مقالات الرأي

ورشة تعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية.. وتحديات الإعلام الرقمي .. بقلم/ م. عبدالمنعم عوض محمد الحسن

لست صحفيا محترفاً، ولكن كشخص متخصص في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات طالعت مخرجات الورشة التي إنعقدت بفندق الربوة ببورتسودان في الفترة 26-27 مايو 2025م، بخصوص مناقشة مقترحات تعديل قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2009م تحت شعار “حرية إعلامية بمعايير مهنية ” بتشريف السيد نائب رئيس مجلس السيادة الفريق. مالك عقار إير وحضور عدد من الخبراء والمختصين.
تعقيباً على إطلعت عليه من أوراق ومناقشات تناولت الجوانب القانونية المختلفة للأمر، وأحاطت بالجدل الحاصل بين الصحافة الورقية والإعلام الرقمي (الصحافة الإلكترونية) كنتيجك حتمية طبيعية للتطور التقني والإنفجار المعلوماتي الهائل ضمن الثورة الصناعية الرابعة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كان لابد لي من التعليق على علاقة الصحافة والإعلام بالمحتوى الرقمي ووسائط النقل المتمثلة في شبكات الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي.

الصحافة الورقية مقابل الإعلام الرقمي:
حينما كانت الصحافة مطبوعة برزت الحوجة إلى وسائل إلكترونية حديثة لتسهيل عملية التحرير والتصميم، فكان أن تم إدخال الحواسيب (خاصة الحواسيب المتخصصة في هذا المجال من شركة أبل ماكنتوش) مما أسهم في إخراج النسخة الورقية المطبوعة من الصحيفة في ثوب قشيب ودرجة عالية من التصميم والإخراج الجاذب للمتلقي، فتنافست (المؤسسات) الصحفية ودور النشر في إمتلاك أحدث التقنيات لإخراج الصحيفة بما يتماشى مع الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة في السرعة والسهولة والتصميم الجذاب، فحافظت الصحافة الورقية على رونقها وجمالها كما حافظت على روادها من القراء الذين يحبذون مطالعة الصحف ورقياً، ولكن مع دخول وإنتشار شبكات الانترنت وظهور محركات البحث التي تمد الباحث بما يطلبه من معلومات، ومع نشوء مواقع تقوم بنشر المحتوى الرقمي وإتاحة الفرصة للمستخدمين للتعبير عن آراءهم وأفكارهم وإيصالها إلى العالم الخارجي، مع بروز مواقع تتميز بالمتابعة وخلق روابط (إسفيرية) بين مستخدمي شبكات المعلومات سميت لاحقا بمواقع (التواصل الاجتماعي) إصطلاحاً، إنحسر الطلب رويداً عن الصحافة الورقية المطبوعة خاصة بالنسبة للجيل الجديد الذي لن يعاصر مكتبات بيع الصحف الورقية ونشأ مع عصر الانفجار المعلوماتي وثورة الاتصالات والمعلومات، فلجأت بعض الصحف والمؤسسات الصحفية إلى مواكبة التطور بتصميم مواقع لها بنفس إسم الصحيفة على شبكة الإنترنت، مما خلق تحدياً جديدا في التوفيق بين الاستمرار في الطباعة الورقية وتحمل الخسارة وبين المجهود الإضافي وأدواته ومستلزماته لمواصلة النشر والانتشار عبر شبكات المعلومات مما أضاف عبئاً جديدا على المؤسسة الصحفية، وأدخلها في عالم جديد مختلف له قوانينه وإلتزاماته ومسئولياته ومطلوباته بعيدا عن القوانين واللوائح التي يتحاكم بها أطراف الصحافة الورقية المطبوعة، فبرز تحدي جديد بأن النشر الإلكتروني له من القوانين والنيابات المتخصصة وما يستتبعها من أدوات إثبات وحجية للدليل الرقمي تختلف تماما عن ما إعتادت عليه الصحافة الورقية التقليدية.

الإعلام الإلكتروني (الإعلام الرقمي) :
يتم تصنيف الإعلام الإلكتروني عادةً ضمن المحتوى الرقمي للدولة، فإثراء المحتوى الرقمي لابد أن تدخل فيه المادة الصحفية كأحد الاعمدة الأساسية له جنباً إلى جنب مع المواقع الإلكترونية والمنتديات والمجموعات المتخصصة ومراكز المعلومات ومواقع وكالات الأنباء والمدونات الشخصية وغيرها، وكما ورد ذكره في الورشة فإن جائحة كورونا (كوفيد-19) حتما كان لها تأثير كبير في إنحسار الطباعة الورقية للصحف، واللجوء إلى الصحافة الالكترونية كبديل أملته الضرورة في حينها ولكنه للإسف إستمر حتى بعد إنحسار الجائحة، ولكن ما يعاب على الصحافة السودانية إنها لم تستفيد من تلك الفترة بترسيخ إسم ومحتوى الصحيفة في أذهان القراء، وحتى هذه اللحظة لم تحافظ صحف كانت أسماء كبيرة في عالم الصحافة المطبوعة على إسمها كصحف إلكترونية مقروءة ومتابعة بواسطة المستخدم الرقمي (إن جاز التعبير)، والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف حافظت صحف عالمية كبيرة وواكبت المتغيرات وثورة المعلومات وما زالت تجد ذات الحضور والرواج في شبكات المعلومات بنفس أسماءها الكبيرة، بل أنشأت لنفسها مواقع وحسابات موثقة لايمكن التشكيك فيها مثل صحف (الإندبندنت ونيويورك تايمز وغيرها)، بل تجد لها موقع وحساب في كل المنصات العالمية الموثوقة لنقل الاخبار وإستقاء المعلومات، وتنقل عنها جميع مواقع ووكالات المعلومات العالمية، فلماذا لم تحذو الصحف السودانية الكبيرة حذوها وترسخ حضورها وتواجدها في جميع المنصات ومزودات الخدمة الكبيرة بمواقع وحسابات وكيانات إعتبارية موثوقة..!!

النشر الإلكتروني والمسئولية القانونية :
دائما مصطلح النشر الإلكتروني تستتبعه مسئوليات قانونية وأخلاقية تجاه المجتمع، فما يتم نشره بالتأكيد يكون متاحاً للمشاهدة والإطلاع من جميع مستخدمي مجتمع التقنية ويصل في لحظات إلى كل العالم، وتساعد في الوصول إليه كل محركات البحث عبر الشبكة العنكبوتية، وعند وصوله وظهوره تبدأ المسئولية القانونية فإن كان محتوى مخالفاً لقوانين النشر الإلكتروني من إشانة للسمعة أو القذف أو السباب أو كان محتوى كاذباً أو مخالفا للقيم والعادات والمعتقدات بالمجتمع، يتم محاكمة الناشر وفقاً للقوانين السارية المتعلقة بنشر المحتوى المعلوماتي، وذلك على الرغم من وجود قوانين جنائية أخرى تحاكم ذات الأفعال إن كان موقع النشر غير إلكتروني، ويتم التشديد بالعقوبة في حالة النشر الإلكتروني لإمكانية وصول (المقال) موضوع القضية إلى أكبر عدد من المتلقين، بعكس الكلمة المسيئة التي تقال للشخص وتكون فقط بحضور شهود الواقعة المحدودين.
والملاحظ في الحالة السودانية أن الصحفيين المشهورين الذين انجبتهم الصحافة الورقية المطبوعة، صاروا يعملون كمنصات شخصية للمعلومات بمعزل عن الصحيفة التي كانوا ينتمون إليها، وكأن هناك (فك إرتباط) قد حدث بين الصحفي والصحيفة، فتجد الصحفي له حساب شخصي موثّق في جميع المنصات العالمية الكبرى (مثل فيسبوك، X وغيرها)، وينقل من خلاله معلومات عن مسئولين أحداث، ويكون في موقع الحدث بنفسه، ومن مساوئ هذه الحالة أنه لا يكون ملزما بخط تحريري أو قيود صارمة تفرضها عليه المؤسسة الصحفية (إلا الوازع الأخلاقي) مما يجعل معلوماته عرضة لحالات المزاجية أو مرهونة بالتوجهات والإنتماءات السياسية فيكون طابعها الانتقاءية، وفي هذه الحالة يكون الصحفي حذرا جدا لعدم وجود كيان يسنده إذا تمت محاكمته في المحكمة العدلية أو في محكمة الرأي العام، لذلك وجود الصحفي ضمن صحيفة إلكترونية يحقق الفائدة المتبادلة له وللمؤسسة الصحفية، ويبني مجده الشخصي من خلال المؤسسة الصحفية وليس من خلال موقعه الإلكتروني الخاص أو حسابه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي.

ختاماً:
لابد من فرض قيود صارمة على النشر الإلكتروني وإستحداث تشريعات وقوانين ولوائح تنظم النشر الإلكتروني بل وتعديل الإسم ليكون (مجلس تنظيم الصحافة والمطبوعات والنشر الإلكتروني والمحتوى الرقمي) ويكون قانونه هو القانون الحاكم الوحيد للتقاضي في مجال النشر عبر الوسائط الرقمية ومواقع الانترنت، وعدم السماح بتكرار فتح نفس البلاغ بواسطة قانون جنائي آخر وذلك بإعتبار الوسط الناقل للمعلومة ومكان النشر ووقوع الجريمة.
يجب على القسم المسئول عن النشر الإلكتروني بمجلس الصحافة والمطبوعات أن يقوم بإلزام جميع الصحف السودانية بأن يكون لها مواقع إلكترونية (يتم تحديثها يومياً) علي شبكة الإنترنت ذات مسئولية محددة، كما يجب تقييد الصحفيين بالنشر الإلكتروني عبر مؤسسات صحفية مسجلة رسمياً كجهات إعتبارية يمكن محاسبتها وفرض السياسات التحريرية اللازمة عليها من قبل الدولة، وعدم السماح الصحفيين بممارسة مهنة الصحافة من خلال صفحاتهم الشخصية وحساباتهم في منصات التواصل الاجتماعي، بل يمكن أن تصبح مصدرا لنقل ما يتم نشره من أخبار ومعلومات في مؤسساتهم الصحفية، كما يجب سن قوانين وتشريعات تعمل علي ضبط (ناشر المحتوى) سواء أن كان خارج أو داخل السودان، وتقييده وفق قوانين النشر الإلكتروني السودانية، بل والعمل على عدم وصوله إلى الداخل السوداني في حالة عدم إمتثاله للأوامر القضائية الصادرة عن النيابات والمحاكم المختصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى