاسي( الرويس) التي تأثرت بسيول من خور (أبو دوم)، كذلك منطقة(الغابة) التي شهدت جريان الخيران الموسمية، أيضاً في ولاية نهر النيل حدث جريان للسيول في أبو حمد و (وادي السلم)، و وادي (الصقير) غرب (الباوقة)، و وادي (أبوحوية) ب(الكمر) ريفي ود حامد محلية المتمة و منطقة ( أبو دليق) شمال شرق بحري وشرق النيل بولاية الخرطوم. أحدثت هذه السيول آثاراً كارثية على السكان. كذلك (وادي كجا) الذي يعبر مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور إلى تشاد الذي يصب في بحيرة (شاري) بتشاد، كل هذه الوديان التي أمتلات عن آخرها بالمياه أثّر جريانها على عدد من المناطق والقرى السكنية نتج عنه انهيار للمباني، وتشريد للسكان المحليين، وتلف للثروة الزراعية والحيوانية، هذا بجانب الأمراض البيئية وظهور الوبائيات.
كل ذلك كان بالأماكن تلافيه أو التقليل من هذه المخاطر و الخسائر في حال تمكّنت جهات الاختصاص في الدولة بإجراء التحوّطات اللازمة من خلال الدراسة المفصلة التي تشمل الجوانب الهيدرلوجية والمحددات التصميمية و ذلك بتحديث أطلس المياه، بجانب تحديث المعلومات الأخرى، وإصدار النشرات المتخصصة للتوعية بالمخاطر المحتملة بجانب تقديم الحلول عبر المشروعات المقترحة التي تأخذ في الاعتبار التكوينات الجيولوجية والخصائص المورفولوجية للسهول والوديان لفترات قادمة، لكن للأسف تعطلت كل هذه الأعمال بسبب اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل من العام الماضي جراء الانقلاب العسكري الذي قامت به قوات الدعم السريع المتمردة في محاولة للسيطرة على السلطة، حيث نتج عن ذلك تعطيل النشاط التنموي قاطبة، والنشاط الإداري للدولة، كذلك نشاط المنظمات الدولية و الانسانية التي ظلّت تمول مثل هذه المشروعات ضمن مشروعات الألفية التنموية للعام (2030)م، كما نتج عن الحرب أيضا تعطيل تحديث أطلس المياه الذي كان بالإمكان أن يسهل التعامل مع مرتكزات الإدارة المتكاملة لموارد المياه والتي تشمل التعامل مع الفيضان و السيول. و إن كان لابد للجهات المعنية في وزارة الري السودانية عبر أذرعها وحدة تنفيذ السدود أو الإدارة العامة للمياه الجوفية والوديان من ضرورة أخذ التحوطات اللازمة للإيرادات المائية الزائدة عن سعات القطاعات الهيدروليكية للأنهار والخيران والأودية وكافة المجاري المائية، خاصة بعد ظاهرة التغيُّر المناخي و استخدام النماذج الرياضية والذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالمخاطر. لذلك كان يجب أن تضطلع الوزارة بمسؤولياتها رغم ظروف الحرب بأن تقوم بمراجعة كل العبارات و الجسور، و كل الأعمال الهندسية المرتبطة بالمنشآت المائية كذلك القيام بإصدار النشرات التحذيرية للمواطنين، فالواقع السوداني المرتبط بفصل الخريف كما نعلم دائماً ما يتجدّد خلال موسم الأمطار والفيضانات والسيول، لذلك يظل من الأهمية أن يتم تحويل كل هذه الوفورات من المياه إلى المناطق العطش للاستفادة منها وأن لا تترك للتبخر والذهاب هدراً فكما نعلم الريف السوداني يعاني من شح المياه وانعدامها خلال موسم الصيف لذلك من المهم إعمال العقول و قراءة المستقبل علي الأقل الاستفادة من هذه الموارد الموسمية عبر سدود حصاد المياه التي تم رصدها عبر أطلس المياه حتى تتمكن البلاد من زيادة الرقعة الزراعية خاصة هناك حديث حسب نشرات إقليمية و دولية و مصادر إعلامية عن زيادة كبيرة في معدلات هطول الأمطار في كل السودان خلال هذا العام و الأعوام المقبلة، لذلك لابد من التخطيط للاستفادة القصوى من هذا التغير المناخي. كما أن هناك أكثر من عشرة مليون فدان من الأراضي الزراعية بكر تمثل سهول عالية الخصوبة بجانب مناخ ملائم، لذلك علينا رغم الحرب أن نسارع في استغلال مواردنا المائية لحفظ حقوقنا الأصيلة و نتذكر أن هناك (إتفاقية عنتيبي) التي ربما تحدث تغييرات كبيرة في حال تم فرضها كأمر واقع كما فرض قبلها (سد النهضة)، لذلك على بلادنا السودان أن يستفيد من ثروته المائية إذ أنه لا يستفيد حاليا إلا من (10٪) من مياه الأمطار وباقي المياه تفقد نتيجة الهدر و التبخر أو التسرّب.
عليه يظل وجه الحقيقة في أهمية الاستفادة من هذه المياه فى إقامة مشروعات التنمية الزراعية والاجتماعية وتنمية الريف، فإن السيول و الفيضانات خلال هذا الموسم كشفت عن مورد مائي ضخم يجب أن يكون حافزاً للاستقرار والتوسع الزراعي و الإنتاج الحيواني عليه لا بد من النهوض في زمن الحرب حتى لا نسمح لها بتعطيل تحديث استراتيجية أطلس المياه أو تعطيل التنمية
.دمتم بخير وعافية .؛
السبت 17/ أغسطس/ 2024 م Shglawi55@gmail.com