اختتمت أمس الاثنين أعمال القمة العربية الإسلامية غير العادية في عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حيث ناقشت التطورات التي يشهدها قطاع غزة و العمليات العسكرية المتصاعدة في لبنان في ضوء العدوان الإسرائيلي الغاشم و ما نجم عنه من تداعيات إنسانية و من تهديد باتساع نطاق الصراع إلى حرب إقليمية.
مضت القمة في هذا الجانب بصورة جيدة، لكن فيما يخص مجريات الحرب في السودان فقد وصفت القمة بأنها مخيبة لآمال السودانيين حيث لم تُدرج قضية السودان ضمن أولويات التداول. كان السودانيون يتوقعون أن تحظى قضية الحرب في بلادهم التي تشنها مليشيا الدعم السريع بالاهتمام و التضامن من قبل الدول العربية و الإسلامية خاصة بعد الانتهاكات الواسعة التي شهدتها الولايات التي دخلتها المليشيا، خصوصاً في الخرطوم و دارفور و ولاية الجزيرة حيث ارتفع عدد القتلى في مدينة (الهلالية) و القرى المجاورة يوم انعقاد القمة إلى 350() من النساء و الأطفال و العجزة جراء الحصار الذي تفرضه المليشيا على المدنيين إلى جانب إطلاق النار المباشر على السكان.
لكن كما يبدو أن تعيين وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف الذي تزامن مع انعقاد القمة قد كان له تأثيراً سلبياً على عدم التحضير الجيد من قبل الخارجية السودانية في الاجتماع الوزاري الذي سبق انعقاد القمة، حيث كان من المنتظر أن يتم إدراج أجندة متعلقة بالسودان لتسليط الضوء على قضية الحرب و معاناة المدنيين أو علي الأقل ضمن البيان الختامي الذي خلا من الاشارة للسودان. وبالتالي كان السودانيون يتوقعون تضامناً ودعماً من الدول العربية و الإسلامية فيما يتعلق بالانتهاكات التي ترتكبها مليشيات الدعم السريع و تداعياتها على السلم و الاستقرار في المنطقة.
على الرغم من هذا الإخفاق المخيب للآمال إلا أن خطاب رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان جاء وافياً و قد حرص علي المشاركة رغم مأساة البلاد و في ذلك رسالة جيدة في بريد القمة و العالم، حيث عبّر عن معاناة السودانيين، و أشاد بدور المملكة العربية السعودية في دعم قضايا الأمة العربية والإسلامية و تأييدها للقضية الفلسطينية و عودة الجولان السوري. كما أكد على أهمية إدانة ممارسات مليشيا الدعم السريع التي تهدف إلى تدمير الدولة السودانية و تجويع و تشريد شعب السودان في تحدٍ صارخ للقانون الدولي الإنساني و المواثيق و الأعراف الدولية، و ارتكاب جرائم أكثر خطورة من جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة و لبنان. كما أكد للقمة أن شعب السودان العظيم بتاريخه و حضارته و بدعم و عون أشقائه و أصدقائه قادر على الخروج إلى بر الأمان.
تعكس هذه القمة بالضرورة التزام الدول العربية و الإسلامية بالبحث عن حلول شاملة ناجعة و مستدامة للأزمات في المنطقة في إطار السعي لتحقيق السلام و العدالة و إنصاف الشعوب المتضررة و تقديم الدعم اللازم لها حتى تتمكن من النهوض.
لذلك كان ينتظر أن تعمل القمة على تحقيق اختراقات حقيقية لصالح السودانيين، إلى جانب استقرار المنطقة و تجنب الانزلاق في حرب إقليمية. و لكن من الضروري بعد الآن أن تستمر جهود الخارجية السودانية في تنوير العالم عبر البعثات الدبلوماسية بمجريات الأحداث و تطورها في السودان ذلك هو السبيل المهم لإيصال صوت السودان للمجتمع الدولي لمنع تدفق السلاح للمليشيا عبر الداعمين الإقليميين و الدوليين ، وأن يعملوا على تحقيق التضامن و التعاون مع الدول العربية و الإسلامية لحل مشاكل السودان و لتحقيق السلام و استعادة الأمن و مجابهة التحديات.
أما علي صعيد اللقاءات و المباحثات الثنائية كان أهم اجتماعات الرئيس عبد الفتاح البرهان مع ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان على هامش القمة. قد بحث الاجتماع مسار العلاقات الثنائية بين السودان و المملكة العربية السعودية و دعم آفاق التعاون المشترك بين البلدين، أطلع البرهان ولي العهد السعودي على تطورات الأوضاع في السودان على خلفية تمرد مليشيا الدعم السريع على الدولة و مؤسساتها، و ما نجم عنه من انتهاكات و فظائع في حق المدنيين و تدمير المؤسسات و المنشآت الحيوية في البلاد. حيث أكد ولي العهد السعودي على وقوف المملكة بجانب السودان و دعمها لوحدتها و أمنها و استقرارها وسلامة أراضيها. و أكد على استعداد المملكة للمساعدة في إعادة بناء المؤسسات و المنشآت المتضررة و دعم الشعب السوداني في تحقيق الاستقرار و الأمن.
بالنظر إلى هذا اللقاء ، يظهر التزام كلا القائدين بتعزيز و تعميق العلاقات بين السودان و المملكة العربية السعودية و دعم الجهود الرامية لتحقيق السلام والاستقرار في السودان. و يعكس هذا الاجتماع الرغبة الحقيقية في تعزيز التعاون الثنائي و تحقيق المصالح المشتركة.
يرى مراقبون أن الاجتماع ربما بحث إمكانية العودة إلى منبر جدة بالنظر إلى ما أكدته المملكة سابقاً من أن على الأطراف الالتزام بما تم الاتفاق عليه في (11) مايو من العام الماضي. لذلك، و حسب ما نراه من وجه الحقيقة من الضروري أن تعمل الحكومة السودانية في القريب العاجل على ترتيب أولوياتها و إدراج قضية السودان في المحافل الدولية و في القمم القادمة، كما عليها أن تواصل في إجراءات إدانة الدول الضالعة في تمويل المليشيا و إطالة أمد الحرب و كذلك إدانة الأطراف التي تمثل إسناداً سياسياً و إعلامياً بما يبرر جرائمها ضد الشعب السوداني.
دمتم بخير و عافية.
الثلاثاء 12 نوفمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com