مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة …عشرون شهراً هل اقتربنا من استعادة الأمن؟! بقلم/إبراهيم شقلاوي

بعد مرور عشرين شهراً على اندلاع الحرب في السودان، تتضح معالم التطورات العسكرية و السياسية التي شكّلت مساراتها بعد الانقلاب العسكري الذي قادته مليشيا الدعم السريع ضد الجيش السوداني بغرض الاستيلاء على السلطة مسنودة بأطراف محلية و إقليمية، هذا الصراع الذي تداخلت فيه الأبعاد الإقليمية و الدولية أفرز تحديات كبيرة على مستوى الأمن و السياسة و أسهمت التطورات العسكرية في تغيير موازين القوى على الأرض ما جعل المسار السياسي أكثر تعقيداً.

في البداية برز الجيش السوداني كقوة رئيسية في مواجهة المليشيا الانقلابية، مع تصاعد الأحداث تمكّن الجيش من تحقيق انتصارات عسكرية كبيرة على الأرض آخر هذه النجاحات كانت عملية (ود الشريف رأيو كمل) التي أسفرت عن تدمير قاعدة الزرق في شمال دارفور نقطة إمداد استراتيجية للمليشيا.

هذه العملية شكلت ضربة قوية حيث أدت إلى تعطيل قدرة المليشيا على التحرك بفعالية، و قلّصت من قدرتها على السيطرة على الأراضي ما أسهم في استعادة العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرتها. من أم درمان و بحري إلى الفاشر ،و من سنجة إلى الجزيرة تلك الانتصارات العسكرية ساعدت في تقليص نفوذ المليشيا في العديد من المناطق الحيوية.

على صعيد العمليات العسكرية كان الجيش السوداني يعتمد على مزيج من الاستراتيجيات المعقدة تشمل العمليات الاستخبارية، القتال الجوي و التكتيك الأرضي. لقد استهدفت هذه الاستراتيجيات قلب المليشيا من خلالها تم تحييد قياداتها و تدمير مواقعها العسكرية الرئيسية و قطع خطوط إمدادها، و هو ما جعلها تفقد زمام الأمور تدريجياً. كما استطاع الجيش السوداني تحرير منطقة (جبل موية) وعبور الجسور الرئيسية في الخرطوم، ما ساعد على تعزيز تقدم الجيش و توسيع سيطرته.

رغم هذه الانتصارات استمرت مليشيا الدعم السريع في مقاومة الجيش بشراسة، و لكن مع مرور الوقت بدأت هذه القوات تشهد تفكُّكاً داخلياً بسبب الهزائم المتتالية. هذا التفكك دفع إلى انهيار معنويات المليشيا في العديد من المواقع. بجانب تلك الهزائم، بدأ الدعم الإقليمي و الدولي الذي كانت تعتمد عليه في التراجع بشكل تدريجي ،خاصة بعد التنديد الدولي الواسع بانتهاكاتها ضد المدنيين، و هو ما أسهم في إضعاف موقفها السياسي.

من جهة أخرى، برزت التداعيات السياسية الداخلية بشكل أكبر مع تصاعد الانقسامات بين المكونات السياسية السودانية. الإطاحة بحكومة البشير في (2019) تركت في السودان فراغاً سياسياً استغله الانقلاب العسكري لتنفيذ أجنداته. هذا الفراغ ساعد في تصعيد الأزمة و جعل من الصعب تشكيل حكومة مدنية موحدة تمثل كافة المكونات السودانية . في هذا السياق، فإن الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش السوداني أثبتت أنها لم تكن كافية وحدها لتجاوز الأزمة السياسية لذا أصبح من الضروري إعادة بناء العملية السياسية في البلاد.

بالتوازي مع ذلك، هناك دعوات متزايدة نحو تسوية سياسية تضمن استقرار السودان على المدى البعيد. هذه الدعوات ازدادت مع تقدم الجيش على الأرض حيث بات من الواضح أن الحل العسكري لا يمكن أن يكون الحل الوحيد للأزمة. في خطاباتها الأخيرة، أكدت الحكومة السودانية على أهمية إجراء حوار سياسي بعد انتهاء الحرب لا يستثنى أحد. رغم ذلك فإن الطريق إلى هذا الحوار لا يزال مليئاً بالتحديات ،خاصة في ظل الانقسام السياسي العميق بين القوى المختلفة، و كذلك الصراعات الحادة التي تعصف بالعملية السياسية.

في هذا السياق، قال رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في تصريح أول أمس إن الحوار رهين بعودة المواطنين إلى منازلهم و هو طريق استئناف العملية السياسية وإجراء الانتخابات التي يقرر فيها الشعب السوداني مستقبله السياسي من دون تدخلات خارجية. هذا التصريح جاء في ظل مساعي الأمم المتحدة و مبعوثها (رمطان العمامرة) لتوحيد المبادرات الداعية للسلام في السودان و هو ما يوضح أن الحكومة السودانية تسعى إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة. من الواضح أن إعادة بناء الثقة بين المكونات السودانية سيكون خطوة أساسية في هذا الاتجاه .

على الصعيد الإقليمي و الدولي لعبت القوى الكُبرى دوراً بارزاً في تحديد مسار الحرب. قدمت دول مثل مصر و السعودية دعماً لوجستياً و سياسياً للجيش السوداني في مواجهته للمليشيا، في حين أن بعض الدول الإقليمية الأخرى بحسب الحكومة السودانية مثل الإمارات و تشاد وليبيا قدمت الدعم لمليشيا الدعم السريع . تم ذلك من خلال تزويدها بالأسلحة و المعدات العسكرية مما ساهم في تأخير الحسم العسكري لصالح الجيش السوداني.

في الوقت نفسه استمرت الأمم المتحدة في إدانة الانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين، في حين أن الدعم السياسي للجيش السوداني ظل محدوداً خوفاً من تأثير الحرب على مصالح القوى الدولية في المنطقة الأمر الذي عكس توازناً مرفوضاً في التعامل مع الأزمة السودانية.

على الرغم من الهزائم العسكرية التي تتلقاها مليشيا الدعم السريع فإن الحسم العسكري لا يمثل الحل النهائي للأزمة. يظل الحل السياسي ضرورة ملحة لضمان استقرار السودان بعد انتهاء الحرب. من المرجح أن يستمر الجيش السوداني في الضغط على المليشيا حتى إنهاء وجودها في العملية الأمنية و السياسية ما يعجل من انهيارها. و مع تقدم الجيش في ميدان المعركة يصبح من الواضح أن العودة إلى الحوار بين القوى الوطنية السودانية سيظل أمراً أساسياً لتحقيق المصالحة الوطنية و استقرار البلاد.

عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة، يمكن القول أن السودان يمر بلحظة فارقة بعد عشرين شهراً من الحرب، الجيش السوداني حقق تقدماً مهماً في الميدان و لكن الاستقرار السياسي لا يزال أمراً غير محقق. التحدي الآن هو إيجاد تسوية سياسية شاملة تضمن إعادة بناء دولة مدنية مستقرة، يقودها الجيش في المرحلة الانتقالية مع حكومة كفاءات وطنية و ضمان سيادة البلاد وعدم التدخلات الخارجية و العدالة الانتقالية.
دمتم بخير و عافية.
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى