وجه الحقيقية.. الخرطوم تنتقل لليوم التالي رغم أنف الحرب … بقلم إبراهيم شقلاوي
جاء في الأخبار أن بورتسودان تستضيف غداً ورشة إعادة إعمار ولاية الخرطوم تحت رعاية فخامة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني، و قال والي الخرطوم الأستاذ أحمد عثمان حمزة أن الورشة جرى الإعداد لها بعد صدور قرار تطوير نداء الخرطوم لإعانة المحتاجين المتأثرين من الحرب إلى برنامج شامل لإعادة الإعمار و التعافي، حيث عكف منسق البرنامج مع فريق عمل من المختصين بإجراء حصر أولي للمرافق التي تضررت من الحرب، عليه متوقع أن يحضر الورشة عدد من الوزراء و مديري الهيئات و الوحدات ذوي العلاقة بموضوعات الورشة، بالإضافة للخبراء و الشركات و رجال المال و الأعمال و الإعلاميين، سوف تناقش الورشة إعادة إعمار ولاية الخرطوم رغم أنف الحرب. كذلك تحديات الواقع و صناعة المستقبل بجانب الرؤية الاستراتيجية للولاية للإعمار النهوض و التعافي من الحرب.
يرى مراقبون أن الورشة ربما تأتي ضمن إطار التسويق السياسي أكثر من أنها بداية فعلية لعمليات إعادة الإعمار، خصوصاً أن الحرب ما زالت تدور رحاها في عدد من محليات الولاية، لكن من المعلومات أن الإعلان عن عمليات الإعمار و حجم الإنفاق المتوقع يمثل جزء من التحرك نحو اليوم التالي و الذي لا يُعاب فيه المناورة السياسية لاستقطاب داعمين لأمر وقف الحرب و إحلال السلام و بسط الأمن. هكذا يمكن أن نقرأ هذه الورشة في هذا السياق إذ أنه من المتوقع الإعلان عن خطة محكمة و واسعة تشمل في أولى مراحلها إعادة إعمار الخرطوم، و من ثم إعادة إعمار كل السودان و هذه بالنظر إلى حجم الكارثة التي خلفتها الحرب في السودان -التي اندلعت في منتصف أبريل من العام الماضي بواسطة قوات الدعم السريع المتمردة المدعومة إقليميًا- ، في جانب انهيار البنية التحتية و التي تعتبر مبالغ طائلة و كلفة مالية عالية سوف تكون محفزة لدخول فاعلين جدد حتى يكون لهم نصيب من كعكة إعادة الإعمار وربما حرمان آخرين، فقد ظلت التجارب في عمليات إعادة الإعمار على المستوى الإقليمي تؤكّد أن ثمة من ينتظر صمت المدافع و سكوت الرصاص ليحمل حقائبه و خططه الاستثمارية و يتقدّم بمشاريعه الجاذبة المستدامة.
كما نعلم أن الحروب هي بالأساس تمثل الوجه الخفي للاقتصاد، لذلك يظل إعادة الإعمار هو الوجه الآخر للحرب من خلال الصراع حول الفوز بفرص الاستثمار على مستوى الدول و الشركات و حتى الأفراد خصوصاً في حالتنا السودانية التي تملك فيها الدولة العديد من الموارد الاقتصادية و الضمانات التي تبحث عنها الدول الصديقة و الشركات الكبرى و هذا ما يدفعنا لطرح سؤال مهم: ما هي الدول و الشركات المسموح لها بالمشاركة في إعادة إعمار مادمرته الحرب؟ و كيف ستوزع الكعكة على هذه الشركات و الدول؟ و إلى أي مدى سوف تساهم هذه الدول في الدفع السياسي و العسكري الذي يمكّن من إنهاء هذه الحرب و تحقيق السلام و إعادة الأمن؟ كذلك من المهم أن نعلم أن إعادة الإعمار تحتاج لوقت طويل، لذلك من المهم أن يكون هناك إتفاق حول الفترة الزمنية و كافة الإستحقاقات المتعلقة بإعادة الإعمار و إعادة بناء ولاية الخرطوم و كافة السودان من بعد ذلك، و أن يتم ترتيب ذلك وفقاً للأولويات. كذلك من المهم الانتباه لتقديرات كلفة الحرب و من بعد ذلك كلفة إعادة الإعمار، و هذا ما يجعلنا نؤكّد على سؤال أساسي كيف تؤثّر الاعتبارات الجيوسياسية على استخدام مواردنا الاقتصادية في إعادة الإعمار؟ فهذه من العوامل المهمة التي تحدّد وجهة المساعدات أو القروض أو الاستثمارات تماشيًا مع أهدافنا القومية و مواءمتها مع أهداف القوى الإقليمية و الدولية التي تبحث عن مشاركة ضمن شركات إعادة الإعمار دون أن يشكّل إعادة إعمار بلادنا بعد الحرب فصلاً جديداً من فصول التنافس بين مختلف الأطراف الفاعلة المحلية و الإقليمية و الدولية، لهذا السبب فإن معالم مشهد ما بعد الحرب في كل دولة تحدده التحالفات الاستراتيجية و المصالح المشتركة و التنافس الذي ينطوي على ذلك.
من خلال هذا المنظور متعدد الأبعاد يمكن فهم العلاقة القائمة بين إعادة الإعمار بعد الحرب و موازين القوى الدولية و الإقليمية التي بإمكانها المساعدة في وقف الحرب و تحقيق السلام و الأمن ومن ثم الإنتقال لليوم التالي. كذلك من المهم الإنتباه الي أن هناك شروط أساسية يجب توفّرها حتى تمضي عمليات إعادة الإعمار بخُطي سلسلة مدروسة: أولاً: أهمية توافر الموارد الاقتصادية لإعادة الإعمار وهذه كما أشرنا يمكن الاعتماد فيها على الموارد المكتنزة مثل الذهب، و البترول، و الزراعة، و الثروة الحيوانية و الموانيء، و هي موارد مالية ضخمة و مهمة يمكن أن يحدث استغلالها عبر شراكات منتجة فارق كبير في تسريع إعادة الإعمار. ثانياً: الطريقة التي تنتهي بها الحرب بمعني أن الحسم العسكري و الفرص المتاحة بعده في الإعمار باشتراك آخرين كاستحقاق يختلف كثيرا من إنهائها عبر التفاوض الذي ربما يجعل من الملزم إعطاء الوسطاء النصيب الأكبر في (كيكة) إعادة الإعمار. ثالثاً: وجود أو غياب عملية سياسية على الصعيد الوطني أو الإقليمي ذلك أيضاً له تأثير مباشر على فرص إعادة الإعمار لذلك من المهم وجود العملية السياسية و الوطنية الداخلية التي تشرك الجميع دون استثناء. رابعاً أهمية وجود هياكل اقتصادية فاعلة و راسخة تستطيع إدارة عمليات الإعمار و فرص الاقتصاد بما يمكّن من القيام بكافة عمليات التنسيق مع الأطراف الفاعلة أو تمويل عمليات الإعمار تمويلاً مباشراً. خامساً: -و هذا شرط مهم- مدى التفاعل المجتمعي مع عمليات الإعمار؛ دعمها و الاحتفاء بها، هذا بجانب أهمية أن تعبّر عملية إعادة الإعمار عن الهوية الوطنية و القومية للبلد كما تعبر عن المشروع الوطني الجامع لكل أهل السودان خصوصاً في حالتنا هذه التي يظل فيها من المهم إبراز الممسكات الوطنية و إبراز الهوية الثقافية المعبرة عن جميع أهل السودان. كذلك من المهم في عمليات إعادة الإعمار التركيز على الإرث المؤسسي و علاقات الدولة السياسية و الاجتماعية، يقول الخبراء في هذا الجانب كل دقيقة تقضيها في التخطيط فأنت توفر عشر دقائق في التنفيذ لذلك من المهم أن نجتهد في وضع الخطط الإستراتيجية التي تبرز النقاط الهامة المراد الوصول له .بجانب أهمية توفر آليات الحلول، قبل ذلك لا بد من قراءة متعمقة عاجلة لمشهد الواقع الراهن حتى تنطلق الخطط على أساس علمي متين من خلال ترتيب الأولويات: ماذا نريد؟ من أين نبدأ؟ و كيف و متى نبدأ الإعمار؟ كذلك من الأهمية استدامة التنمية بوضع إستراتيجيات قصيرة ومتوسطة و طويلة المدى؛ قصيرة المدي ترتبط بالقضايا و المهمات الضرورية و المستعجلة بحصرها و البدء في تنفيذها، متوسطة المدى التي ترتبط مع نهاية الحرب و بداية عمليات العودة و الاستقرار، طويلة المدى تطوير موارد و آليات الاقتصاد السوداني حتي تقف الدولة علي أساس سليم.
في جانب آخر من المهم أن تتاح المشاركة للذين سبق أن خططوا المخطط الهيكلي لولاية الخرطوم في فترات سابقة إبان الدكتور المتعافي الذي أشرف على إعداده الدكتور (الطيب حاج عطية) و الدكتور (عبد الله عثمان) و المهندس (فايز عباس) و الذين استعانوا بشركات ألمانية و أوروبية متخصصة في التخطيط الحضري للمدن الحديثة، و الذي تمت حوله مداولات و ورش حسب ما قيل لنا أنه مازال موجود في المجلس الأعلي للتخطيط الاستراتيجي بعد أن تم نقله إلى مكان آمن، تضمّن في جانب منه خارطة موجهه للولاية ضمت مخطط هيكلي واسع ارتكز على نقل الوزارات الحكومية و المؤسسات الأمنية والعسكرية من قلب الولاية للأطراف و احتفظ بوجود رمزي لأجل الأمن.
مما تقدم يظل وجه الحقيقة في أهمية أن ياتي المخطط الجديد و الحديث للخرطوم بأن يصنع منها عاصمة جديدة يتم التركيز فيها على الممسكات الاجتماعية، و الذائقة الجمالية، و الوجدان القومي، و الثقافة و الفنون و الحدائق و العمارة التي تعبر عن الهوية السودانية السنارية. كما لا بد من ابتكار الوسائل الحديثة التي تجنبنا الازدحام و تعزّز الفائدة من الواجهات النيلية و إخراج المكاتب الحكومية الي الأطراف و تجميع الخدمات في مجمعات حديثة تعتمد الأنظمة الإكترونية الحديثة.
دمتم بخير وعافية..
الإثنين 16 سبتمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com