🎯 استراتيجيات … البكماء تتحدث .. التغيير الديموغرافي الاستيطاني !!… بقلم د. عصام بطران
– بينما تقاتل القوات المسلحة كفاحاً لإجلاء المليشيا المتمردة من بيوت المواطنين عبر تمسكها بإعلان جدة أو استردادها عبر قوة وجبروت السلاح، هنالك طرف ثالث يقنن وجودهم و يجعله واقعاً عملياً ماثلاً يحول دون مغادرتهم هذه المنازل إلى الأبد.
– عمليات بيع و شراء واسعة النطاق للأراضي في ولاية الخرطوم تجري هذه الأيام، الهدف منها إحداث تغيير ديموغرافي أنثروبولوجي استيطاني عبر مخطط يبدو أن تمويلاً ضخما قد رُصد لتنفيذه لاستدامة سكن المتمردين بطريقة قانونية عبر عمليات البيع و الشراء و نقل الملكية والتسجيل باسم المالك الجديد.
– يهمس بعض العائدين إلى بيتوهم بمناطق أمدرمان القديمة بعد تحريرها من أيدي المليشيا المتمردة عن وجود سكان جدد بمنازل بعض الجيران، و بعد السؤال و التدقيق اتضح أنهم اشتروا تلك المنازل و أكملوا إجراءات البيع و الشراء -بالتراضي- وقبض المالك القديم الثمن المجزي وزيادة عدّاً نقداً.
– من يقوم بعمليات الإحلال و الإبدال الديموغرافي الأنثروبولوجي سماسرة عقارات انتهزوا فرصة الحرب، و أصبحوا في حالة تواصل لإكمال عمليات البيع و الشراء لمصلحة منسوبي المليشيا المتمردة بمبالغ مالية يسيل لها اللعاب بعد توفير المعلومات عن المالك الأصلي و مكان نزوحه و التواصل معه و إقناعه بالبيع للمالك الجديد و تتم هذه العملية عبر التوكيلات الشرعية الموثقة بالسفارات والمحاكم بالولايات التي نزح إليها المالك بسبب الحرب، و تكمل عمليات البيع عبر تحويلات (بنكك)، أو نقداً بتسليم المالك (جوالات مليئة بالنقد) في مكان إقامته الطارئ بالولايات أو تسلم له خارج السودان بالعملات الصعبة في مصر، و السعودية، و الإمارات، و أثيوبيا و جنوب السودان.
– الأمر الذي لا جدال حوله أن بعض عمليات البيع و الشراء للبيوت و الأراضي تتم بصورة قانونية حقيقية بحتة عبر وكلاء من إثنيات لا علاقة لهم بإثنيات الجنجويد بغرض التمويه و لكن أصل العملية يتم لمصلحة المشتري وفق ضمانات مع الموكل بالشراء.
– (البكماء لا بتاكل ولا بتشرب) عبارة ذكية أطلقها سماسرة الأراضي باعتبارها أقصر الطرق للثراء في مقابل الإنفاق عليها ، الأرض في السودان قيمة اجتماعية أكثر من كونها اقتصادية أو انتاجية أو خدمية، و برزت أيضا قضية الأرض البيضاء وهي الارض خالية المباني وسط المساكن في الأحياء مكتملة الخدمات وقيمتها متصاعدة لأسباب (هلامية و وهمية) حتي بلغ سعر متر الارض في (الحاج يوسف) أو (أمبدة) مبلغاً أكبر من سعر متر الأرض بخدماته في لندن أو سويسرا و القاهرة، وخطورة هذه الأرض من كونها لا يعرف مالكها أو عمليات الشراء و البيع التي تجري عليها إلا عقب البناء و هنا سيظهر السكان الجدد.
– الاستيطان اليهودي في فلسطين لم يكن معلوم النتائج إلا عقب حرب (1948م) بعد الهجرة المنظمة لتوطين يهود الشتات عبر مخطط دولي و إقليمي نفذ عمليات البيع و الشراء للأراضي قبل و أثناء و بعد حرب حرب النكبة التي هُزمت فيها الجيوش العربية، نتيجة التغيير الديموغرافي الذي حدث في الأرض، و تغيّر المالك الأصلي إلى المالك اليهودي بالقانون و عبر شراء الأراضي و مقابل مبالغ البيع اشترى الفلسطينيون شقق سكنية صغيرة في دول اللجوء والمهجر وطرد اليهود من بقي وسطهم من المتمسكين بأرضهم.
– أذكر في عهد الدكتور (شرف الدين بانقا) مفوض الشؤون الهندسية بمعتمدية العاصمة القومية تم تقنين الحيازات العشوائية القديمة، و ترحيل بعضها إلى مواقع أخرى و إلى حين ذلك الوقت لم يتم الكشف عن هوية ملاكها المرحلين، واتضح لاحقاً أن أكثر من (70%) منهم لا زالوا في حكم الأجانب لا يملكون الجنسية السودانية على الرغم من أن القانون يمنحهم نيل الجنسية بالتجنس، ونسبة لأهمية امتلاك الحيازات عبر شهادات البحث حدثت هجمة شرسة لاستخراج الجنسية بالتجنس من تلك العناصر المهاجرة ليس من أجل تقنين الإقامة النظامية بل لأنهم موجودون منذ الخمسينيات بالسودان ولكن لأجل إكمال اجراءات تسجيل الأراضي لهم في الموقع الجديد، حتى أصبحت مناطق جنوب الخرطوم مستعمرات ديموغرافية أنثروبولوجية جديدة، و من خلالهم وجدت المليشيا المتمردة ضالتها في تجنيدهم في عمليات النهب و السلب التي حدثت في الخرطوم منذ اليوم الأول للحرب، أيضاً حدثت تغييرات ديموغرافية بالجزيرة مما أفرز قضية سكان (الكنابي) إلى أن أصبحت عصبة اجتماعية مطلبية بسبب مطالب حيازة و امتلاك الأرض -و أيضاً- وجدت المليشيا المتمردة (نفاج) تنفُذ من خلاله لتغيير الخارطة السكانية في ولاية الجزيرة والتجنيد لصالح عملياتها العسكرية.
– إن ما يجري من عمليات بيع و شراء للأراضي في الخرطوم و الولايات التي تقع تحت سيطرة المليشيا المتمردة يتم بأفضل أسعار البيع و الشراء لكافة استخدامات الأراضي الزراعية، و السكنية (المشيدة و غير المشيدة) والتجارية مما يؤكد أن هناك حملة منظمة لعمليات إحلال و إبدال السكان مقابل ذلك هناك عمليات شراء للشقق في دول اللجوء من عائد بيع البيت أو الأرض في السودان.
– الحقيقة الكارثية تقول أن عناصر المليشيا المتمردة يمتلكون المال عداً نقداً، و أن هناك جهات أجنبية و محلية تقوم بعمليات التمويل لشراء أكبر عدد من الأراضي قبل وضع الحرب أوزارها سواء بالنصر الميداني أو عن طريق تنفيذ اتفاق جدة، و لكن وقتها هل سيكون المالك هو نفس المالك؟ وهل ستكون التركيبة السكانية القومية هي نفس التركيبة التي أقرها قانون تسوية و تسجيل الأراضي للعام (1925م)؟ و كذلك قانون الخطة الاسكانية القومية؟
– يجب على الحكومة إجراء تعديلات عاجلة في قوانين نقل ملكية و تسجيل الأراضي لتواكب الواقع على الأرض، و عليها أيضا مراجعة قانون حيازة الأرض غير المخططة الذي تحكمه المادة (631) وما بعدها من قانون المعاملات المدنية لسنة (1984م) وهو ما يطلق عليه في القانون ب(الحيازة الفعلية)؛ و هي أن الشخص الذي الذي يحوز الأرض هو صاحب الحيازة الفعلية بالبناء و السكن، و ذلك أن كل الأراضي غير المسجلة ملكاً حراً للدولة، و لكن من الجائز أن يقوم المواطن باكتساب الحيازة، وهذا مدخل خطير للمستحوذين الجُدد من عربان الشتات كما جرى في عمليات توطين يهود الشتات في فلسطين.