وجه الحقيقة… هل تضع مبادرة سلفاكير للسلام و استعادة الأمن حدّاً لمعاناة السودانيين؟! … إبراهيم شقلاوي
في ظل تعثّر جميع المبادرات الرامية لوقف الحرب في السودان و تطاول أمد الحرب، و عدم قدرة الوسطاء للضغط على متمردو الدعم السريع لتنفيذ إتفاق جدة للترتيبات الأمنية الموقّع في 11 مايو من العام الماضي، و عدم تقدم المبادرة المصرية خطوات جديدة نحو وقف الحرب و استعادة الأمن في السودان تطل مبادرة جديدة من الرئيس سلفاكير رئيس دولة جنوب السودان و التي لم تتضح بعد ملامحها أو ربما احتفظ الطرفان بتفاصيلها إلى حين الإعلان عنها، إلا أن الحديث عنها كمبادرة و ترحيب الحكومة السودانية ممثلة في فخامة الرئيس البرهان بها يفتح باب الأمل للسودانيين من جديد في وقف الحرب و استعادة السلام و الأمن على اعتبار أن جوبا لديها خصوصية في نفوس السودانيين إذ يرونها جزء من البيت السوداني الذي ما يزال هناك (نفاج) مفتوح على مصراعيه بين شعبي البلدين، كما أن جوبا سبق أن أنجزت في أكتوبر من العام (2020م) توقيع إتفاق السلام بين الحكومة السودانية و عدد من الحركات المسلحة لحل عقود من الصراعات في دارفور و جنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق و التي أدت إلى تشريد الملايين و وفاة مئات الآلاف.
لم يستبعد المراقبين أن يكون في جوبا مفاتيح الحل لإيقاف الحرب في السودان و ذلك لإعتبارات كثيرة تجعلها أكثر تأهيلاً من غيرها من العواصم في حال تدخلت لإحلال السلام في السودان باعتبار جوبا ليس لديها أجندة سياسية في حرب السودان، و لم تكن طرفا فيها و لم تكن جزء من المقدمات التي أوصلت السودان إلى الحرب، كما أنها تنظر للقوى السياسية السودانية جميعها بمنظار واحد لايختلف عندها القوى التقليدية أو القوى الحديثة التقدمية أو القوى الإسلامية، إذ أنها كانت في يوم من الأيام ضمن هذا النسيج الوطني الذي تعرف خباياه و أسراره جيداً، وتعرف كيف تدير خطاب متوازن بين جميع مكوناته لإيقاف الحرب و استعادة السلام.
بالنظر إلى ذلك أعلنت دولة جنوب السودان موافقة رئيس مجلس السيادة و قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على مبادرة الرئيس سلفا كير ميارديت للتوسط لحل النزاع في السودان، هذا و حسب موقع أخبار السودان فقد أجرى الرئيس البرهان مباحثات مشتركة مع سلفاكير في جوبا أمس الإثنين تناولت الوضع في السودان و اتفاقيات السلام المتجددة في دولة جنوب السودان، إضافة إلى ترتيبات استئناف تصدير النفط عبر الموانئ السودانية. و قال وزير الخارجية السوداني المكلف (حسين عوض) في تصريح صحفي إن البرهان و سلفا كير اتفقا على فتح ممرات إنسانية لنقل الإغاثة للمتضررين من الحرب في السودان من جنوب السودان إلى مدينة (كادوقلي) بولاية جنوب كردفان، هذه التفاهمات التي تمت بين الرئيس البرهان و الرئيس سلفاكير تؤكد أن هناك ثقة بين الطرفين تجعل جوبا مؤهلة في حال بدأت اتصال مع متمردي الدعم السريع للوصول إلى حلول ملزمة بوقف الحرب و الانتقال لليوم التالي.
كذلك رشح حديث خلال الفترة الماضية عن زيارة قام بها قائد ثاني التمرد عبد الرحيم دقلو إلى جوبا و مكث فيها يومان، كذلك من المهم أن نشير إلى أن جوبا قد بدأت تهييء نفسها للعب هذا الدور من خلال موقفها الحاسم و الواضح بتشديد منع إجراءات تهريب الوقود و الإمداد العسكري إلى داخل السودان عبر حدودها مع السودان.
أيضا هناك ملاحظات مهمة صاحبت زيارة البرهان لجوبا بالأمس، الرئيس البرهان كان مرتاحا للزيارة غير متوتر و لم يبدُ شارد الذهن بل كانت الإبتسامة تملأ وجهه، و هذا ربما لثقته في الرئيس سلفاكير لأن مثل هذه الزيارات من العادة يسبقها اتصال و إحاطة بالأجندة و تنسيق للمواقف، و قد ظهر ذلك في تفاصيل التغطية الإعلامية الواسعة التي صاحبت الزيارة. كذلك إذا نظرنا إلى طاولة الإجتماعات و طبيعة الوافدين نرى أن وفدي الدولتين الحاضرين للإجتماع كان معظمهم من القادة العسكريين و الأمنيين كأنما فعلاً بحثا أمر الحرب و الدور المحتمل في المستقبل القريب لجوبا.
عليه يظل وجه الحقيقة في أهمية الذهاب إلى أي مبادرة بقلب مفتوح و ذهن صافي بعيداً عن التأثيرات الاقليمية و الدولية طالما أنها تمضي تجاه حقن دماء السودانيين و استعادة الأمن و السلام و هذا بالتأكيد لا ينقص من عمليات الجيش السوداني الحاسمة في ميدان القتال لدحر التمرد و إستعادة الأمن و السلام.
دمتم بخير وعافية..
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com