الذي يولد ولا يموت هو بشارة النصر … بقلم اللواء (م) مازن محمد إسماعيل

✌️الحمدلله الذي شرَّف الشهداء بالاصطفاء ، وكرَّم هذه الأمة ومجاهديها بالشهداء ، والشهيد هو الكائن الوحيد الذي يولد فلا يموت أبداً ، وكأيِّن من نبيٍ قاتل معه رِبيون كثيرٌ ، فأصابهم في سبيل الله ما يصيب المقاتلين ، فما وهنوا ولا استكانوا حتى آتاهم الله ثواب الدنيا وحُسن ثواب الآخرة ، ومن خصوصية هذه الرسالة الخاتمة .. أن محمداً ما هو إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل ، فلا يحملنا موتُه أو قتلُه -ناهيك عن غيره- إلا على مزيدٍ من الشكر لله ، والصلابة على مبدأ التعلُّق بالله وحده ، والمرء في حياته مهما طالت وبلغت فيها هِمَّتُه .. فإن له له قُدرةٌ محدودة على العطاء والإبداع والإنجاز ، ولذلك فإن من حكمة الله ضرورة الاستبدال بين الأجيال ، وعندما أمدَّ الله في عمر نوحٍ عليه السلام فلبث في قومة ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً مع المثابرة التي حدثنا عنها القرآن .. واساه ربُّهُ بأن لا يبتئس فلن يؤمن من قومه إلا من قد آمن ، وما آمن معه إلا قليل ، وذلك ليعلم الناس أن قُدراتهم محدودة ، وهم لن يبلغوا معشار ما عُمِّر نوحٍ ، ولا عُشر معشار هِمَّته ، وعندما قُبِض الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن الإسلام يتجاوز جزيرة العرب ، وليس أحدٌ يُقارَنُ به عليه أفضل الصلاة والسلام ، ولكن جرَت سُنَّة الله في أن الجيل الذي خلفه عليه الصلاة والسلام قد دَكَّ إمبراطوريتي فارس والروم ، والذين خلفوهم سادوا الأرض لأكثر من ألف عام.

✌️وعدُ الله لإخوان القردة والخنازير بأنهم يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ، وستعلم إسرائيل وغيرها أي غباوةٍ وحماقةٍ ارتكبتها إسرائيل حين أزالت الجيل المؤسِّس لحزب الله وحركة المقاومة الإسلامية -والذين تجشموا عناء القيادة لأكثر من ثلاثة عقود ، واسنفذوا كل قُدُراتهم التي كان آخرها أرواحهم- وفتحت إسرائيل بنفسها المجال واسعاً أمام الأجيال الجديدة الخلّاقة لِتسنُّم سُدَّة القيادة لذروة سنام الأمر … وقد أخبرنا القرآن أن الأجيال التي نشأت في ظروف المسكنة والاستذلال تستعصي عليها مراقي العزة والنصر حتى لو كانت مضمونةً بوعد الله ومقودةً بموسى وهارون عليهما السلام ، وذلك حال الأجيال التي كابدت عصر الاستضعاف والانكسار في بلاد المسلمين ، فرغم أن الله قيَّض للناس أمثال أحمد ياسين وحسن نصر الله وإخوانهم الذين اقتدوا بدور موسى وهارون عليهما السلام .. غير أن بقية الجيل ظلوا في مقام إن فيها قوماً جبارين وإنا ها هنا قاعدون … ولكن الأجيال التي وُلدت في زمان المقاومة ، فبدأت جهادها بالحجارة حتى بلغت الصواريخ والمُسيرات والعبوات الناسفة ، ولم ينتظروا أن يبعث الله لهم ملكاً ليقاتلوا في سبيل الله ، بل ما انفكوا يدخلون عليهم الباب من السماء وفوق الأرض وتحتها .. هم الأجيال التي تتمثل دور داوود عليه السلام ، وهم الذين يوقنون بأن الفئة القليلة تغلب الفئة الكثيرة بإذن الله .. لا بقيادة فلان ، وإن شاءالله لسوف يكون كنس النجس الإسرائيلي من فلسطين ، وإزالة رجس عملائها في المنطقة على يد هذا الجيل الجديد الذي هيأ الله له اليوم شرف قيادة النصر.

✌️ليس في الكون صُدفة ، وما يعزُب عن ربك من مثقال ذرة ، وقد أوجدنا الله سبحانه وتعالى في هذا الزمن على قدَر ، ولَيعلمنَّ اللهُ الذين آمنوا وصدقوا ، ولَيعلمنّ الله المنافقين والكاذبين ، وهذه أيامُ الله ، ولا مجال فيها للحياد وأنصاف المواقف ، ونَصرُ الله لا ريب فيه ، وهو سبحانه غنيُّ العالمين ، فمن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ونضّرَ الله وجه من قدَّم لنفسه اليوم موقفاً لا يُخزيه بين يدي الله ورسوله ، فاللهم استعملنا في نصرة دينك والمستضعفين ، ولا تكِلنا في إيماننا وعزمنا وعملنا إلى غيرك طرفة عين ، وأبرم اللهم لبلادنا والمسلمين في فلسطين والسودان ولبنان وغيرها .. قيادةً ربَّانيةً راشدةً تقود الناس إلى مَواطن الشرف والعزة فلا تخاف لومة لائم.

✌️كان حُمَمَة بن أبي حُمَمَة الدوسي من صحابة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، وكان مجاهداً في فتح أصبهان ، فدعا ربه رضي الله عنه قائلاً: (اللهم إن حُمَمَةَ يزعُمُ أنه يُحبُّ لقاءك شهيداً ، فإن كان حُمَمَةُ صادقاً فاعزم له صِدقه ، وإن كان كاذباً فاعزم عليه وإن أبا) ، فالكيِّسُ لا ينشغل بموعدِ النصر الذي هو آتٍ لا محالة ، ولكن الفَطِن من انشغل بأن يكون في جانب الحق حتى يلقى الله ، وقد كان زيد بن أرقم رضي الله عنه يتيماً ربَّاه عبد الله بن رواحة في حِجْره ، فخرج إلى مؤتة وكان ابن رواحة يردفه على حقيبة رحله ، فبينما هم في المسير ليلاً وعبدالله يظن أن زيداً نائم .. سمعه زيدٌ ينشد قائلاً :

*إذا أدَّيتني وحملت رحلي*     
*مسيرة أربع بعد الحساء*

*فشأنك أنعم وخلاك ذمٌ*     
*ولا أرجع إلى أهلي ورائي*

فيقول زيدٌ فبكيتُ حتى شهقت فشعر بي ابن رواحة ، فخفقني بالدرة ، وقال : ما عليك يا لُكََع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرَّحل!! ، وكان أبوالدرداء رضي الله عنه إذا اجتهد في الدعاء قال: (اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً أُخزى به عند عبدالله بن رواحة) ، فهنيئاً للشهداء اصطفاؤهم ، ومباركٌ على المسلمين انبلاج فجر انتصارهم ، وتعالى جَدُّ ربِّنا الغالبُ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

*أَتُطفِئُ نور اللهِ نفخةُ كافرٍ*
*تعالى الذي بالكِبرياءِ تَفَرَّدا*

١٨ أكتوبر ٢٠٢٤م

Exit mobile version